شركات التكنولوجيا الصينية.. «دجاجة تبيض ذهبًا» في قفص الاتهام

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

صعّدت الصين خلال الأيام القليلة الماضية من حملتها لكبح جماح شركات التكنولوجيا العملاقة العاملة في البلاد، فتعهدت في تحذير شديد اللهجة الثلاثاء الماضي بتشديد الرقابة الأمنية على هذه الشركات وتقييد قدراتها على طرح أسهمها في الأسواق الخارجية بقواعد صارمة، الأمر الذي أحدث موجة بيعية ضخمة هوت بأسهم هذه الشركات الشهيرة أمثال “علي بابا”، و”جيه دي.كوم”، و”بايدو” و”ميتوان” و”تينسنت” ودفعتها لتسجيل خسائر بمليارات الدولارات.

حملة واسعة وخسائر هائلة

بالأمس، انخفض مؤشر “هانغ سينغ” للتكنولوجيا – الذي يضم أكبر شركات التكنولوجيا في الصين- بنسبة 1.9%، وذلك للجلسة السادسة على التوالي، وسط تأثر معنويات المستثمرين بالحملة التي تقودها السلطات الصينية ضد كبرى شركات القطاع تحت عنوان حماية أمن البيانات ومكافحة الاحتكار وتقنين الطروحات الخارجية.

الأسبوع الماضي، قامت السلطات الصينية بفتح مراجعة أمنية مع شركة “ديدي” وأصدرت توجيهات بحذفها من متاجر التطبيقات،  في خطوة بدت وكأنها عقاب للشركة على طرح أسهمها للاكتتاب العام في الولايات المتحدة، والأمر نفسه تكرر مع شركتي Full Truck Alliance ، وKanzhun Ltd، وهما أيضا تم إدراجهما أخيرا في نيويورك.

منذ فبراير الماضي تراجع مؤشر “هانغ سينغ” بنسبة 31%، وخسرت شركات التكنولوجيا الصينية نحو 827 مليار دولار من قيمتها السوقية، وذلك بالتزامن مع دخول مشروع قانون مكافحة الاحتكار حيز التنفيذ لاستئصال الممارسات الاحتكارية في صناعة الإنترنت عبر سلسلة من القيود، ووقتها قالت هيئة تنظيم السوق في الصين: إن القانون الجديد سيوقف السلوكيات الاحتكارية في اقتصاد المنصات الإلكترونية وسيحمي المنافسة العادلة في السوق، موضحة أنه سيمنع الشركات من التلاعب في الأسعار أو استخدام البيانات والخوارزميات للتلاعب في السوق.

خلال أبريل الماضي، طالب بنك الشعب الصيني 13 شركة شهيرة في قطاع التكنولوجيا، بتصحيح أوضاعها والالتزام بالقواعد التنظيمية الخاصة بأمن البيانات والإقراض وإدارة الأموال، وفي الشهر نفسه قامت إدارة تنظيم السوق بفرض غرامة بـ 2.8 مليار دولار على مجموعة “علي بابا” – الشركة الرائدة في قطاع التكنولوجيا بالصين-  على خلفية اتهامات تتعلق بانتهاك قواعد البيع بالتجزئة على الإنترنت وقواعد الاحتكار.

شركات التكنولوجيا في مواجهة قبضة “شي جين”

الدكتور روبرت هنري أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة مانشستر يقول – في تصرحيات نشرتها صحيفة “الاقتصادية” نهاية أبريل الماضي- “هناك قراءتان لما يحدث في الصين فيما يتعلق بالتضيق على شركات التكنولوجيا، الأولى أن الرئيس شي جين بينج يبعث برسالة إلى هذه الشركات مفادها أنه مهما بلغ نموها فلن تخرج لا هي ولا حركة الاقتصاد عموما عن سيطرة الحزب الشيوعي، أما القراءة الثانية فإنها مبنية على أن السلطات الصينية تعمل على تحقيق مصلحة المستهلك، وتنظيم عمل قطاع التكنولوجيا المترامي الأطراف.

الواقع أن القراءتين في محلهما تماما، فالرئيس الصيني لا يطيق أن تبدو شركات التكنولوجيا كما لو كانت دولة داخل دولة تمتلك ملايين البيانات وتمتع بشعبية واسعة – فمثلا “علي بابا” لديها نحو 800 مليون مستخدم في الصين- وقدرة على التمويل وتقديم خدمات الدفع والتجارة دون رقابة حقيقية، وضمن حملة الرئيس “شي جين”، تعهدت في نوفمبر 2020 أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب الشيوعي بتعزيز جهود مكافحة الاحتكار بحلول 2021، وضمنيا تعهدت بوضع حد لهذه الشركات، وسريعا ما خرج قانون مكافحة الاحتكار إلى النور، وبعدها في ديسمبر 2020 بدأ المنظمون في تحقيق موسع مع مجموعة علي بابا الشهيرة، بعد تعليق اكتتاب بنحو 37 مليار دولار لشركة “آنت جروب” التابعة لها، في ضربة ورسالة واضحة لكافة شركات القطاع.

هذه التحقيقات كلفت علي بابا نحو 130 مليار دولار من قيمتها السوقية وقتها، كما طاردت السلطات شركات أخرى مثل “فيبشوب هولدينجز” لمتاجر التجزئة والتي تم تغريمها نهاية العام الماضي بـ464 ألف دولار بسبب انتهاك قواعد المنافسة العادلة، كما غرمت السلطات في ديسمبر 2020 “تينسنت” بنحو 500 ألف يوان جراء عملية استحواذ مضى عليها عامان.

وفي أكتوبر الماضي عندما تجرأ “جاك ما” مؤسس “علي بابا” على انتقاد النظام المالي الصيني ووصفه بأنه عفا عليه الزمن ويخضع لسيطرة “ناد من العواجيز”، اختفى بعدها بفترة وجيزة عن الأنظار وخرجت التقارير الصحفية لتؤكد أنه خضع لتحقيقات وحاليا يخضع لرقابة أمنية من قبل السلطات الصينية.. وبالطبع الرسالة وصلت إلى جميع الشركات العاملة في السوق لتتحلى بالحكمة وتتعاون مع السلطات التنظيمية.

كبح عمالقة التكنولوجيا.. اتجاه عالمي  

ما يحدث في الصين اليوم – حتى وإن كان مجرد محاولة لفرض وتأكيد هيمنة الحزب الشيوعي على حركة الاقتصاد-  فهو أيضا لا ينفصل عن توجه عالمي ظهر بقوة خلال السنوات القليلة الماضية مع النمو السريع لشركات التكنولوجيا وانتشار ما يسمى باقتصاد المنصات على نطاق واسع فضلا عن النفوذ الواسع لهذه الشركات العابر للحدود، فغالبية الدول الآن تسعى لتقنين عمل هذه الشركات بعد أن نمت على مدى عقد تقريبا بدون قيود تنظيمية تذكر.

ففي الولايات المتحدة – حيث تتواجد أشهر وأكبر شركات التكنولوجيا عالميا- تواجه شركات عملاقة مثل “جوجل” و”فيسبوك” و”آبل” وأمازون” قيود تنظيمية عدة وتحقيقات ودعاوى قضائية، على سبيل المثال تقدمت 36 ولاية أمريكية، أمس الثلاثاء، بدعوى قضائية ضد “جوجل”، بتهمة الاحتكار وإساءة استخدام قوتها ضد المطورين عبر متجر “جوجل بلاي”، والشركو نفسها تواجه مجموعة من دعاوى مكافحة الاحتكار من جانب وزارة العدل الأمريكية، وفي 2020 استعدى الكونجرس الأمريكي رؤساء الشركات سالفة الذكر  للرد على اتهامات تتعلق بممارسات احتكارية.

 وفي أوروبا عبرت بروكسل نهاية 2020 عن قلقها حيال نفوذ هذه الشركات واعتبرته يهدد المنافسة والديمقراطية، وأصدرت مسودة قوانين لتنظيم سوق الإنترنت تشمل غرمات ضخمة تصل إلى حد حظر العمل داخل الكتلة الأوروبية.

سواء داخل الصين أو خارجها الجميع يعلم أن شركات التكنولوجيا هي من أفضل الأمور التي حدثت خلال العقد الماضي، وهي بمثابة “دجاجة تبيض ذهبا”، ولن يكون من مصلحة أحد ذبحها أو الدخول معها في حرب مفتوحة، وأصحاب هذه الشركات لن يسمحوا بأن يتم التضيق عليهم إلى حد يمحو سنوات من النمو والربحية المضطردة ففي نهاية المطاف الأمر سيكون بمثابة مباراة شد وجذب إلى أن يصل الطرفين إلى حلول وسط، عبر قواعد تضمن التزام هذه الشركات بمبادئ المنافسة العادلة وأمن البيانات والسماح بنمو الشركات الصغيرة في القطاع وخضوع الشركات العاملة منها في مجال التمويل والدفع الإلكتروني لقيود البنوك المركزية، إلا أن هامش المناورة للشركات الأمريكية سيكون أكبر من نظيرتها الصينية التي لا تملك خيارا سوى التكييف مع القرارات التنظيمية لضمان استمراريتها وهو ما سيؤثر بالطبع على قدرتها على المنافسة عالميا، في حال قرر النظام الصيني إقصائها عن الأسواق الخارجية بشكل نهائي.  

ربما يعجبك أيضا