لبنان بلد الأزمات.. الدواء مفقود ولا عزاء للمرضى

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

لبنان يسير نحو الانهيار التام منذ شهور ولا أحد يحرك ساكنا لإنقاذه بشكل جدي، من جهة الشارع يغلي ومن جهة آخرى الطبقة السياسية تزعم أنها ضحية وتتبادل الاتهامات فيما بينها، والنتيجة لا أحد يتحمل المسؤولية لحل الأزمات المتفاقمة التي تحاصر المواطن اللبناني يوما بعد يوم.. شلل تام أصاب مؤسسات الدولة ولا حلول في الأفق، ولعل أبرز مثال عن وصول الأوضاع إلى حالة من السقوط الحر أزمة الدواء، وإعلان الصيدليات ومستشفيات الدولة عن نقص جميع أدوية وعلى رأسها تلك الخاصة بالأمراض المزمنة بالإضافة إلى حليب الأطفال.

أسباب أزمة الدواء

منتصف الشهر المنصرم، أعلن تجمع أصحاب الصيدليات في لبنان عن توقف قسري عن العمل لمدة يومين، بهدف إيصال صوتهم إلى المسؤولين وتوضيح إلى أي مدى وصل الواقع الصحي والدوائي في البلد، والمطالبة بوضع حلول سريعة لهذه الأزمة المستفحلة.

“لبنان على طريق فقد الدواء نهائيا، ما لم تحل أزمة نقص الدواء”، هكذا قال نقيب الأطباء اللبنانيين الدكتور شرف أبوشرف – في تصريح لـ”سكاي نيوز” في 12 يونيو الماضي- ، موضحا أن أزمة نقص الدواء تعود لعدة أسباب أبرزها انهيار سعر الليرة الذي تسبب في تشجيع المهربين على زيادة تهريب الأدوية المدعومة من قبل الدولة إلى الخارج، هذا فضلا عن عدم قدرة المصرف المركزي على تأمين الاعتمادات اللازمة لاستيراد الأدوية من الخارج، وبالطبع ظاهرة الاحتكار فهناك بعض المستودعات تقوم بتخزين الأدوية استعدادا لرفع الدعم عنها ورفع أسعارها، ومن جهة أخرى هناك بعض المواطنين في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد أقدموا على تخزين الأدوية لديهم بكميات كبيرة خشية نقصها أو رفع أسعارها مستقبلا.

وأوضح أن شركات الأدوية الموجودة في لبنان لا تستطيع حاليا تأمين أكثر من 20% من حاجات السوق المحلية، مؤكدا أن غالبية المستشفيات لجأت في ظل استمرار أزمة الأدوية والمستحضرات الطبية إلى تأجيل العمليات غير الطارئة.

نقيب الصيادلة غسان الأمين ألمح في تصريح نشرته المؤسسة اللبنانية للإرسال، السبت الماضي، إلى احتمالات زيادة أسعار الأدوية خلال الفترة المقبلة، وقال: نحن أمام امتحان كبير وبعد السابع من يوليو، ستتكوّن صورة واضحة عن مخزون الدواء عند المستوردين وعن خطة وزارة الصحة لعلاج الأزمة.

نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة حذر في تصريحات سابقة من أن الشركات المصدرة لن ترسل حاجة لبنان من الأدوية ما لم يسدد ديونه المتراكمة والتي تقدر بأكثر من “600 ألف دولار”، وبحسب تقارير إعلامية لبنانية هناك أكثر من 80 نوع من الأدوية خصوصًا أدوية الأمراض المزمنة والسرطانية  غير متوفر حاليا بالسوق اللبنانية، ونحو 700 صيدلية أغلقت أبوابها.  

لبنان منذ نهاية 2019 وهو يعاني من واحدة من أسوأ أزمات العالم منذ العام 1850 بحسب مذكرة للبنك الدولي، وفقدت عملته المحلية أكثر من 90% من قيمتها، ويبلغ سعر الدولار الواحد حاليا في السوق السوداء أكثر من 17 ألف ليرة، بينما سعره الرسمي هو 1507 ليرات، وهو الأمر الذي أسفر عن نشاط غير مسبوق للمهربين والمحتكرين سواء في سوق الدواء أو الأغذية والمواد الأساسية، فمنذ بداية العام لم ينقطع مشهد الطوابير من شوارع لبنان سواء طوابير الخبز أو الوقود أو ماكينات الصرافة الآلية، فحتى أموال اللبنانيين باتت رهينة لدى البنوك، لعدم وجود سيولة كافية ونقص العملة الأجنبية تحديدا الدولار.

الحلول ممكنة ولكن

الخميس الماضي، توافق الرئيس اللبناني ميشال عون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب على الاستمرار في سياسة دعم الدواء والمستلزمات الطبية، ليضع حدا للحديث عن خطط الحكومة لرفع الدعم عن الدواء كما حدث مع الخبز الذي رفعت الحكومة أسعاره هذا الأسبوع للمرة السادسة خلال 2021.

وقال عون – خلال اجتماعه مع دياب- “لا يصح أن تكون الصيدليات خالية من الأدوية لاسيما تلك التي تعتبر أساسية وضرورية لصحة المواطن، كما أنه من غير المسموح احتكار الدواء أو تهريبه أو تخزينه ومنع وصوله إلى المواطنين لرفع سعره بشكل عشوائي فيصعب على المواطنين شراؤه”.

من جانبه قال دياب: إن “اللبنانيين تحملوا كثيرا من الضغوط الاجتماعية والمعيشية، لكن سعر الدواء وفقدانه من الصيدليات مسألة لا يمكن تحملها، مؤكدا أنه لا يجوز التعامل مع الدواء وكأنه سلعة تجارية”.

يظل كلام الحكومة وقراراتها مجرد حبر على ورق، فحسان دياب يتعامل مع أزمات الشارع اللبناني من منطلق رئيس الوزراء المستقيل ولا يسعى لتقديم شيء حقيقي على الأرض، فلسان حاله يقول “كانت حكومتي تحاول إدارة الأزمات فيما سبق وعندما وجدت رفضا من الشارع اللبناني قدمت استقالتها وها هو المحظور قد وقع ونحن خارج اللعبة”، وبحسب تصريحات سابقة لنقيب الأطباء أزمة الدواء تحتاج إلى “تعاون من طرف جميع الجهات المعنية سواء الحكومة أو المصرف المركزي أو أجهزة الأمن، لمواجهة ظاهرتي الاحتكار والتهريب”.. وهو أمر غير وارد في الوقت الراهن، ما يجعل الأزمة مفتوحة على كافة السيناريوهات.

وحتى إن تمكنت الحكومة والأجهزة الأمنية من وقف الاحتكار والتهريب، ستظل أزمة الدواء مستمرة في ظل غياب الاحتياطات الأجنبية اللازمة لاستيراد الأدوية والمواد الأولية اللازمة لصناعة الأدوية، ومع استمرار هذه الأزمة سيحتاج البلد إلى مساعدة الدول الكبرى والمنظمات الدولية لتأمين استمرار وجود الأدوية في السوق.. وهو أمر غير واد في ظل غياب حكومة فاعلة.

“ما ذنب هؤلاء الناس الذين يبحثون عن الدواء فلا يجدونه؟”.. كانت هذه الكلمات هي صرخة أب لبناني تداول نشاط مواقع التواصل  مقطع فيديو له، أمس، وهو يصرخ متأثرا بعجزه عن تأمين الدواء لابنته الصغيرة التي تكابد حرارة مرتفعة منذ 6 أيام، وأوضح أنه لديه سعر علبة الدواء وهو عشرة آلاف ليرة إلا أنها غير متوفرة بالصيدليات.. هذا مجرد مثال فقط لما يحدث في لبنان وليست أزمة الدواء وحدها التي تحتاج إلى حل عاجل وسريع فالبلد ينهار فعليا على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا، وكلمة السر في حل هذه الأزمات هي تشكيل حكومة قادرة على وضع خطة إنقاذ اقتصادي واستئناف المباحثات مع صندوق النقد والدول المانحة، إلا أن هذا الأمر يبدو بعيد المنال على المدى القريب.. ما يعني أن الشعب اللبناني سيدفع ثمن فساد الطبقة السياسية وخلافاتها لأشهر قادمة تضاف إلى نحو عام من المعاناة.

ربما يعجبك أيضا