لا أحد في مأمن.. شبح التغير المناخي إلى أين؟

علياء عصام الدين

يبدو أن شبح التغير المناخي لايفرق بين غني وفقير، مستعد للمواجهة أو غير مستعد، وبصورة أدق لا أحد مستعد للمواجهة ولا أحد في مأمن.

عاشت بعض أغنى دول أوروبا في حالة من الفوضى نهاية هذا الأسبوع بعد أن اجتاحت الفيضانات وحرائق الغابات وارتفاع درجات الحرارة كثيرًا من البلدان.

ففي كل من ألمانيا وبلجيكا، وأمريكا وإسبانيا، وسويسرا ولوكسمبورغ وهولندا، وكندا تعددت الأسباب لكن الكارثة واحدة فبين غرق وحرائق وارتفاع لدرجات الحرارة وجد الأوروبيون أنفسهم أمام مشهد هوليوودي صادم .

قبل أيام مات المئات من الحرارة في كندا التي تشتهر بطقسها البارد والضبابي.

وارتفعت حصيلة الوفيات خلال موجة الحر الأخيرة في مقاطعة كولومبيا البريطانية بكندا، التي حطمت الرقم القياسي بهذه المقاطعة، إلى 808 حالات، وفقا للطب الشرعي.

وبدأ موسم حرائق الغابات في الولايات المتحدة بأسوأ طريقة منذ عقد، خصوصًا في كاليفورنيا، حيث دمرت الحرائق 3 أضعاف الأراضي مقارنة بنفس هذا الوقت من العام الماضي.

وعن الوضع في إسبانيا قالت صحيفة “لاراثون” الإسبانية اليوم أن ارتفاع درجات الحرارة فى إسبانيا يؤدي إلى ارتفاع مخاطر حرائق الغابات، خاصة في مناطق مثل قرطبة وكاستيلا دى لامنشا و وإكستريمادورا، بعد أن أكدت هيئة الارصاد الجوية Aemet أن درجات الحرارة وصلت إلى 40 درجة.

وفي أسوأ كارثة طبيعية تشهدها ألمانيا منذ ما يربو على نصف قرن ارتفعت حصيلة الفيضانات الجارفة التي اجتاحت ألمانيا إلى 156 قتيلا، حتى اليوم الأحد، مما يرفع الحصيلة الإجمالية في غرب أوروبا إلى ما لا يقل عن 183 قتيلا.

يقول فريدريك أوتو ، الفيزيائي في جامعة أكسفورد وفق “نيويورك تايمز” :- “أقول هذا بصفتي ألمانيًا: إن الفكرة القائلة بأنه من الممكن أن تموت من الطقس هي فكرة غريبة تمامًا فلا يوجد حتى إدراك بأن التكيف شيء يتعين علينا القيام به الآن فعلينا إنقاذ حياة الناس “.

وكان بيل جيتس قد أكد منذ عدة أشهر أن على العالم أن يترقب أزمة بيئية ستكون تداعياتها على العالم أشرس وأعنف وأكثر سوءًا من فيروس كورونا وأن مستقبل البيئة والبشرية جمعاء رهن انبعاثات الكربون، فالاحتباس الحراري يمكن أن يؤدي إلى انقراض 60% من الأسماك، وتوقع جيتس أن يواجه العالم خلال عقود قريبة أزمة كبرى ناجمة عن تغير المناخ فبينما بلغت نسبة وفيات الفيروس التاجي 10 وفاة لكل 100 ألف من السكان، سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة على الأرض من هذه العدد بواقع 5 أضعاف بحلول 2100.

وإذا استمر معدل نمو الانبعاث بنفس الوتيرة ، فإننا سنواجه 73 حالة وفاة إضافية لكل 100 ألف شخص، بسبب ارتفاع درجات الحرارة عالميا.

وتدفعنا كوارث الطقس القاسية التي ضربت أنحاء أوروبا وأمريكا خلال الأيام الماضية مرة أخرى إلى حقيقة أساسية واحدة وهي أن العالم غير مستعد بعد لإبطاء التغير المناخي ولا حتى التعايش معه، فقد اكتوت الدول الغنية والأكثر تلويثًا للبيئة بنار الغازات الدفيئة قبل تلك الفقيرة.

ويكمن السؤال فيما إذا كانت هذه الكوارث المتصاعدة في العالم المتقدم ستحدث تأثيرًا إيجابيًا على ما ستفعله الدول والشركات الأكثر نفوذاً في العالم للحد من انبعاثاتها من الغازات الدفيئة لاسيما أنها تأتي قبل بضعة أشهر من مفاوضات المناخ التي تقودها الأمم المتحدة في جلاسكو في نوفمبر المقبل، وهي لحظة قد تكون فعالة لتقدير ما إذا كانت دول العالم ستكون قادرة على الاتفاق لكبح الانبعاثات بما يكفي لتجنب آثار تغير المناخ الكارثية.

إن إمكانية اعتماد ترسانة أسحلة صديقة للبيئة في غضون بضع سنوات – في ضوء تقارير حديثة مرعبة تتحدث حول تزايد وتصاعد عدد الرؤوس النووية والتسلح النووي – ليست بالمهمة السهلة، فقد يستغرق تطوير العتاد العسكري ليصبح صديقًا للبيئة عقودًا من الزمن فالتقليل من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري جراء اعتماد مصادر الطاقة التقليدية يحتاج لكثير من الجهود والإصلاحات والتظافر بين كل دول العالم.

لطالما كانت التقنيات الحديثة سلاحًا ذا حدين، وقد أثبتت التجربة البشرية أن الإنسان دفع ثمن هذه التقنيات، فبقدر ما استغل البشر التكنولوجيا في الحفاظ على حياته وتطويرها وزيادة وتحسين ظروفه وزيادة رفاهيته، كانت في المقابل تعبث من الباب الخلفي بمقدراته وتهدد حياته بشكل صارخ، لذا فإذا لم نتخلص من انبعاثات الكربون في العالم فلننتظر الفاجعة جميعًا شعوبًا وحكومات.

ربما يعجبك أيضا

1