48 عامًا على حرب أكتوبر.. كيف سقطت إسرائيل أمام العالم

محمد عبد الدايم

كتب – د.محمد عبدالدايم

48 عاما على حرب السادس من أكتوبر، حرب يوم الغفران، ما يقرب من نصف قرن على الحرب التي أعادت الروح لمصر والعرب للمرة الأولى منذ نكبة فلسطين عام 48، وحتى اليوم ما تزال كثير من الوثائق السرية التي تتناول جوانب من هذه الحرب محفوظة لدى أجهزة المخابرات.

العائدون من الأسر

أكتوبر51

بمناسبة 48 عاما على حرب أكتوبر نشر أرشيف الجيش الإسرائيلي بوزارة الدفاع مع الاحتفال بعيد الغفران (يوم قيبور) في سبتمبر الفائت وثيقة من 40 صفحة، تتضمن محاضر اجتماع مشحون بين قائد المنطقة الجنوبية إبان حرب أكتوبر، شموئيل جونين (جوروديش)، وبين ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي ممن عادوا من الأسر المصري.

أكتوبر1

وفقا لمحضر الاجتماع الذي أفرج عنه الجيش؛ فإن الضباط والجنود الذي كانوا متمركزين على الضفة الشرقية لقناة السويس قد أبلغوا المخابرات العسكرية بوجود تحضيرات مصرية قرب القناة، ولكن قيادة الجيش والمسئولين السياسيين ظلوا متأكدين أن الأمر لا يعدو كونه تدريبات، وليس ثمة هجوم مفاجئ.

الاجتماع بين جونين وبين الضباط والجنود العائدين من الأسر في دار النقاهة “مفتاحيم”، وكان في نوفمبر 1973، أي بعد اتفاقية النقاط الست، التي وقعها الطرفان بعد مباحثات الكيلو 101، وقال جونين إن المصريين كانوا يقومون بتدريبات، وورد تحذير من الهجوم في 1 مايو 1973، ثم اتضح أنه مجرد تدريب آخر، ولذلك عندما وصل إنذار يوم 5 أكتوبر، جرت مناقشات داخل هيئة الأركان، وفي النهاية تعامل الجيش مع الإنذار على أنه تمرين آخر، على غرار التمرين الذي سبق عيد الغفران بأسبوع، وبخلاف الجبهة المصرية، فإن الجيش الإسرائيلي كان يُقدر تحرك السوريين أولا للحرب.

أضاف جونين أن هيئة الأركان أبلغته للمرة الأولى في يوم السبت السادس من أكتوبر الساعة السابعة صباحا باحتمالية نشوب الحرب في السادسة مساء، ومع ذلك لم يُبلّغ بصدور قرار باستدعاء قوات الاحتياط، لأن الجيش الإسرائيلي حتى ذلك الوقت تعامل مع حركة القوات المصرية وتركيزها على أنها تمرين يبدأ في الساعة 6 مساءً.

أكتوبر6

عش الحمام

بعد المبادرة المصرية المفاجئة يوم السادس من أكتوبر أعلن الجيش الإسرائيلي بدء تنفيذ حالة “عش الحمام”، وهي خطة دفاعية وُضعت أثناء حرب الاستنزاف، بهدف الاستجابة السريعة لأي نشاط عسكري مصري على الجبهة، بما في ذلك فتح النار على طول قناة السويس، وتنفيذ عمليات نوعية لقوات الكوماندوز في سيناء، وأُسند تنفيذ الخطة لفرقة نظامية تعمل في سيناء دون الاعتماد على قوات الاحتياط، وكان من المفترض أن يتطلب تنفيذ الخطة تحذيرا لمدة 24 ساعة، على أن يتطلب تنفيذها بالكامل 48 ساعة.

غير أن حونين أُبلغ ببدء تنفيذ “عش الحمام” في يوم الحرب نفسه، وهو ما يعني بدء إنزال دبابات الجيش الإسرائيلي إلى مسافات قريبة من الجبهة على القناة، لكنها أصيبت بنيران مضادة للدبابات، وأمر جونين جنوده بعدم دخول الحصون قبل الساعة الرابعة عصرا، وبرر عدم مساعدة قوات سلاح الجو للجنود على الجبهة وقت اندلاع الحرب بأن السوريين هاجموا في ذلك الوقت، وذهبت قوات سلاح الجو بشكل أساسي لوقف الهجوم السوري.

أكتوبر 31

الملك عاريا، وغفلة الاستخبارات الأفضل في العالم

وقال جونين إن المصريين قد “أطلقوا صواريخ كثيرة”، وأضاف: “اعتقدنا أننا سنشن هجومًا يوم الأحد، ويوم الاثنين سننجح في الضفة الغربية، لكن في 7 أكتوبر الساعة 6:30 لم يكن الوضع على هذا النحو، فقد أصيبت 150 دبابة من ليلة السبت إلى صباح الأحد.

أثناء الاجتماع؛ سُمح للجنود بطرح أسئلة على جونين،  فسأل أحد الجنود: “كيف أصبح الملك عاريًا في يوم واحد هكذا؟! أين الاستخبارات الأفضل في العالم مما حدث؟!” وأجاب جونين بأنه كان من الواضح وجود “فشل في الأمور الاستخباراتية” فلم يعرف الجيش شيئا عن تكثيف المصريين لدباباتهم على الجبهة، رغم علمه بالنشاط نفسه على الجبهة السورية.

 متى يتم الرد على هذه الأسئلة؟ أين كانت ذكائنا الجيد؟” أجاب غوروديش: “هناك فشل في الأمور الاستخباراتية وفي هذا الأمر شكلوا لجنة تحقيق. لم نكن نعرف عن تكثيف دبابات المصريين. علمنا بسوريا.

أكتوبر7

قبل الحرب بأسابيع: مجرد أضواء مزدوجة

جندي من كتيبة المشاة ناحال، التي تمركزت على شرق القناة، قال إنه ورفاقه قد “أبلغوا عن حركة مصرية غير عادية، لكن لم تُؤخذ تقاريرهم على محمل الجد”، رغم أنهم كانوا في هذه البؤرة بمثابة “عيون” للجيش الإسرائيلي، وقد لاحظوا نشاطا غير معتاد قبل ثلاثة أسابيع من يوم كيبور، وقبل أسبوعين رأوا المزيد من الجنود المصريين، يقترب عددهم من 4000 جندي، وأضاف الجندي نفسه أنه ورفاقه رأوا تعزيزات على الجانب المصري، ولاحظوا أن المصريين قد أقاموا نقاط مراقبة جديدة وأن جنودهم نزلوا مياه القناة.

قبل أسبوع ونصف من الحرب أبلغ الجنود ضباط المخابرات برؤيتهم ما يقرب من 100- 150 سيارة عسكرية، لكن ضباط المخابرات قد “سفهوا” رؤيتهم، واعتبروا أن ما رأوه لا يعدوا كونه “أضواء مزدوجة”.

كان إجماع الضباط والجنود العائدين من الأسر المصري أن القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي والاستخبارات قد تجاهلتا تحذيراتهم التي أبلغوا بها قبل الحرب بأسابيع، ورجع هؤلاء من بموجب اتفاقية الكيلو 101 ليوجهوا إلى قائدهم جونين هجوما قاسيا، نابعا من عدم إفاقتهم من الصدمة.

حملت لجنة أجرانات المُشكلة للتحقيق في هزيمة إسرائيل في 73 جونين مسئولية المخاطر التي وقعت فيها فرق من الجيش الإسرائيلي، وأوصت بتنحيته عن منصبه، ثم تراجعت عن قرار تنحيته وأوصت بعدم تعيينه في مناصب عسكرية رفيعة، وظل لبقية حياته أحد المسئولين العسكريين عن الفشل الإسرائيلي في الحرب، حتى مات عام 1991.

قبل ثلاث سنوات: شكرا لك على رسالتك

في مايو عام 1969 أرسل أرسل موشيه مِفطيح، العضو بأسطول الغواصات (شييطت 7) رسالة إلى وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان، حذر فيها من حرب شاملة في وقت لاحق، كان مِفطيح يعمل في قسم خاص بجامعة تل أبيب للدراسات الإستراتيجية، وجاءه الرد في رسالة مفادها: “شكرًا لك على رسالتك”.

ستة أيام وست ساعات

تسلط وسائل الإعلام والمراكز البحثية على الفشل الاستخباراتي الكبير الذي أدى إلى المفاجأة المصرية في الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر 73، وهذا الفشل يرجع في الأساس إلى شعور بالفوقية ظل مسيطرا على القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية منذ حرب يونيو 67، التي أدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وغزة والضفة الغربية والجولان في ستة أيام فقط، ولهذا تروج إسرائيل لتسمية 76 بحرب “الأيام الستة” تفاخرا بالتفوق الكاسح في أيام معدودة، لتتحول الأيام الستة إلى ست ساعات في مفاجأة الجيش المصري، والتي أصبحت ضمن أشهر الجمل بعدما جاءت في خطاب الرئيس الراحل أنور السادات في 16 أكتوبر 1973:

“ولست أتجاوز إذا قُلت إن التاريخ العسكري سوف يتوقّف طويلًا؛ بالفحص، والدرس، أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 73، حين تمكّنت القوّات المُسلّحة المصريّة من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقيّة من القناة، بعد أن أفقدت العدو توازنه، كما قُلت، في ست ساعات”.

ربما يعجبك أيضا