الكهرباء الإيرانية رهينة مزارع العملات الرقمية الصينية!

يوسف بنده

رؤية

فشل المسؤولون في إيران إيجاد توازن بين إنتاج الكهرباء واستهلاكها؛ فقد بدأت الحكومة تطبيق خطة لإدارة استهلاك الكهرباء في إيران بعد الانقطاع المتكرر للكهرباء في المحافظات الإيرانية نتيجة ارتفاع الأحمال.

وقد أكدت وزارة الطاقة الإيرانية أن سبب انقطاع التيار الكهربائي في الشتاء هو “نقص الوقود”، وأن سبب الانقطاع الصيفي هو “قلة هطول الأمطار”، ولكن العديد من الخبراء اعتبروا أن هذه الأسباب غير دقيقة وغير مبررة.

ومن جهتها، روجت وزارة الطاقة الإيرانية لتطبيق اسمه “برق من” (كهربائي) وأكدت أنها ستنشر خلاله الجدول الزمني لانقطاع التيار الكهربائي، وعلى الرغم من هذا فقد اعتبرت بعض وسائل الإعلام أن هذا الجدول الزمني مجرد “مزحة”.

وكتبت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا): “تم اليوم نشر الجدول الزمني لانقطاع التيار الكهربائي، بينما أكد كثير من المشتركين أنه لا يتطابق مع الواقع أبدا وأنهم في حيرة من أمرهم”.

كما وصفت نقابة منتجي الكهرباء في إيران، أمس الأحد، الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي بأنها “إرث” حكومة روحاني للحكومة المقبلة.

ومع استمرار انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في مدن مختلفة في إيران وتصاعد الاحتجاجات الشعبية، دعت وزارة الطاقة، خلال اجتماع الحكومة، وزارة الاستخبارات ووزارة الداخلية وشرطة الأمن الاقتصادي للتدخل في هذه الأزمة.

وفي الوقت نفسه، وصف المتحدث باسم صناعة الكهرباء في جنوب غرب إيران، وضع الكهرباء في محافظة خوزستان بأنه حرج، وحذّر من عواقبه.

ووفقًا لموقع الحكومة، قدمت وزارة الطاقة تقريرًا عن حالة إمدادات الكهرباء في البلاد هذا الصيف والخطط والإجراءات اللازمة للتغلب على ذروة استهلاك الكهرباء،÷ وذلك في اجتماع للحكومة ترأسه حسن روحاني مساء الأحد.

وفي إشارة إلى خططها وإجراءاتها لتجاوز ذروة استهلاك الكهرباء هذا العام، دعت الوزارة إلى تدخل الأجهزة الأمنية، بما في ذلك وزارة الاستخبارات وإدارة الطاقة في وزارة الاستخبارات، ووزارة الداخلية، والنيابات العامة، وشرطة الأمن الاقتصادي.

كما دعت الوزارة الحكومة إلى اتخاذ إجراءات من قبل وزارة الصناعة والمناجم والتجارة، وكذلك وزارة الاتصالات، خلال فترات ذروة استهلاك الكهرباء.

ولم يقدم موقع الحكومة تفاصيل الإجراءات التي طلبتها وزارة الطاقة من الأجهزة الأمنية ووزارة الاستخبارات، لكنها كتبت أن تحديد وجمع المراكز غير المصرح بها لاستخراج العملة الرقمية ومراقبة عودة المعدات إلى دورة الاستخدام المصرح بها من بين هذه الإجراءات.

 اتهام العملات الرقمية

يتهم الإيرانيون عملية استخراج العملات المشفرة في الوقوف وراء انقطاع الكهرباء، والتسبب في عدم التوازن في إنتاج واستهلاك الكهرباء في إيران.

وقد ذكرت دراسة أجراها معهد تحليل بلوك شين يسمى “إليبتيك” أن نحو 4.5 في المائة من عملات البيتكوين المشفرة يتم تعدينها في إيران. وبهذه الطريقة، تكسب إيران مئات الملايين من الدولارات من هذه العملات، التي يمكن أن تساعد في استيراد البضائع من الخارج وتقليل تأثير العقوبات الأميركية.

ووفقًا لـ”رويترز”، تظهر نتائج هذا البحث أن إيران ستربح نحو مليار دولار سنويًا إذا حافظت على المستوى الحالي لاستخراج العملات المشفرة.

يذكر أنه بعد الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، قاطعت واشنطن جميع الصناعات الرئيسية والشبكة المصرفية الإيرانية. ونتيجة لهذه العقوبات، تراجعت صادرات النفط الإيرانية، وهي أهم مصدر للدخل في البلاد، بشكل حاد.

ويقول معهد “إليبتيك” في جزء من بحثه إنه من الصعب تحديد الأرقام الدقيقة لتعدين العملة الرقمية في إيران، وفي هذا التقرير التحليلي، تظهر إحصائيات “مركز الأنشطة المالية البديلة” التابع لجامعة كامبريدج حتى أبريل (نيسان) 2020، والأرقام المنشورة من قبل محطات توليد الكهرباء التابعة لوزارة الطاقة الإيرانية، أن حوالي 600 ميجاوات من الكهرباء تستخدم لاستخراج عملات البيتكوين.

ويتم إنشاء البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى من خلال منافسة أجهزة كمبيوتر قوية جدًا لحل المعادلات الرياضية المعقدة، وتسمى هذه العملية “الاستخراج”، وتتطلب عملية استخراج العملات المشفرة الكثير من الكهرباء، والتي يتم إنتاجها عادةً بالوقود الأحفوري، وتمتلك إيران موارد وفيرة في هذا المجال.

جدير بالذكر أن البنك المركزي الإيراني حظر تداول عملات البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة التي يتم تعدينها في الخارج، ولكن وفقًا لوسائل الإعلام ووكالات الأنباء الإيرانية، فإن هذه العملات متاحة على نطاق واسع داخل البلاد وتحت إشراف البنك المركزي الإيراني.

وتقول “رويترز” إنه في السنوات الأخيرة، اعترفت إيران بتعدين العملات المشفرة باعتباره تخصصًا صناعيًا وماليًا، ومن خلال توفير الكهرباء الرخيصة للناشطين في هذا المجال، فإنها تشتري، من خلال البنك المركزي، عملات البيتكوين المستخرجة. وقد شجع توفير الكهرباء الرخيصة هذا النشاط، حتى إنه جذب بعض الأشخاص الذين ذهبوا إلى إيران من دول أخرى، وخاصة الصين، لاستخراج عملات البيتكوين.

وأضاف معهد أبحاث “إليبتيك” أن “إيران توصلت إلى نتيجة مفادها أنه بالنظر إلى فائض النفط والغاز في ذلك البلد، والذي يمكن استخدامه لتوليد الكهرباء، فإن تعدين البيتكوين هو وسيلة فعالة للحصول على السيولة التي حُرمت منها تحت تأثير العقوبات الأميركية”.

وتقدر هذه الدراسة أن الكهرباء المستهلكة لاستخراج العملة المشفرة في إيران تتطلب حرق 10 ملايين برميل من النفط الخام سنويًا، أي ما يعادل حوالي 4٪ من صادرات النفط الإيرانية في عام 2020.

وفي جزء آخر من الدراسة، ورد أن إيران توفر الطاقة اللازمة لاستخراج عملات البيتكوين من خلال تخصيص جزء من نفطها الخام الذي لا تستطيع تصديره، ومن خلال توليد النقد بهذه الطريقة، يمكنها التخفيف جزئيًا من القيود التجارية التي تفرضها العقوبات الأميركية.

ويحذر المعهد التحليلي “إليبتيك” من أن الشركات التجارية والمالية، وخاصة في الولايات المتحدة، التي تستخدم البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، يجب أن تكون حذرة لأنها إذا استخدمت العملات المشفرة المستخرجة في إيران، فقد تتم معاقبتها وفقًا للقوانين الأميركية.

وقد أشارت صحيفة “جمهوري إسلامي” إلى موضوع إنتاج العملات الرقمية وتأثير ذلك على انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، وأكدت أن اعتماد هذه الطريقة من أجل الالتفاف على العقوبات هو عمل عبثي لأن إيران لا تملك البنية التحتية المناسبة لعمل هذه العملات، كما أن الظروف الإقليمية لا تسمح لإيران بأن تستمر في هذا النهج.

ودعت الصحيفة إلى وقف جميع نشاط هذه الأجهزة العاملة في عمل العملات الرقمية باستخدام الكهرباء.

كما قال الكاتب والمحلل السياسي، نعمت أحمدي، في مقال له بصحيفة “آرمان ملي” إن جذور مشكلة انقطاع الكهرباء تعود إلى مزارع العملات الرقمية التي تسيطر عليها الصين، وتساءل بالقول: “هل الإخوة الصينيين بهذا المستوى من المكانة والاحترام بحيث يتم من أجل مصالحهم تجاهل واقع المستشفيات والجامعات والشركات الاقتصادية ومئات المهن الأخرى؟”.

وأكد الكاتب أن حياة المواطنين الإيرانيين أصبحت رهينة بيد مصالح الصين في البلاد.

ربما يعجبك أيضا