أزمة الانتخابات الإيرانية.. انقسامات بين المرشحين وعزوف الناخبين ومخاوف من نجاد

يوسف بنده

رؤية

يبدو أن أزمة المشهد الانتخابي في إيران لا تتوقف على عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات؛ ولكن الأزمة تمتد إلى المرشحين وضعف برامجهم السياسية والاقتصادية، وأيضًا إلى مجلس صيانة الدستور المنوط به فرز المرشحين للرئاسة وإعلان قائمة من المقبولين وفق قواعد دستورية مُعلنة على أساس أوراقهم المقدمة.

وحسب تقرير لصحيفة الجريدة الكويتية، فقد كشف مصدر في مجلس صيانة الدستور الإيراني، أن المجلس يواجه انقسامات وخلافات كبيرة خلال عملية التصديق على أهلية المرشحين للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو/ حزيران المقبل.

وأوضح المصدر أن أكثر من 1500 شخص قدموا أوراق ترشحهم، وعادة ما يصدق المجلس على ترشيحات ثمانية إلى عشرة أشخاص من أصل ألفي مرشح، لكن الجديد في هذه الدورة أن هناك أكثر من 50 مرشحاً على الأقل، من «الصف الأول» وتنطبق عليهم جميع المواصفات التي حددها المجلس.

وأضاف أنه حتى الآن تمت المصادقة على أهلية 15 مرشحاً لكن لا بد من حذف بعض هؤلاء لكي تتمركز الانتخابات على عدد أقل من المرشحين.

من ناحية أخرى، أشار المصدر إلى وجود انقسامات حول سبل التعامل مع بعض المرشحين المثيرين للجدل مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي يملك جميع المواصفات المؤهلة إلا أنه أطلق مواقف سياسية معارضة لمجلس صيانة الدستور وتحدى سلطته.

وقال المصدر إنه «إذا صدق المجلس على أهلية جميع المستحقين فسنكون أمام مشهد انتخابي مثير، إذ سيكون هناك أكثر من 15 مرشحاً جميعهم ليس لديهم أي شعبية، مما يعني أن أصوات الناخبين ستكون مشتتة، وإذا أضيف ذلك إلى نسبة المشاركة القليلة فيمكن أن يصل رئيس إلى السلطة بأقل من 8 ملايين صوت أي بأقل من 10 في المئة من الأصوات، وهو ما يعطيه مشروعية ضعيفة محلياً وأمام المجتمع الدولي».

وذكر المصدر، أن حكومة حسن روحاني طلبت أصلاً من «صيانة الدستور» تأجيل الانتخابات بحجة تفشي وباء كورونا، لكن الأخير رفض.

عودة نجاد

أوضح تقرير صحيفة الجريدة، أن دخول نجاد إلى الانتخابات من الممكن أن يؤدي إلى تسخينها، غير أن هناك تخوفاً من أن يجر البلاد إلى صدامات داخلية مشابهة لما حصل عام 2009، إضافة إلى أن أغلبية الاستطلاعات تؤكد أن شعبيته جارفة مقارنة بباقي المرشحين ويمكن أن يكسب الانتخابات بسهولة.

وفي الوقت نفسه، قال المصدر إن أعضاء المجلس متخوفون من أن تقوم جماعة نجاد بإثارة اضطرابات إذا مُنع من خوض المعركة، ويلفتون إلى أحداث كان خلفها تلك الجماعة بشكل عام، موضحاً أنه لهذه الأسباب، أرجأ مجلس صيانة الدستور إعلان أسماء المرشحين خمسة أيام كي تكون لديه فرصة أكبر للتشاور مع المرشد الأعلى علي خامنئي.

هذا، وينشط محمود أحمدي نجاد هذه الأيام في الضغط على مجلس صيانة الدستور؛ لضمان عدم خروجه من سباق الترشح. فقد تحدث أحمدي نجاد، في كلمة له على شبكة التواصل الاجتماعي “كلوب هاوس”، عن رأيه في “نظام ولاية الفقيه الإيراني”، قائلا: “إذا أراد الشعب تغيير أي جزء من الدستور، فإن إرادة الشعب هي الأساس، وولاية الفقيه يجب أن تكون أيضًا رمزًا ومظهرًا من مظاهر الإرادة العامة”. وتحدث نجاد في “كلوب هاوس”، عن قضية الحرية، قائلاً: “في بلد بلا حرية، لا يمكن أن يكون هناك نمو وازدهار. من ينتقد الجمهورية الإسلامية يسجن، هل تدافعون عن الوضع الراهن؟ لقد أغلقتم الباب أمام النقد لدرجة أنه يبدو خروجاً عن المألوف. وقد حددتم دائرة اختيار المواطنين”.

انقسام بين المرشحين

يتوقع أن تؤدي الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى ترسيخ كامل للانقسام في معسكر المحافظين، بعد عملية تفكك طويلة عرفها الجناح اليميني في الخريطة السياسية للجمهورية الإسلامية.

وحتى قبل مصادقة مجلس صيانة الدستور وإعلان اللائحة النهائية لأسماء المرشحين المتنافسين في انتخابات 18 حزيران/يونيو، ترجح وسائل الإعلام الإيرانية أن يكون السباق الرئاسي ثنائيا بين المحافظ “التقليدي” علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى بين العامين 2008 و2020، والمحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الذي يشغل منصب رئيس السلطة القضائية منذ 2019.

وحسب تقرير قناة فرانس 24، فقد بدأ التباعد بين أطياف التيار المحافظ على هامش احتجاجات “الحركة الخضراء” التي رافقت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009، ووقع الافتراق بعد الاتفاق حول البرنامج النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015.

بدأ تصنيف “المحافظين” بالظهور في الإعلام الإيراني اعتبارا من 1997، العام الذي شهد انتخاب الإصلاحي محمد خاتمي رئيسا للجمهورية.

حتى ذلك الحين، كان تصنيف “يمين” و”يسار” هو الحاضر في التركيبة السياسية لمن اتبعوا “خط الإمام” روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، وشكلوا نقطة ثقل السياسة المحلية بعدما أبعدت مطلع الثمانينات القوى الأخرى التي ساهمت في الثورة الإسلامية لعام 1979، مثل الماركسيين والليبراليين والقوميين.

واعتبارا من 1988-1989، وهي الفترة الزمنية التي شهدت انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ووفاة الإمام الخميني، هيمن اليمين تدريجا على السياسة المحلية مع تراجع الطرف الآخر.

واختلف الطرفان بشكل أساسي حول دور الدولة في الاقتصاد، إذ أيّد اليسار تدخلها، في حين كان اليمين محبذا لمحدودية دور كهذا.

وشهد العام 1997 نقطة تحول بفوز “اليساري” خاتمي بالرئاسة، ليطلق سياسة إصلاحية ارتكزت بشكل كبير على الانفتاح على الغرب.

عزوف الناخبين

قال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور في إيران عباس علي كدخدائي، الثلاثاء الماضي، 18 مايو/ أيار،  في تصريح أدلى به إلى “أسوشيتد برس”، إن المشاركة المنخفضة المحتملة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران لن تشكل أي مشاكل قانونية وأن شرعيتها لا تزال باقية.

وحذرت مؤسسة الطلبة الإيرانيين لاستطلاع الرأي (إيسبا)، وهي مؤسسة حكومية، أن نسبة المشاركة في انتخابات هذا العام ستكون نحو 39 في المائة من بين الناخبين المؤهلين، وهو أدنى مستوى منذ إعلان الجمهورية الإسلامية في عام 1979.

يشار إلى أن النظام الإيراني يعتبر نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات بأنها جزء من شرعيته، ويعتقد البعض أن كبار مسؤولي النظام الإيراني سيحاولون بطرق مختلفة تشجيع المواطنين المتعبين والمستائين من الأوضاع الحالية في البلاد، على المشاركة في الانتخابات.

وأكد عباس علي كدخدائي لـ”أسوشيتد برس”: “إن مشاركة مرشحين من توجهات مختلفة قد يرفع من مستوى الحضور في الانتخابات”.

وتُظهرُ استطلاعاتُ رأي حكومية وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي أن الإيرانيين محبطون وساخطون على حكامهم، وسط تصاعد دعوات لمقاطعة الانتخابات المقررة الشهر المقبل؛ لإيمانهم بأنها لن تغيِّر شيئا.

وقبل أقل من شهر على موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في 18 يونيو، كانت هناك مؤشراتٌ قليلة على أن الإيرانيين متحمسون بشأن التصويت.

وقال تقرير نشره موقع راديو «فردا» إنه بالنسبة إلى العديد من الإيرانيين فإن التصويت في الانتخابات يعد اختيارا بين السيئ والأسوأ.

ويرى كثيرٌ من الإيرانيين أن الانتخابات في بلادهم مقيدةٌ بشكل كبير، حيث التيار المتشدد في مجلس صيانة الدستور، الذي يسيطر عليه المرشد الإيراني علي خامنئي ويعيِّن أعضاءه، المرشحين مسبقًا.

ويعتقد هؤلاء أن مقاطعةَ الانتخابات هي الخيار الوحيد لأن المسؤولين المنتخبين لا يمتلكون الصلاحيات الكافية للتغيير كما أنهم فشلوا في السابق في تحقيق وعودهم.

وتشير استطلاعاتُ الرأي والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود قائمة طويلة من المظالم ساعدت في نمو مناخ المقاطعة للعملية الانتخابية في إيران.

ويلفت تقرير راديو «فردا» إلى أن كثيرا من الإيرانيين مستاؤون من الاقتصاد المتعثر الذي سحقته العقوباتُ الأمريكية المستمرة، بالإضافة إلى أنهم غاضبون من القمع الذي مارسته السلطاتُ خلال احتجاجات عام 2019، فضلا عن انتشار الفقر والفساد والمحسوبية.

ويُنظر إلى عديد من السياسيين على أنهم غيرُ أكفَاء، فضلا عن وجود إحباط من سوء تعامل السلطات مع جائحة كورونا والبطء الحاصل في حملات التطعيم ضد الفيروس.

وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي جرت قبل عامين، أدنى نسبة في تاريخ إيران، حيث لم تتجاوز 43 في المئة، الأمر الذي أثار قلق زعماء البلاد الذين كانوا يتفاخرون في السابق بنسب المشاركة المرتفعة في الانتخابات، وكيف أنها تضفي الشرعية على النظام الحاكم.  وتشير استطلاعات رأي رسمية أجرتها مؤسسات تابعة للسلطة، إلى أن الإقبال على الانتخابات الرئاسية قد يصل إلى مستوى متدنٍ جديد.

ربما يعجبك أيضا