الديمقراطية الأمريكية.. غطاء ساطع لمشهد مُعتم بين إرث ترامب وعجز بايدن

دعاء عبدالنبي
ترامب وبايدن

كتبت – دعاء عبدالنبي

تواجه الديمقراطية الأمريكية خطرًا بسبب تداعيات سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب والحزب الجمهوري، على خلفية اقتحام مبنى الكابيتول احتجاجًا على نتائج الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي دفع أعضاء الكونجرس الأمريكي للبت في معايير تصويت وإدارة الانتخابات، لكن يبدو أن إرث ترامب وحزبه وما تبعه من سياسات ستنعكس بدورها على أجندة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يواجه تحديات جمة من أجل إنعاش الديمقراطية الأمريكية.

تحذيرات ديمقراطية

قبل أيام قليلة، وقع مجموعة من كبار علماء الديمقراطية على بيان حذروا فيه من التهديدات الخطيرة التي تواجهها الديمقراطية الأمريكية وما آلت إليه من تدهور في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، بحسب ما ذكرته صحيفة “الجارديان”.

وجاء في البيان “نحث أعضاء الكونجرس على القيام بكل ما هو ضروري – بما في ذلك استخدام حق التعطيل (الذي يسمح لحزب الأغلبية بتعطيل النظر في أي تشريع لا يروق له، ويسمح لحزب الأقلية بطلب الحديث لساعات وأيام بلا انقطاع كطريقة لتعطيل النظر في التشريعات التي لا تروق له) – من أجل تمرير معايير تصويت وإدارة للانتخابات الوطنية تضمن حق التصويت لجميع الأمريكيين بالتساوي، وتمنع الهيئات التشريعية في الولايات من التلاعب بالقواعد من أجل الحصول على النتيجة التي يريدونها”.

ويأتي هذا القلق بعد أن صدقت جميع الولايات الخمسين على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، وأعلنت الهيئة الانتخابية رسميا هزيمة دونالد ترامب، بينما افترض الغالبية أن الانتقال السلمي والمنظم للسلطة سيتبع التقاليد التاريخية التي تجاوز عمرها 200 عام.

لكن بدلا من ذلك، صُدم العالم بالتمرد الذي وقع في مبنى الكابيتول في 6 يناير. لكن حتى هذا الهجوم غير المسبوق على الكونجرس لم يكن نهاية الهجوم على القواعد والممارسات غير المكتوبة للديمقراطية الأمريكية وشرعية فوز جو بايدن.

فطيلة أشهر، استمرت الكذبة الكبيرة التي تدعي “سرقة الانتخابات” في الانتشار بلا هوادة من قبل الرئيس السابق ومستشاريه المقربين والمشرعين الجمهوريين والمتعاطفين مع اليمين عبر القنوات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي.

عقدة ترامب والجمهوريين

عقب الانتخابات الأخيرة المثيرة للجدل، عُلقت حسابات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّه لا يزال مؤثرًا في صفوف الجمهوريين، ولاسيما بعد إعلان رغبته العودة إلى البيت الأبيض في انتخابات العام 2024.

وقطع الرئيس الأمريكي السابق شوطا طويلا من خطابه المطول في انتقاد طريقة تعامل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مع أزمة الحدود والاقتصاد والسياسة الخارجية، كما كرر ادعاءه أن تزوير إرادة الناخبين على نطاق واسع تسبب في هزيمته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

وفي سياق متصل، كشف استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك، أن ثلثا الجمهوريين 66٪ أنهم يرغبون في رؤية ترامب يترشح للرئاسة مرة أخرى، بينما 30٪ فقط يفضلون عدم ذلك. وتؤكد ما أظهرته الكثير من البيانات الأخرى: أن الرئيس الخامس والأربعين سيبدأ انتخابات أولية للحزب الجمهوري في عام 2024.

على الجانب الآخر، استمر الديمقراطيون باتهام الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل روتيني بتقويض الديمقراطية وإيمان الأمريكيين بالعملية الانتخابية من خلال رفض قبول فوز الرئيس جو بايدن وإطلاق سلسلة من الدعاوى القضائية اليائسة في العديد من الولايات المتأرجحة.

أجندات بايدن.. غير مؤكدة

حتى الآن لم تتحد الولايات المتحدة كما توقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث لا تزال آفاق أجندته التشريعية غير مؤكدة، وقد يتخلى البيت الأبيض عن المفاوضات بين الحزبين حول مشروع قانون البنية التحتية لبايدن، وفقا لمقال بـ”ذا نيويوركر”.

وتتبنى المجالس التشريعية للولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون، إجراءات ستجعل من الصعب على العديد من الأمريكيين التصويت، حيث أعاق الجمهوريون في مجلس الشيوخ تشكيل اللجنة المقترحة من الحزبين، والتي تهدف إلى التحقيق في أعمال الشغب التي وقعت في 6 يناير

ويبدو أن نظام الحزبين الأمريكي يتجه نحو التطرف، و”هناك نحو ثلاثين بالمائة من الجمهوريين تبنوا فكرة أن البلاد بعيدة عن المسار الصحيح”، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الديمقراطية الأمريكية، وفقا للمقال

بدوره، ندد بايدن أيضاً بالقيود «غير المسبوقة بتاتاً» التي فرضتها بعض الولايات المحافظة على حق السود بالتصويت. في إشارة إلى إجازة الكونجرس في ولاية تكساس قانوناً يقيد التصويت بالبريد ويضيق الخناق على الناخبين السود خصوصاً ويحد من أماكن تسليم بطاقات التصويت عبر البريد ويشدد في التعرف إلى هوية الناخبين وأماكن سكنهم وعملهم ويقيد التوسع في مراكز الاقتراع التي تعقد حالياً في المدارس والمكتبات العامة والكنائس وغيرها من المنشآت.

وكلف بايدن نائبته كمالا هاريس قيادة جهد في مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ) لقطع الطريق على محاولات الجمهوريين المستميتة للعودة إلى السلطة بأي ثمن، بعد أن خسروا البيت الأبيض والمجلسين التشريعيين.

الإصلاح الانتخابي.. إلى أين؟

يذكر، أن علامات التدهور الديمقراطي في الولايات المتحدة كانت واضحة قبل أن يصبح ترامب رئيسًا بفترة طويلة، تمثلت في الجمود المستمر للكونجرس ودور الأموال السوداء في السياسة، كل ذلك دفع إلى تسارع وتيرة تراجع الديمقراطية خلال الأربع سنوات الماضية، بالإضافة للهجمات التي تعرضت لها وسائل الإعلام وتعرض حياد المحاكم للخطر وضعف دور الكونجرس كعامل موازنة فاعل للسلطة التنفيذية.

وبحسب المعضلة الحالية، يتم ترشيح معظم شاغلي المناصب العليا من خلال الانتخابات التمهيدية للحزب ويبقون آمنين فيها بسبب التلاعب الحزبي، لذا فإن فرص الجمهوريين في إعادة انتخابهم تعتمد على إبقاء هولاء الأشخاص أنفسهم، وليس بناء تحالف أوسع بين المستقلين المعتدلين.

ولإصلاح النظام الانتخابي لابد من تنفيذ خطوتين أساسيتين. وكلتاهما بحاجة إلى أن يتم سنهما قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2022، إذ من المرجح أن يفقد الديمقراطيون السيطرة على مجلس الشيوخ، بحسب “الجارديان”.

أولًا: يجب القضاء على وإلغاء حق التعطيل الذي يتمتع به مجلس الشيوخ. فقواعد مجلس الشيوخ ليست ثابتة ويمكن تعديلها من قبل أعضائها من خلال مبادرات إجرائية مختلفة. حيث يحتاج مجلس الشيوخ إلى التصرف بشكل عاجل لتغيير قواعده الإجرائية لحماية الديمقراطية الأمريكية.

ثانيًا: يتعين على مجلس الشيوخ الأمريكي تمرير قانون يُعرف باسم “من أجل الشعب”، الذي يقدم حزمة شاملة من الإصلاحات المعتدلة المصممة لحماية حقوق التصويت في الانتخابات الأمريكية، وتقليل التلاعب الحزبي، وجعل الإنفاق على الحملات الانتخابية أكثر شفافية، وإحكام آداب الحياة العامة.

وهناك سلسلة من الإصلاحات الأخرى مرغوبة للغاية على المدى الطويل ولكنها غير عملية في الوقت الحالي، مثل: اعتماد انتخابات تمهيدية شاملة غير حزبية، يمكن فيها للمرشحين الحاصلين على أعلى نسبة تصويت أن يخوضوا الانتخابات العامة، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي.

ربما يعجبك أيضا