الحرب الإسرائيلية على غزة و«نبوءة» قد تطيح بنتنياهو!

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

“ما يحتاج إليه نتنياهو هو اندلاع موجة “إرهابية” كي يخلق حالة طوارئ قصوى شكلية، تحتم إقامة حكومة وطنية بزعامته، تضم عناصر اليمين كلها، بمن في ذلك، نفتالي بينيط. لن يشعل نتنياهو الثقاب بنفسه. سيترك الأمر لأنصار تنظيم” لهافا”(التنظيم اليهودي الإرهابي)  سيوفره لهم. هو يريد أن تحدث أزمة، ويا حبذا في “أورشليم”-القدس-لأنها المكان الذي يمكن حشد تضامن وتوافق أكثر لعناصر اليمين والمعسكر القومي به، سينجح أنصار “لهافا”، في ظل غياب شرطة حازمة تكبح جماحهم، بكل قوة وبلا تردد، في إضرام النار، سيتفاجأ نتنياهو بالطبع، لكنه سيسارع إلى العمل من أجل توحيد المعسكر القومي، وقد ينضم إليه نفتالي بينيط. وإذا لم تشتعل النيران في “أورشليم”، فسيشعلها نتنياهو على الحدود الشمالية – مع لبنان-أو من خلال الصدام مع حماس في الجنوب”.

الاقتباس أعلاه منقول مما كتبه رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت منذ شهر، قبل أحداث الشيخ جراح والعملية الإسرائيلية “حارس الأسوار” على غزة، ونقله عن أولمرت الصحفي والمحلل السياسي والأمني بن كاسبيت، الذي أعاد نشره في مقاله الأسبوعي في صحيفة معاريف.

ما كتبه أولمرت، وما أعاد نقله بن كاسبيت، ترجمه الدكتور يحيى عبد الله إسماعيل، أستاذ الدراسات العبرية والمتخصص في الشئون الإسرائيلية، والذي علق بقوله إن: “تصريح أولمرت هذا يؤكد أن نتنياهو كان بالفعل يستعد للتصعيد العسكري، ولم تكن صواريخ حماس المنطلقة من غزة إلا فرصة له ليدخل في جولة جديدة من الحرب لإخفاء فشله السياسي.

كان نتنياهو يستعد لهذه العملية، بل – دون شك – يخطط لاندلاعها بهذا الشكل، ووجد طرف الخيط في حليفه الصهيوني المتشدد إيتمار بن جفير، زعيم حزب عوتمسا يهوديت (قوة يهودية)، السليل السياسي لحركة كاخ الإرهابية، عضو الكنيست الذي قرر في 6 مايو أن ينقل مكتبه إلى حي الشيخ جراح، وغادره في 8 مايو، يومان فقط كانا كفيلين باندلاع هذه الأحداث، بعد أن انقضت مدة الـ28 يوما الممنوحة لنتنياهو من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية، بعد انتخابات الكنيست الرابعة في عامين.

مرت المهلة القانونية، واضطر بيبي لإعادة خطاب التكليف إلى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريبلين، الذي بدوره قدمه لنفتالي بينط، زعيم تكتل يامينا، وقبلما يبدأ بينيط في تشكيل حكومته، بمفاوضات مع “معسكر التغيير” المعارض لنتنياهو، بدأت أحداث الشيخ جراح، التي تبعتها مصادمات في أرجاء إسرائيل بين فلسطيني الداخل وبين اليهود المتشددين المحتمين بالشرطة وحرس الحدود، ثم شرعت إسرائيل في عملية “حارس الأسوار” على غزة المحاصرة.

راهن بيبي على استمرار الحرب لأطول فترة ممكنة، كي يثبت للجمهور الإسرائيلي أنه قادر على دحر حماس، لكن آلاف الصواريخ من غزة، طالت المدن الإسرائيلية كافة، وسببت دمارا “مفزعا”، وأربكت السياسي الذي انقض على منصب رئيس حكومة إسرائيل في عام 1996.

لم يهزم نتنياهو حماس، لم يتحقق هدف المتشددين اليهود في سرقة حي الشيخ جراح (حتى الآن)، لم تهدأ جماهير الفلسطينيين في الداخل، على العكس، فقد حركت سياسات نتنياهو الراكد، وفارت الأرض الفلسطينية على غير ما توقع السياسي “القديم”، الذي كان يراهن على أنها قد خبت، وأن عهده لم ينته بعد.

271552 1

نفتالي بينط وطريقة الري بالرش

بسبعة مقاعد فقط نالتها كتلة يامينا في الكنيست الحالي يستخدم نفتالي بينيط سياسة “الري بالرش”، حيث يعطي الجميع ماء، وحينما يظن أحدهم أنه يستحق المياه، يحرك الخرطوم بعيدا عنه، ليروي أحدًا غيره، وهكذا في دورة تكرر نفسها طيلة الوقت.

لعب نفتالي بينيط على الحبل مع الطرفين، معسكر بيبي ومعسكر معارضيه، أعطى كلمته للطرفين، بدأ برفع شعار إسقاط بيبي، ثم تحول إليه ليتفاوض معه على تشكيل حكومة، وما لبث أن تركه حتى مرت الـ28 يوما، وتحول إلى معارضيه، ثم بدأت الحرب على غزة، ليعلن أنه بصدد إعادة تشكيل حكومة يمين صرف، أي ألمح للعودة لمعسكر نتنياهو، والآن بعد أيام من وقف إطلاق النار يجلس نفتالي بينيط مع يائير لابيد ليضعا الرتوش الأخيرة على الحكومة الجديدة التي تسابق الزمن للظهور قبل انقضاء المدة القانونية، ودون بنيامين نتنياهو الذي أعلن أن بينيط يمارس “الاحتيال”، رغم أن هذه سياسة بيبي دائما، بل إنها تهمته أيضا، ويتهرب من المحاكمة بسببها.

يعرف بينيط جيدا أن نتنياهو يتجه نحو الهاوية، لم يعد زعيم يامينا ضامنًا لوجوده في حكومة في ظل بيبي، وبينيط الآن بسبعة مقاعد لا يريد مجرد المشاركة في حكومة، إنه يريد الزعامة، يريد الكعكة كلها، ويبدو أنه يوشك على التهامها، بعد خروج تقارير تشير لاتفاقه مع يائير لابيد على تشكيل حكومة ائتلافية بالتناوب، يتولى بينيط رئاستها أولا حتى عام 2023، ثم لابيد حتى عام 2025.

لابيد وبينط

صدقت نبوءة أولمرت

مضى وقت طويل منذ أن ظهرت نبوءة مثل نبوءة أولمرت، وتحققت بهذه السرعة والدقة، كأنه يجلس في مقعده السابق في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، كأنه يتربع داخل عقل نتنياهو، صدقت نبوءة أولمرت سريعا جدا، ثم أظهرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة أن إسرائيل تمارس استعراضا لقدراتها العسكرية المتقدمة، لكنها كذلك كشفت الفجوة الإسرائيلية في فهم الفلسطينيين في الداخل، وفي غزة والضفة أيضا، وبينت الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي، وألقت الضوء من جديد على قضايا فلسطيني الداخل، بعدما بذل نتنياهو كثيرا كي يطمس وجودهم بقوانين “يهودية الدولة” و”القومية” والتحالف مع المتطرفين من الحركات اليهودية والأحزاب الحريدية.

أولمرت 1

ثمن الحرب

هآرتس1 33

في 2018 أصدر بن كاسبيت كتاب سيرة ذاتية لنتنياهو، ورغم أن هذا النوع من المؤلفات يُفترض به أن يكون خاليا من الآراء الشخصية، فإن بن كاسبيت -المعارض بشدة لنتنياهو- كتب رأيه الشخصي في بيبي، ويصر عليه الآن بعد توقف الحرب على غزة، يصر على أن نتنياهو تحول من سياسي إلى مراهن، يثير الفوضى، ويغطي على فشله دائما بادعاء “تحقيق الأمن للإسرائيليين”، لكن الأمن لم يتحقق، وأضاءت الصواريخ السماء قبل أن تسقط على المدن الإسرائيلية، وحتى الساعة الثانية صباحا يوم 21 مايو لم يبد أن مطر الصواريخ من غزة يمكن أن يتوقف، لولا ضغوط الهدنة التي قامت بها مصر.

خطّط بيبي لكل هذا، لكن ربما آن الأوان كي يقع سقف المعبد على رأسه، لتنتهي الحقبة الأطول في رئاسة الحكومة الإسرائيلية على فشل سياسي، وفساد مالي واحتيال وانبعاث جديد للقضية الفلسطينية، انبعاث لم يعد ينتظر شيئا من حكومة فتح الآيلة للسقوط، أو حماس المتحصنة في غزة، بل ينتظر من جموع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وخارجه.

خلفت حرب إسرائيل الخاطفة على غزة سقوط المئات من الفلسطينيين، منهم 67 من الأطفال، عرضت صورهم صحيفة تايمز الأمريكية، بعدما فاجأت صحيفة هآرتس بعرض صورهم على صفحتها الأولى بجانب عنوان “67 طفلا قُتِلوا في غزة..هذا ثمن الحرب”، والجميع ينتظرون الثمن، وبيبي كذلك يبدو أنه سينتظر موعد محاكمته دون أن يكون رئيسا للحكومة.

ربما يعجبك أيضا