في مواجهة قبضة طالبان.. أحمد مسعود شاه يسير على خطى والده

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

ظلت ولاية بناشير الأفغانية «وادي الخمسة أسود» بجبالها الشاهقة ووديانها الوعرة عصية على حركة طالبان، ومنها أعلن القيادي الشاب أحمد مسعود السير على خطى والده الشهير أحمد شاه مسعود، زعيم المقاومة الأفغانية والذي اغتاله تنظيم القاعدة قبل 20 عامُا.

وقال أحمد مسعود معلنا انطلاق ما وصفه بـ«مقاومة المجاهدين» ضد طالبان: «أكتب اليوم من وادي بناشير، أنا على استعداد لاتباع خطى والدي، مع المجاهدين المقاتلين المستعدين لمواجهة طالبان مرة أخرى، لدينا مخازن الذخيرة والأسلحة التي جمعناها بصبر منذ عهد والدي، لأننا علمنا أن هذا اليوم قد يأتي».

وأكد مسعود في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن الأفغان استجابوا خلال 72 ساعة لندائه للانضمام إلى المقاومة في بناشير، قائلا: «لدينا جنود من الجيش الأفغاني اشمئزوا من استسلام قادتهم وهم يشقون طريقهم الآن إلى تلال بناشير بمعداتهم، كما انضم أعضاء سابقون في القوات الخاصة الأفغانية إلى نضالنا».

على خطى والده

«في عام 1998، عندما كنت في التاسعة من عمري، جمع والدي، قائد المجاهدين أحمد شاه مسعود، جنوده في كهف بوادي بناشير جلسوا واستمعوا إلى صديق والدي، الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي، يخاطبهم، قال ليفي: «عندما تقاتل من أجل حريتك، فإنك تقاتل أيضًا من أجل حريتنا»، بحسب ما قاله مسعود.

يضيف: «لم ينس والدي هذا أبدًا لأنه حارب طالبان، حتى لحظة اغتياله في 9 سبتمبر 2001، بأمر من طالبان والقاعدة، كان يقاتل من أجل مصير أفغانستان ولكن أيضًا من أجل الغرب، الآن أصبح هذا الصراع المشترك ضروريًا أكثر من أي وقت مضى في هذه الساعات المظلمة والمتوترة لوطني».

وشدد مسعود على أن هذا لا يكفي، قائلا: «إذا شن أمراء الحرب من طالبان هجومًا، فسيواجهون بالطبع مقاومة شديدة منا، وسيرفع علم جبهة المقاومة الوطنية فوق كل موقف يحاولون اتخاذه، حيث رفرف علم الجبهة الوطنية المتحدة قبل 20 عاما، لكننا نعلم أن قواتنا العسكرية ولوجستياتنا لن تكون كافية، سوف يتم استنفادها بسرعة ما لم يجد أصدقاؤنا في الغرب طريقة لتزويدنا بها دون تأخير».

لقد غادرت الولايات المتحدة وحلفاؤها ساحة المعركة، لكن لا يزال بإمكان أمريكا أن تكون «ترسانة كبيرة للديمقراطية»، كما قال فرانكلين دي روزفلت عندما قدم لمساعدة البريطانيين المحاصرين قبل دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، بحسب مسعود.

من هو أحمد مسعود؟

ظهر مسعود ( 32 عاما) هو يرتدي القبعة الصوفية التقليدية مطلقا لحيته التي اشتهر بها والده، وبرز اسمه مؤخرا بين أسماء قيادات قليلة، تفرض نفسها في المشهد، بعد سيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة بأفغانستان.

في العاشر من يوليو عام 1989، وُلد أحمد مسعود على مقربة من فوهات المدافع، بينما كان والده حينذاك يكافح الغزو السوفيتي بأفغانستان، بولاية بناشير، وأفاق في سنواته الأولى على والده أحمد شاه مسعود، وهو يصدّ طالبان عن «الأسود الخمسة».

في وقت مبكّر التحق مسعود بالدراسة، إذ مكنه نفوذ والده، من إرساله إلى طاجيكستان، وهناك درس الابتدائية، وأكمل دراسته الثانوية في إيران، قبل أن يلتحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية العريقة ببريطانيا، ويتخرج منها عام 2012.

عام 2015، حصل مسعود على بكالوريوس في دراسات الحرب من جامعة «كينغز كوليج» بلندن، وفي العام التالي حصل على درجة الماجستير، من جامعة «سيتي» بالمملكة المتحدة.

عام 2016، عاد مسعود إلى أفغانستان وهو والأخ لخمس بنات، هو أكبر بكثير مما كان عليه والده عندما بدأ نضاله ضد السوفييت في السبعينيات، وبدء مسعود نشاطه السياسي، بناء على إرث والده،  وفي عام 2019، أعلن نيته ملء فراغ والده، وأسس حزبا سياسيا، إضافة إلى جمعيته الناشطة التي تحمل اسم عائلته، بحسب «دويتشه فيله».

في الوقت الذي عادت فيه حركة طالبان إلى السلطة بعد عشرين عاما من الإطاحة بها، كان مسعود في العاصمة الأفغانية كابول، وعاد إلى بناشير لترتيب صفوفه معلنا استعداده للقتال.

وأجرى القيادي الشاب، العديد من المقابلات المصورة والمكتوبة مع وسائل الإعلام الدولية، مقدما رؤيته لحل الأزمة في أفغانستان، متمسكا بالحوار، وملوحا بالاستعداد للقتال.

واستقبل أحمد مسعود عشرات القادة من أنحاء أفغانستان، وفي لقطة مصورة ظهر إلى جانبه نائب الرئيس الأفغاني، أمر الله صالح، والذي التحق به إلى بناشير، ونصّب الأخير نفسه رئيسا «شرعيا» وحيدا للبلاد، بعد فرار غني، كما استقبل وزير الدفاع، باسم الله محمدي.

من جانبه، قال المحلل السياسي الأفغاني، وحيد الله غازي خيل، إنه لا يتوقع أن ينجح أحمد مسعود في مسعاه لأن البلاد تحت حكم طالبان ستقيم حكومة شاملة تجمع جميع الأطراف،  بحسب موقع «الحرة».

فيما يرى المحلل الأفغاني، حكمت باينده، أن أحمد مسعود رمز القیادة القادمة وله ثقل شعبي وله دور مهم في المعادلات السیاسیة في أفغانستان.

المقاومة في بناشير

بين (1980-1985) دافعت «بناشير» عن استقلالها أثناء التدخل السوفياتي، وفي إبان حكم طالبان (1996 – 2001)، وفي فترة تواجد قوات الناتو والحكومة المدعومة من الغرب (2001 – 2021) كانت منطقة وادي بناشير الأكثر أمنا في أفغانستان.

ويرتبط تاريخ استقلالية «بناشير» واعتمادها على نفسها بشكل كبير بالشخصية الكاريزمية والمعروفة في كل أفغانستان، أحمد شاه مسعود، الذي كان مرشدا أيضا لـ أمر الله صالح نائب الرئيس الهارب.

عام 1985، نشبت حرب أهلية بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان وانتهت بانتصار طالبان، لكن أحمد شاه مسعود استطاع مع حلفائه في «الجبهة الموحدة» والتي تعرف بتحالف الشمال، الاحتفاظ بالسيطرة على منطقة وادي «بناشير» وتقريبا كل شمال شرقي أفغانستان حتى حدود الصين وطاجيكستان.

بالرغم من ذلك، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، قوات مسعود بانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان أثناء المعارك حول كابول خلال الحرب الأهلية.

ربما يعجبك أيضا