الإفراج عن السائحين الإسرائيليين .. هل يمهد لعودة الدفء للعلاقات مع تركيا؟

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

•    بعد اتهامهما بتصوير قصر أردوغان: وصول الزوجين من تركيا على طائرة خاصة.

•   أول اتصال هاتفي بين رئيس حكومة إسرائيل وأردوغان منذ 2013

• مزاعم إسرائيلية بحديث أردوغان عن القضية الفلسطينية وتجاهل بينط.

• الزوجان يسافران للسياحة في تركيا تاركين أبناءهما، بمن فيهم طفل يبلغ العامين!

•  أردوغان لم يغامر بخسارة السياحة الإسرائيلية.

•  مواءمات سياسية خلف الإفراج عن الزوجين الإسرائيليين.

•  حكومة بينط تثبت أقدامها، لتلقي نتنياهو إلى الماضي.

أطلقت تركيا صباح الخميس (18 نوفمبر) سراح الزوجين الإسرائيليين موردي ونتالي أوقنين، وقد كانا محتجزين منذ ما يزيد عن أسبوع، بعد القبض عليهما بتهمة تصوير القصر الرئاسي لأردوغان، ووضع علامات على الصور.

وصل الزوجان إلى مطار اللد بن جوريون على متن طائرة خاصة تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أقلعت ليلا من تل أبيب نحو تركيا، فيم تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تدخل دولة ثالثة كوسيط بين تركيا وإسرائيل من أجل إنهاء المشكلة والإفراج عن الزوجين، اللذين كانا في رحلة إلى تركيا للسياحة، واعتقلتهما السلطات التركية، ووجهت لهما تهمة التجسس، بعد تصويرهما القصر الرئاسي في إسطنبول، وقررت المحكمة بعد ذلك تمديد حبسهم 20 يوما للاشتباه في “التجسس السياسي أو العسكري”.

وقال بيان لمكتب رئيس الوزراء بينط ووزير الخارجية يائير لابيد: “نشكر رئيس تركيا وحكومته على تعاونهما ونرحب بالزوجين أوقنين”.، كما اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في محادثة أولى بينهما، ليقدم له الشكر بعد تدخله “شخصيا” للإفراج عن الزوجين المعتقلين، وليس هذا فحسب بل اتصل الرئيس الإسرائيلي هرتزوج بنظيره التركي وقدم له هو الآخر عميق شكره.

وهاتف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينط ومعه وزير الخارجية يائير لابيد الزوجين بعد عودتهما إلى منزلهما، وتحدثا مع أسرتهما، التي قدمت لرئيس الوزراء ووزير خارجيته الشكر العميق، كما قدمت للرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتزوج شكرها، وأكدت نتالي أوقنين وابنتها شيراز على “فخرهما برئيس الوزراء وبدولة إسرائيل”.

وقالت ابنة ناتالي، شيراز، بعد إطلاق سراحها “نحن في ذروة حماسنا، نحن في السحاب، أريد أن أشكر بلدنا الرائع، شكراً للأتراك، شكرًا لكل من كان معنا”.

من جهتها، قالت مسؤولة السفارة الإسرائيلية في تركيا إيريت ليليان، إن “هناك إشارات تم تلقيها باهتمام الأتراك في تحسين العلاقات”. وأضافت ليليان التي تعمل مفوضة مؤقتة للسفارة الإسرائيلية بأنقرة: “نعلم جيدًا أننا بحاجة إلى الوصول إلى نقطة تكون فيها العلاقة متينة بدرجة كافية، بحيث تكون أكثر واقعية في وقت الأزمات، وأن ذلك سيتم بخطوات مدروسة .”

وراء الكواليس

3308879 46

تحركت إيريت في أنقرة ومعها رئيس الموساد دافيد بارنيع في وقت واحد على محورين لإطلاق سراح الزوجين، بعدما وصلت رسالة من تركيا مفادها أن هذا “حادث محلي أصبح معقدًا”، وتواصل رئيس الموساد بنفسه مع نظيره، رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، بعد أن تعقدت مسألة اعتقال الزوجين، مع قرار المحكمة بتمديد اعتقالهما، وبعدها تلقت إسرائيل رسالة من تركيا، نقلها إبراهيم قالين كبير مستشاري أردوغان، تفيد بنيتها الإفراج عن الزوجين، ولم يعلم بهذه الرسالة سوى عدد قليل من كبار مسئولي حكومة بينط وأفراد أسرة الزوجين، وقد طُلب منهم أن يبقوا الأمر سرا، وعدم الكشف عن أي شيء لأي شخص، وفي الوقت نفسه، طلبت وزارة الخارجية من الرقباء العسكريين عدم السماح بالنشر حول هذا الموضوع. حتى عندما وصلت العديد من الشخصيات العامة إلى منزل الأسرة يوم الأربعاء، قبل يوم واحد من وصولهما إلى إسرائيل، لم يتحدث أفراد الأسرة عن أن الزوجين سيصلان إلى إسرائيل في الساعات القليلة المقبلة.

وكان من المقرر أن يطير وزير الخارجية الإسرائيلي إلى بودابست في زيارة رسمية، لكنه ألغى زيارته من أجل التركيز على الاتصال بالجانب التركي لإطلاق سراح مواطنيْه، حتى أن مكتب لابيد لم يشر إلى إلغاء الزيارة الأوربية لوزير الخارجية.

كما شارك الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوج في الاتصالات، وتحدث عبر الهاتف مع كبار المسؤولين الأتراك، وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية “أوضحنا للأتراك أنه يتعين عليهم إنهاء القضية وإنهائها بسرعة حتى لا تتطور إلى أزمة أعمق”.

بعد وصول الزوجين إلى إسرائيل، صرح المسؤولون الإسرائيليون إن حقيقة أن كلاً من هرتسوج وبينط ولابيد قالوا علنًا في مرحلة مبكرة إن الزوجين “ليسا عميلين للمخابرات الإسرائيلية كان له تأثير إيجابي للغاية على الاتصالات مع الأتراك”.

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية: إن النتيجة في نهاية الحادث هي أن الحادث “وقع” على أردوغان، الذي كان بحاجة إلى وقت للتعامل معه وإنهائه بشكل جيد. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية “أردوغان فهم أنه ليست هناك حاجة للدخول في مواجهة مع إسرائيل وأنه يمكن أن يستفيد أيضا من نهاية جيدة للقضية”.

غموض حول رحلة السائحيْن

3308887 46

ما يثير في رحلة الزوجين الإسرائيليين، اللذين يعملان في مجال النقل، إلى تركيا للسياحة أنهما سافرا وحدهما، دون أن يصطحبا أي من أبنائهما، بمن فيهم طفل صغير يبلغ الثانية من عمره، ومصاب بالتوحد، وفي بيان وزير الداخلية التركي، قال إن الزوجين “لم يكتفيا بتصوير قصر أردوغان تصويرا احترافيا، بل ركزا عليه، ووضعا علامات على الصور التي التقطاها”، ونعتتهما وسائل الإعلام والصحافة التركية بـ”الجاسوسين”، وتأتي قضية اعتقال الزوجين الإسرائيليين بعد تردد أخبار حول اعتقال 15 شخصًا في تركيا بزعم أنهم عملاء للموساد الإسرائيلي.

استثناء في العلاقات

تعتبر قضية اعتقال السائحين الإسرائيليين أوقنين في تركيا بتهمة التجسس استثناءً في نمط العلاقات بين إسرائيل وتركيا، على الرغم مما تبدو عليه العلاقات الرسمية من تدهور بين البلدين في العقد الماضي، فنادرًا ما كانت هناك تقارير عن معاملة غير مواتية للسياح الإسرائيليين في تركيا، بل إن أنقرة في الحقيقة قد شجعت السياحة من إسرائيل إليها، وقبل تفشي وباء كورونا زاد عدد السياح الإسرائيليين الذين يزورون تركيا إلى مستويات قياسية (حوالي نصف مليون سائح في عام 2019)، وهو عدد يقارب عدد السياح الإسرائيليين إلى تركيا قبل حادث السفينة مرمرة عام 2010، وفي هذا الوقت تحديدا لا يريد أردوغان المغامرة بخسارة العائدات التي تدخل إلى تركيا من سياحة الإسرائيليين، لأن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة التركية يسبب حالة تضخم مفرط.

سبّب قرار تركيا بتمديد احتجاز السائحين الإسرائيليين، تعقيدًا سياسيًا للحكومة الإسرائيلية، رغم أنه في الوقت الحالي يبدو أن الضرر الذي ستلحقه بتركيا جراء هذه الأزمة أكبر مما ستسببه لإسرائيل، على مستوى قطاع السياحة تحديدا، لأن تركيا هي المستفيد الرئيس، لأنها لا تريد خسارة تدفق السياح الإسرائيليين إليها، ولأن الخطوط الجوية التركية تعمل على خط إسطنبول – تل أبيب، فيم لا تطير الخطوط الجوية الإسرائيلية إلى تركيا بسبب رفض أنقرة للمتطلبات الأمنية الإسرائيلية بالنسبة لتأمين المطارات.

مع ذلك؛ تحلق الخطوط الجوية الإسرائيلية فوق الأجواء التركية، وهذا يوفر عليها الوقود والوقت، وقبل تفشي جائحة كورونا؛ كانت هناك زيادة نسبية في عدد السياح الأتراك إلى إسرائيل، ولا تريد أي من الدولتين أن تتوقف السياحة.

وجدير بالذكر أن تركيا قد تحركت خلال العام الماضي لمحاولة إعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل بينها وبين إسرائيل، لكن كان رد فعل إسرائيل حينها ما يزال فاترا، رغم عدم تأثير ذلك على العلاقات التجارية تحديدا.

قبل عودة الزوجين إلى إسرائيل جعلت وسائل الإعلام الإسرائيلية المسألة على رأس تغطياتها الإخبارية، ومن ضمن ما كتب عن القضية نشر المحرر العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت مقال رأي قال فيه إن اعتقال الزوجين يأتي في إطار “حرب بقاء سلطان مريض يسعى لتعزيز شعبيته المتراجعة”، واعتبر أن تركيا “ليست بلدًا آمنا للسائح الإسرائيلي”، وبطبيعة الحال تراجعت السياحة الإسرائيلية إلى تركيا في الأيام الماضية، حيث ألغى 30% من الإسرائيليين حجوزاتهم لرحلات تركيا.

61801

تمهيد لعودة الدفء

تحدث نفتالي بينط هاتفيا مع أردوغان، في محادثة لمدة 15 دقيقة باللغتين التركية والإنجليزية، هي الأولى بين رئيس حكومة إسرائيلية ورئيس تركي منذ العام 2013، وشكر بينط أردوغان على “تدخله” شخصيا للإفراج عن الزوجين، وتحدث معه عن أهمية العلاقات التركية الإسرائيلية، وتأثيرها على المنطقة بأكملها.

كما تزعم وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أردوغان تطرق إلى القضية الفلسطينية في حديثه الهاتفي مع بينط، فيم لم يرد الأخير على هذه المسألة، يأتي الإفراج التركي السريع عن الزوجين الإسرائيليين عودة إلى النمط المألوف في العلاقات الإسرائيلية التركية المتمثل في ألا يضر طرف بالآخر سياحيا، ولا يؤثر أي منهما على الآخر تجاريا، خصوصا وأن التجارة منتعشة للغاية بين البلدين، وفي هذا السياق، على الرغم من الأزمة في العلاقات بين إسرائيل وتركيا خلال العقد الماضي، لا يوجد حتى الآن شرط تأشيرة للإسرائيليين القادمين لزيارة تركيا.

يشير الإفراج عن الزوجين أوقنين إلى الطريقة التي تم بها التعامل مع الأزمة في “دبلوماسية هادئة” من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية والموساد، فلم تثر الحكومة الإسرائيلية ضجة كبيرة في محاولة حل القضية، بل تحركت خلف الكواليس في اتصالات مكثفة مع تركيا، وهذا ما يؤكد على استمرار قنوات الاتصال بين إسرائيل وتركيا، سياسيا ودبلوماسيا واستخباراتيا، وربما يساعد هذا الحادث، وتؤدي نتائجه إلى تهيئة الظروف لعودة السفراء إلى أنقرة وتل أبيب.

تعتبر التسوية مع إسرائيل جزءا من جهود أنقرة لتطبيع علاقاتها مع اللاعبين الآخرين في المنطقة، وهذا يعود بالمكسب على الطرفين، وإن لم يصرحا علانية بذلك، وحتى الآن لم يطالب الأتراك أيضًا بثمن سياسي لإطلاق سراح الزوجين الإسرائيليين، لكن أردوغان يواجه ضغوطا سياسية دولية من دول الاتحاد الأوربي، ويحتاج لإعادة العلاقات “الدافئة” مع إسرائيل، سياسيا بجانب العلاقات التجارية المزدهرة.

3309063 46

مكسب سياسي لبينط

 بالنسبة لنفتالي بينط ويائير لابيد؛ فإنهما كسبا معركة جديدة، تضاف إلى مكسب حكومتهما بتمرير ميزانية إسرائيل، لأنهما استطاعا إعادة الزوجين بسرعة كبيرة نسبيا، دون “بهرجة” إعلامية لم يكن بنيامين نتنياهو ليتنازل عنها، حتى أن مشهد نزول الزوجين أوقنين في مطار اللد جاء هادئا، ولم يكن في استقبالهما رئيس الحكومة وزوجته، بينما لو كانت الواقعة في عهد نتنياهو لظهر مع زوجته سارة في المطار يبتسمان بفجاجة أمام الكاميرات، فيم أفسح بينط المجال لأسرة العائديْن، ليظهر الفرحة الإنسانية، ويكسب نقطة في معركته لتوطيد حكومته، رئيس الحكومة الذي “لا يتفاخر بعمله”.

ربما يعجبك أيضا