جنين برميل بارود قد يفجر حربًا في فلسطين التاريخية

محمود

كتب – محمد عبد الكريم

الترقب والقلق هو سيد الموقف في فلسطين المحتلة، إذ إن ما يمكن أن تحمله الأيام أو حتى الساعات القادمة سيكون ذا تداعيات كبيرة، فمصير الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم من سجن جلبوع سيكون ذا أثر كبير في الضفة الغربية المحتلة، وفي قطاع غزة، وحتى في القدس والداخل المحتل عام 1948، على نمط المواجهات التي عمت كافة أرجاء فلسطين خلال أحداث ما سميت بـ”سيف القدس” في الفترة من 7-15 مايو.

أولى بوادر المعركة بدأت، اليوم الأربعاء، بحملة اعتقالات طالت أقرباء لأسرى الست والتنكيل بهم، ومصادرة هواتفهم، ما أسفر عن مواجهات بالحجارة رد عليها جنود الاحتلال بالرصاص الحي إصابة إحداها شاب في الرأس في بلدة عرابة جنوب جنين.

المناوشات ما زالت حتى اللحظة على أطراف جنين حيث نشرت قوات الاحتلال فرقة مشاة وفرقة من قوات النخبة المسماة “جولاني”، واستنفرت كذلك وحدات المستعربين وعلى رأسها وحدة النخبة فيها “الدوفدوفان”، واقتحموا بلدة عانين، وعربونة، وسلسلة جبال جلبوع، وفقوعة، وجلبون ودير أبو ضعيف، والجلمة، والطيبة، والعرقة، إلا أن المحك الحقيقي سيكون اقتحام مدينة جنين وبالأخص مخيمها، خاصة بعد الاستعراض العسكري لفصائل المقاومة فيه ليلة أمس الثلاثاء، حيث توعدوا الاحتلال فيه بمعركة طاحنة.

عنقاء المقاومة انبعثت من رماد 2002

أثبت مقاومو مخيم جنين، الذي يعتبر أيقونة المقاومة المسلحة والصمود في الضفة المحتلة، أن المخيم لا يزال يستحق هذا التقدير بجدارة، فلا تمضي فترة حتى تشهد ساحات المخيم ساحة معركة جديدة بالسلاح مع قوات الاحتلال، وكأنّ ليالي وحكايات معركة 2002 لما تمض بعد، وتتجسّد خصوصية جنين بتفرُّدها في إفراز «هوية موحّدة» تحتضن الفصائل كتفاً إلى كتف في التصدّي للاحتلال، حيث المعقل الأكبر لحركة «الجهاد» في الضفة، وبجوارها «حماس» و«فتح». فميدانياً، كان لانصهار الفصائل أثرٌ في توحيد الفعل المقاوم في المدينة، حيث يتم توزيع مهامّ التصدّي في ما بينها تحت مسميات مختلفة: «كتائب شهداء الأقصى»، «سرايا القدس»، «مجموعات الشهيد جميل العموري».

الجيل الجديد، الذي يرابط على المداخل عانى مرارة الاجتياحات المتكرّرة لجنين، ومَن يحمل بندقية في جنين، عليه أن يوجّهها نحو الاحتلال. تلك الثقافة المتراكمة لمسار الشهداء تلتهب مع سقوط كل شهيد وعند كل مواجهة مع الاحتلال. وبطبيعة الحال إن الموقع الجغرافي لمدينة جنين، وبُعد المستوطنات من حدودها مقارنة بمناطق أخرى في الضفة، ثبّت جبهة المواجهات مع قوات الاحتلال، ولم يشتّتها في جبهات متعدّدة مع المستوطنين في التصدّي لاعتداءاتهم. تحولّت جنين أخيراً إلى ملجأ للمطلوبين من الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهو ما يخافه الاحتلال، ويتذرّع به. واليوم، ثمّة تخوّف إسرائيلي، في ضوء تجربة الاحتلال مع جنين على وجه الخصوص، من تحوّلها إلى «عاصمة اشتباك»، وعودة العمليات الاستشهادية بناءً على المعلومات الأمنية لأجهزة الاحتلال.

أحد عشر شهيداً قدمتهم محافظة جنين منذ بداية العام الجاري (2021)، أكثر من نصفهم من مخيم جنين، ستة منهم ارتقوا منذ مطلع شهر آب الجاري، فيما تشير إحصائية من المخيم أن عدد شهدائه منذ 1967 بلغ (176) شهيداً.

الاحتلال يخشى «العدوى»

تُواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية، تحديا حقيقيا في مدينة ومخيم جِنين (شمال).

فحينما تقتحم بقية مناطق الضفة، تُواجه برشقها بالحجارة من قبل الشبان؛ لكن في جنين، يُطلقون الذخيرة الحية باتجاهها، وتندلع اشتباكات مسلحة.

وكان آخر هذه الاشتباكات، ما جرى فجر 16 أغسطس/اب حينما توغلت قوات الاحتلال، لاعتقال شاب فلسطيني، فاندلع اشتباك مسلح، أسفر عن استشهاد 4 فلسطينيين.

الهاجس الأكبر للاحتلال يكمن في بروز «عدوى نضالية» تنتقل إلى مناطق أخرى في الداخل. ولعلّ ما حدث أخيراً في الاشتباك المسلّح الذي وقع بين قوات الاحتلال والشباب الفلسطيني في البلدة القديمة في نابلس، خلال اقتحام محلّ للصرافة في سوق الذهب، يؤكد مخاوفه؛ إذ تبعه، بعد أسابيع، استشهاد الفتى عماد حشاشة في مخيم البلاطة، أثناء تصدّي شبّانها للاقتحام بإلقاء حجارة الطوب من على سطوح المنازل، في الأسبوع نفسه الذي ارتقى فيه 4 شبان في جنين. هذه الاقتحامات المكثّفة للاحتلال في جنين بهدف إفراغ المدينة من حالة المقاومة إن دلّت على شيء فإنما تدّل على خشية العدوّ من سياسة «ليّ الذراع». فهو الآن أمام واقع جديد ــــ قديم من معادلة الاشتباك: «البارود بالبارود حتى الشهادة»، بالإضافة إلى تخوّفه من سيناريو «فتح الجبهات»، كأن تطلق «الجهاد» صاروخاً على مستعمرة سديروت من غزة، ردّاً على استشهاد الشهداء الأربعة في جنين، ثم تضطر حكومة نفتالي بنيت إلى التزام الصمت احتكاماً لأولوية التهدئة على غلاف غزة، ومنعاً للانجرار نحو جبهات متعدّدة داخلية تفقد فيها السيطرة. لذا، يسعى الاحتلال إلى تشويه جنين عبر ربطها بالفوضى والفلتان الأمني، استدراكاً للمؤشرات التي تلقي بمدلولاتها إلى الانفجار.

هل تعود صواريخ غزة إلى سماء إسرائيل مجددا؟

حركة الجهاد الإسلامي، التي يتبع لها 5 من الأسرى المحررين، حذرت وبشكل واضح بكافة تشكيلاتها العسكرية في الضفة وقطاع غزة من المس بحياة الأسرى الستة، أو حتى استمرار التغول على الأسرى وممارسة القمع ضدهم، في حين أطلق نشطاء دفعات من البالونات من مناطق شرق محافظة خان يونس، تضامنا مع الأسرى، ورفضا لموجة القمع والعنف التي يتعرضون لها.

وقالت “سرايا القدس” في تصريح مقتضب صدر عنها، مساء أمس: “إننا وبكل وضوح ودون أي مواربة، لن نسمح بالمطلق باستمرار العدوان على الأسرى، ولن نترك أسرانا وحدهم ولن نخذلهم”.

كما أضافت: “نقول للعدو، لن يمنعنا أي تعقيد عن ممارسة واجبنا تجاه إخوتنا الأسرى وكل خيارتنا مفتوحة..” كما جاء في نص التصريح.

التهديدات تأتي أصلا في سياق توتر، يعيشه قطاع غزة في الوقت الراهن، يمكن أن يقود بأي لحظة أو احتكاك صغير إلى جولة تصعيد طاحنة وكبيرة، قد تقلب الأوضاع بأكملها، وتُبعثر كافة الأوراق السياسية والأمنية وتُحرج الوسيط المصري.

القاهرة ومنذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة على قطاع غزة في شهر أيار (مايو) الماضي والتي استمرت 11 يومًا، لم تنجح في فرض معادلة ثابتة وواضحة لوقف التصعيد المتكرر من قبل الجانب الإسرائيلي، وقصفه العنيف والمتعمد لمناطق حساسة ومستفزة في القطاع، وكذلك لم تقدم ضمانات حقيقية لفصائل المقاومة الفلسطينية بإلزام دولة الاحتلال بتخفيف الحصار المفروض على غزة، حسب ما جرى التوصل له من تفاهمات في العاصمة المصرية.

هذه الحالة الضبابية التي يعيش سكان القطاع، واستمرار فرض الحصار الخانق الذي قتل كافة مظاهر الحياة في القطاع وشل مؤسساته، والتصعيد المتكرر لقوات الاحتلال بالقصف غزة وتضييق الخناق على الصيادين والتجار وغيرها من الحالات التعسفية، دفع بالفصائل إلى إيصال رسالة شديدة اللهجة إلى جهاز المخابرات المصرية حول أوضاع غزة القابلة للانفجار والأوراق التي تملكها المقاومة للجم الاحتلال وسياسته.

وبحسب تصريحات صحفية من غزة، فإن الفصائل قدمت “مهلة أخيرة” لإسرائيل لا تتجاوز الـ15 يومًا، لتحديد موقفها الرسمي والواضح من الأوضاع الدائرة في القطاع وحالة التوتر القائمة.

وذكرت مصادر فلسطينية مطلعة، أن الفصائل أوصلت رسالة للقاهرة مفادها “أن الوضع لن يبقى كما هو عليه كثيرًا، وأن الفصائل تملك أوراق قوية كثيرة، في حال واصلت إسرائيل سياسة التماطل والتصعيد المستفزة”.

وأشارت إلى أن القاهرة غاضبة بشدة من ممارسات الاحتلال في غزة، وأبلغت اعتراضها خلال زيارة الوفد الإسرائيلي الذي ترأسه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا، للعاصمة المصرية أمس الإثنين، وطالبته باحترام التعهدات وتقديم التسهيلات تجاه القطاع، والبدء بتنفيذ كل الخطوات التي تم الاتفاق عليها لتخفيف من الحصار ووقف أعمال التصعيد والقصف المتكرر لغزة.

وقال حازم قاسم، الناطق باسم الحركة، في بيان، إن “القصف الصهيوني على قطاع غزة محاولة من الاحتلال للتغطية على عجزه وفشله في مواجهة نضال شعبنا، خاصة بعد العملية البطولية التي انتزع فيها 6 من مناضلي شعبنا حريتهم من سجن جلبوع (شمالي إسرائيل)”.

وأضاف: “هذا الصراع بين شعبنا ومقاومته مع المحتل سيتواصل إلى أن ينتزع شعبنا كامل حريته من المستعمر الصهيوني على كل أرض فلسطين”.

وتزامنت مهلة الفصائل لإسرائيل مع إعلان السفير القطري محمد العمادي، تفاصيل المساعي الجارية لتثبيت التهدئة في غزة. إذ أوضح أنه تمّ الاتفاق على إعادة فتح المعابر بشكلٍ كامل، من أجل تلبية احتياجات القطاع الرئيسة، مع تقديم التسهيلات المختلفة التي من شأنها أن تساعد على الخروج من الوضع المتأزّم.

وأشار إلى أن لقاءاته في كلّ من غزة ودولة الاحتلال “حقّقت نتائج إيجابية سيتمّ البناء عليها في جميع الملفّات التي تتعلّق بتحسين ظروف الحياة لسكان القطاع، بالتنسيق الكامل مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية وبتوافق مع جميع الأطراف”.

وأكّد أنه تمّ الانتهاء من كلّ الإجراءات المتعلّقة بصرف المنحة القطرية للأسر الفقيرة في غزة، مبيّناً أنه سيتمّ البدء بعملية الصرف خلال الشهر الجاري بحسب الآلية المتّفق عليها مع الأمم المتحدة، وذلك بعد استكمال الأخيرة، الإجراءات الفنّية، مضيفاً أن العملية ستشمل أيضاً موظّفي القطاع بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

إسرائيل تترقب انتفاضة الداخل المحتل في أية لحظة

في الرابع من شهر سبتمبر الجاري أي قبل أيام قليلة،  توقعت تقديرات لشرطة الاحتلال الإسرائيلي باندلاع مواجهات في المدن المختلطة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 على غرار تلك التي اندلعت خلال الهبة الشعبية في أيار/ مايو الماضي، مؤكدة أنها ليست سوى “مسألة وقت”.

وحذرت من أن موجة المواجهات المقبلة ستكون “الأعنف”، وسيكون “من الصعب على شرطة الاحتلال الاستجابة لها”.

جاء ذلك بحسب ما نقل موقع “واللا” العبري عن ضابط رفيع في شرطة الاحتلال الإسرائيلي السبت.

واعتبر الضابط أنه “خلال الأيام الثلاثة الأولى من أعمال الشغب في المدن المختلطة في أيار/ مايو الماضي كان تواجد القوات الإسرائيلية على الأرض ضئيلًا بالنسبة لحجم الأحداث”.

وشدد على أن “الشرطة وجدت صعوبة في الاستجابة والوصول إلى المكالمات الواردة من الإسرائيليين الذين تعرضوا للخطر”.

واعتبر أنه “على الرغم من الوقت الطويل الذي مضى منذ ذلك الحين والدروس المستفادة” إلا أن “الموجة التالية من الاضطرابات، والتي ستحدث بالتأكيد، ستكون أكثر عنفًا في المقابل، ستكون قوة الشرطة محدودة للغاية”.

وقال المسؤول إن “موجة أخرى من أعمال الشغب ليست مسألة ما إذا كانت ستحدث، الأمر يتعلق بمسألة الوقت السؤال: متى ستحدث”.

وأضاف “تشير التقديرات إلى أن المواجهات المقبلة ستكون أكثر عنفًا ضد المستوطنين والشرطة، ولكن هذه المرة أيضًا سوف يستغرق الأمر ما لا يقل عن 72 ساعة للاستعداد لنشر كبير للقوات والاستجابة للأحداث”.

ورأى الضابط في الشرطة الإسرائيلية أن ذلك يرجع إلى وضع الميزانية الحالي لدى جهاز الشرطة.

وبحسب المسؤول الرفيع فإن “وقت استجابة الشرطة الإسرائيلية لا يختلف كثيراً عن الجيش، فاستدعاء قوات كاملة من الاحتياط يتطلب نفس الحجم من الوقت عند اندلاع حرب مفاجئة”.

وذكر أن الفرق يكمن بطبيعة عمل الأجهزة؛ “يمكن للجيش الرد سريعا بالمدفعية والقوات الجوية” إلى حين استدعاء قوات الاحتياط، على حد تعبيره.

وتابع المسؤول أن “الشرطة لا تستطيع التصرف بشكل مماثل في شوارع المدن بالداخل، وتعتمد على قوى بشرية تستغرق وقتًا للتجنيد وتوجيهها للأنشطة العملياتية”.

ورأى المسؤول أن “حالة الشرطة الإسرائيلية نتيجة سنوات من الإهمال الحكومي فيما يتعلق بالميزانية المناسبة، والتي يجب أن تلائم التحديات التي يتعين عليها التعامل معها على أرض الواقع”.

وذكر المسؤول أن جهاز شرطة الاحتلال طلب من وزير الأمن الداخلي عومير بار-ليف فتح أماكن جديدة لتجنيد 5000 عنصر شرطي.

وقال “لكن تم رفض الطلب وسيتعين على الشرطة الاكتفاء بألف شرطي فقط وليس بقوة من شأنها أن تغير قواعد اللعبة”.

وبحسب موقع “واللا”، فإنه خلال الهبة الشعبية الأخيرة ومحاولة الفلسطينيين في المدن المختلطة التصدي لاعتداءات المستوطنين المدعومين من عناصر الأمن بالتزامن مع الاعتداءات القدس والعدوان على غزة تلقت شرطة الاحتلال 153 ألف بلاغ على خط الطوارئ التابع لها.

كما تعاملت مع 36 ألفا و500 حادثة، وهو رقم يزيد بنحو 40% عن الحالات التي تتعامل معها في أيام الأسبوع العادية.

وبعد اعتداءات المستوطنين في اللد واستشهاد الشاب موسى حسونة في 11 أيار/ مايو الماضي، بدأت شرطة الاحتلال بنشر تعزيزات من أفرادها المدججين بالسلاح في شوارع المدن المختلطة، وتجنيد بحجم لم يسبق له مثيل لقوات “حرس الحدود”.

وبحسب الموقع “استغرقت الاستعدادات العملياتية، ونقل قوات الحدود من الضفة الغربية المحتلة لمناطق الـ48، وغيرها من الأنشطة العملياتية الأخرى التي ساعدت الشرطة بالسيطرة على الاضطرابات التي وقعت بعد نحو 72 ساعة احتاجتها للسيطرة على المواجهات في المدن المختلطة”.

وفي مايو الماضي، هاجمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال عشرات آلاف الفلسطينيين الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على الاعتداءات الإسرائيلية على القدس والعدوان على غزة.

غير أن الصورة في المدن المختلطة التي يسكنها يهود وفلسطينيون، كانت أشد صعوبة حيث قاد مستوطنون قدموا من الضفة الغربية هجمات عنيفة كانت دموية أحياناً، على فلسطينيين في المدن المختلطة أبرزها اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا.

وأطلقت شرطة الاحتلال حملة اعتقالات طالت المئات من المواطنين، الذين تتهمهم بالمشاركة في الاحتجاجات التي شهدتها المدن والبلدات بالداخل خلال الأحداث الأخيرة.

ربما يعجبك أيضا