وسط ابتهاج شعبي وصدمة النهضة.. قرارات سعيّد «الاستثنائية» تعيد الانضباط للشارع التونسي

حسام السبكي

حسام السبكي

في حالة جديدة، وصفها بعض الساسة والمحللين والمراقبين بشكل خاص للشأن التونسي، بـ”الموجة الجديدة” لـ “ثورة الياسمين” التونسية، التي اندلعت في 2011، وأطاحت حينها بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، عن حزمة من “القرارات الثورية”، التي هدفت إلى وضع النقاط فوق الحروف، ووقف نزيف الدم التونسي، وإعادة الانضباط إلى الشارع، وكبح نفوذ وتوغل حركة النهضة المحسوبة على كيان الإخوان في الحياة السياسية التونسية.

وبينما قوبلت قرارات الرئاسة التونسية بالابتهاج وعمت الاحتفالات شوارع تونس، حتى نزل المئات إلى الشوارع بالمخالفة لقرار حظر التجول لمكافحة جائحة كورونا، سادت في المقابل حالة من التخبط السياسي وحتى على مستوى التصريحات من جانب قيادات الإخوان وحزب النهضة.

قرارات ثورية

على نحو طارئ، عقد الرئيس التونسي قيس سعيّد، مساء أمس الأحد، اجتماعًا، أكد خلاله بالقول: “لن نسكت على أي شخص يتطاول على الدولة ورموزها ومن يطلق رصاصة واحدة سيطلق عليه الجيش وابلا من الرصاص”.

تزامن ذلك، مع اندلاع مظاهرات عنيفة، أمس الأحد، في عدة مدن تونسية، حيث عبر المتظاهرون عن غضبهم من تدهور الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وتحدى آلاف المتظاهرين القيود المفروضة لكبح تفشي الفيروس وارتفاع درجات الحرارة للاحتجاج في العاصمة تونس ومدن أخرى. ورددت الحشود، التي تألفت غالبيتها من الشباب، شعارات تدعو إلى حل مجلس نواب الشعب وإجراء انتخابات مبكرة.

وأطلقت مجموعة جديدة تسمى حركة 25 يوليو دعوة للاحتجاج في الذكرى 64 لاستقلال تونس.

وعقب الاجتماع، قرر الرئيس التونسي تجميد عمل البرلمان وتعليق حصانة كل النواب، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة مدن.

وأضاف الرئيس أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد.

كما قرر الرئيس التونسي تولي رئاسة النيابة العمومية للوقوف على كل الملفات والجرائم التي ترتكب في حق تونس، وتولي السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد ويعينه رئيس الجمهورية.

وحسب الفصل 80 من الدستور التونسي يحق لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب.

بدورها، دعت الرئاسة التونسية، الشعب إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى في البلاد، مشيرة إلى أن القرارات الأخيرة التي صدرت عن الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء أمس الأحد، جاءت حفظاً لكيان الدولة وأمنها واستقلالها وضمان سير مؤسساتها.

وأكدت أن القرارات الرئاسية تمت بعد استشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وعملاً بالفصل 80 من الدستور، لضمان السير العادي لدواليب الدولة.

وأضافت -في ببان، نشرته صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)- أنها ستصدر لاحقا أوامر تنظيم التدابير الاستثنائية التي فرضتها الظروف والتي سترفع بزوال أسبابها.

في غضون ذلك، قام عدد من الشباب في ولاية قبلي التونسية ، مساء الأحد، باقتحام مقر حركة النهضة وإضرام النار في محتوياته، وذلك عقب القرارات التي أعلن عنها رئيس الدولة قيس سعيد.

وفي السياق ذاته اقتحم متظاهرون مقرات حركة النهضة بمعتمدية القصر القريبة من وسط مدينة قفصة، كما قام المحتجون باقتحام مقر الحركة في بباجة واقتلاع اللافتة الرئيسية للمقر وحرقها، وفقاً لوسائل إعلام تونسية محلية.

هذا، وذكرت “قناة العربية”، صباح اليوم الإثنين، أن أنباء ترددت عن إغلاق الحدود التونسية ومطار تونس قرطاج، في أعقاب القرارات التي أعلنها الرئيس التونسي، مساء أمس الأحد.

وأفادت مصادر تونسية، بفرض رقابة شديدة على المطارات لمنع سفر أي من أعضاء البرلمان للخارج.

وأكدت المصادر أن جميع المطارات التونسية باتت تحت المراقبة الشديدة بعد أوامر بمنع السفر لأي من أعضاء البرلمان أو أي من الأشخاص الصادر في حقهم بطاقات إيداع.

وطوقت عربات للجيش التونسي، مساء الأحد، مبنى البرلمان بعد إعلان رئيس البلاد، قيس سعيد، تجميد أنشطته.

وانتشرت عناصر الجيش في محيط البرلمان ومبنيي الإذاعة والتلفزيون ووزارة الداخلية.

واتخذت سلطات تونس إجراءات أمنية مشددة في محيط البرلمان حيث أظهر مقطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة مدرعات عسكرية وعناصر في قوات الأمن أمام مقر المؤسسة التشريعية وسط ترحيب من الناس المحتشدين في الشوارع بقرارات سعيد.

وقال شاهدان لـ(رويترز)، إن مواطنين تجمعوا في مكان قريب هتفوا للجيش ورددوا النشيد الوطني مع تطويق مركباته لمبنى البرلمان.

ترحيب سياسي.. واحتفالات شعبية

ساعات قليلة، بل دقائق، أتت عقب قرارات الرئيس التونسي، شهدت بعدها معظم الولايات التونسية، احتفالات شعبية بالقرارات الرئاسية التونسية.

وقام المتظاهرون بإطلاق الشماريخ وأبواق السيارات للتعبير عن الفرح بقرارات تجميد البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه.

وبغرض بث الأمل والطمأنينة في نفوس التونسيين، قام الرئيس التونسي بالتجول في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة.

وفي أول تعليقٍ على القرارات، قال الرئيس التونسي: إن قراراته ليست تعليقا للدستور أو خروجا عن الشرعية”، بحسب ما نقلته “العربية”.

في سياقٍ متصل، ثمنت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو، أمس الأحد، قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد ووصفتها بالتاريخية.

وقالت البرلمانية التونسية: “من انقلب على الدستور هو البرلمان الذي يمرر قوانين على المقاس”، معبرة عن رفضها للديمقراطية التي تكون على المقاس.

من جهة أخرى علقت عبو على تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ووصفته بالشخص غير المسؤول، وأكدت أن قرارات الرئيس جاءت لاسترجاع الدولة وإيقاف العبث في البلاد، مبينة أن الأغلبية الحاكمة تنتهك يوميا الدستور وتعيش ديمقراطية مزيفة.

وقالت: “إن تونس أصبحت يحكمها عصابات ولصوص”.

صدمة الإخوان!

img 8

وسط مزيج من الذهول والتخبط، خرجت تصريحات قيادات حزب النهضة المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، معبرة عن صدمتها من القرارات الرئاسية الأخيرة، التي وفق ما وصفتها وسائل إعلام محلية ودولية، لم تكن قيادات الحزب على علمٍ بها!.

في غضون ذلك، علق رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، على القرارات الأخيرة للرئيس التونسي قيس سعيد، حيث اتهمه بالانقلاب على الثورة والدستور بعدما جمد الرئيس عمل البرلمان وأقال الحكومة.

وقال الغنوشي لوكالة “رويترز” – ملوحاً بدفع أنصار الحركة بالنزول للشارع – “نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.

وأكد الغنوشي في تصريحات إعلامية أن “البرلمان سيواصل عمله رغم قرار الرئيس بتجميده”.

ونقلت “العربية” في نبأ عاجل، عن الغنوشي، دعوته للتونسيين للنزول إلى الشوارع “لإعادة الأمور إلى نصابها”، حسب تعبيره.

وبحسب ما نقلته “رويترز”، منع الجيش التونسي، في وقت مبكر من صباح اليوم الإثنين، راشد الغنوشي من دخول مبنى البرلمان.

علي العريض نائب رئيس حركة النهضة التونسية
علي العريض نائب رئيس حركة النهضة التونسية

من جانبه، قال نائب رئيس حركة النهضة، علي العريض: “ليس لنا معلومات سابقة أو حالية حول هذا الموضوع لكن بشكل عام، لكن بتعبير عن رأي شخصي، الدستور هو الحكم من احترمه سنحترمه من يخرقه أو انقلب عليه فلن نقبل بذلك”.

وأضاف -خلال مؤتمر صحفي كانت حركة النهضة تعقده، ليل الأحد، ويبدو أنها فوجئت بالقرارات- “ناضلنا أربعين سنة من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسنستمر في صيانتها والدفاع عنها”، وفقًا لـ”العربية”.

ربما يعجبك أيضا