الحرب الأهلية في إثيوبيا.. تساؤلات حول مستقبل يهود الفلاشا

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

تدور رحى الحرب الأهلية بوتيرة متسارعة في إثيوبيا، ثاني أكبر دول أفريقيا مساحة، والبالغ تعداد سكانها نحو 110 مليون نسمة، فبعد اندلاع القتال في نوفمبر 2020 بين قوات حكومة إقليم تيجراي وبين الحكومة الفيدرالية أصبحت العاصمة أديس أبابا على وشك السقوط تحت سيطرة الفصائل المناوئة بزعامة جبهة تحرير تيجراي وجيش تحرير أورومو، فيم نادى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتسليح المواطنين المدنيين، وطالبهم بالدفاع عن العاصمة، على إثر سقوط مدينتين استراتيجيتين شمال العاصمة تحت سيطرة المناوئين، الذين يبتعدون مسافة أقل من 400 كيلومتر عن العاصمة المرتعشة.

يتوقع العالم حمام دم كبير في إثيوبيا، وحذرت جهات إقليمية ودولية مما ستؤول إليه الأحداث المتسارعة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفكيك الدولة الفيدرالية إلى عدة دويلات ترفع شعارات الكراهية العرقية والدينية.

abi

إسرائيل وإثيوبيا

بعيدا عن دول الجوار، والقوى الإقليمية والدولية، فإن إسرائيل تحديدا تنظر بقلق شديد للصراع الدموي الدائر في إثيوبيا، لأنها ترتبط بعلاقات استراتيجية مع أديس أباب، خصوصا فيما يتعلق بملف يهود إثيوبيا، المعرضين للقتل والتهجير القسري في خضم هذا الصراع الأهلي الحامي.

شأنها شأن العديد من دول العالم، قررت إسرائيل إجلاء طاقم سفارتها في العاصمة أديس أبابا، وتحذير الإسرائيليين واليهود من السفر إلى إثيوبيا، فيم عقد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد اجتماعا طارئًا لبحث تداعيات تقدم قوات تيجراي نحو العاصمة، وتأثير اقتحامها، حال نجاحه، على أمن آلاف الإثيوبيين اليهود المقيمين بالعاصمة.

يهود إثيوبيا المعروفين باسم يهود الفلاشا، أو بيتا يسرائيل، هم طائفة يهودية استوطنت بمنطقة الحبشة القديمة، ووفقا لكتابات تاريخية فإنهم وصلوا إلى الحبشة عن طريق نهر النيل وروافده، منذ مراحل قبل الميلاد، هروبا بعد الشتات الذي حدث مع السبي الأشوري (697 ق.م)، والسبي البابلي (586 ق.م)، وخلال وجود بني إسرائيل في مصر رحل بعض منهم إلى الحبشة.

في العصور الحديثة، تركز وجود يهود إثيوبيا في الشمال الغربي، وبعد تنفيذ عدة حملات لتهجير اليهود من إثيوبيا إلى إسرائيل، يتبقى نحو 7000 آلاف يهودي وسط الحرب الأهلية الطاحنة.

بدأت إسرائيل التنفيذ الفعلي لتهجير اليهود عام 1973، في مساعي لزيادة عدد السكان اليهود مقابل النمو الديموجرافي المطرد للفلسطينيين، وفي ذلك الوقت أعلن الحاخام عوفاديا يوسف، الرئيس السابق للطائفة اليهودية السفاردية، اعتبار طائفة بيتا يسرائيل طائفة يهودية، خلافا لفتوى الحاخام الإشكنازي شلومو جورين.

DI yEDFDH

يهود إثيوبيا بين الرفض والاعتراف

الجدل حول الاعتراف بيهودية أفراد بيتا يسرائيل كان سببا في رفض رئيس الوزراء السابق ليفي أشكول الموافقة على تهجيرهم إلى إسرائيل، وكذلك عارضت رئيسة الوزراء جولدا مئير، إبان فترة رئاستها، رغم أن إسرائيل بدأت في الوقت نفسه نقل اليهود من الهند، والذين كانت حالتهم الدينية شبيهة بيهود إثيوبيا، وجاء عدم الاعتراف بيهود إثيوبيا أو الموافقة على هجرتهم، من منطلق عدم الاعتراف بموقفهم الديني، لأن معظمهم ينحدرون عن يهود كانوا قد تحولوا إلى المسيحية بالإكراه، خلال القرن التاسع عشر، لكنهم استعادوا هويتهم الدينية اليهودية بعد ذلك في العقود الأخيرة.

في السبعينيات من القرن الماضي، وبعد ضغوط من الكونجرس الصهيوني العالمي، إثر مطالبات من طائفة بيتا يسرائيل، طبقت إسرائيل ما يسمى بـ”قانون العودة”، الذي يقضي باستجلاب اليهود من دول العالم، وبدأت إسرائيل عمليات لنقل اليهود من إثيوبيا، وكانت أول عملية لنقلهم عام 1977، حيث هاجر المئات منهم إلى إسرائيل، وفي الفترة من 1977 حتى 1984 استجلبت إسرائيل نحو 6000 يهودي إثيوبي، وخلال العملية “موشيه” عام 1985 نقلت 7000 منهم، وكانت هذه العملية سرية في البداية، قبل أن تتوقف بعد تسريب خبرها للصحافة.

عام 1989 فتحت إسرائيل سفارتها في أديس أبابا، وزودت إثيوبيا بأسلحة وأوفدت خبراء عسكريين لتدريب الحرس الرئاسي الإثيوبي، ومنحت لإثيوبيا مساعدات مشروطة بنقل يهود إثيوبيا إلى إسرائيل، ومن ثم جاءت العملية المعروفة بعملية “شلومو” عام 1991، ونقلت إسرائيل 15 ألف يهودي إثيوبي خلال العملية العسكرية غير القتالية، حيث نفذت إسرائيل إجلاء جوي ليهود إثيوبيا عبر 30 طائرة ركاب وبضائع، بما فيها طائرات قوات العمليات الخاصة بالقفز بالمظلات ومهمات الشحن والدعم الجوي، إلى جانب طائرة بوينج تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، ورافق الحملة الإسرائيلية لاستجلاب الإثيوبيين اليهود في حينه فرقة عسكرية تحت قيادة بيني جانتس وزير الدفاع الحالي.

خلال هذه السنوات، بداية من 1973 حتى 1991 تواترت هجرات لأفراد من يهود إثيوبيا، حيث نُقل بعضهم عبر رحلات سرية من مخيمات اللاجئين في السودان، وفي 2008 استجلبت إسرائيل نحو 11 ألف يهودي من إثيوبيا، وفي 2017 وصل إلى إسرائيل 1467 يهوديا إثيوبيا،  وفي ديسمبر من العام الماضي استقبل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ونائبه بيني جانتس 316 يهوديا إثيوبيا في مطار بن جوريون، وكان في استقبالهم كذلك وزيرة الاستيعاب والهجرة بنينا تامانو شاطا، وهي في الأساس مهاجرة إثيوبية نُقلت إلى إسرائيل عام 1984.

بانتظار عملية استجلاب

نتنياهو في استقبال الفلاشا

بسبب الواقع المعقد في الدولة الإثيوبية، خصوصا مع تقدم قوات تيجراي، طالب قادة طوائف يهود الفلاشا في إسرائيل رئيس الحكومة نفتالي بينط بالتدخل السريع لإجلاء نحو 7 آلاف يهودي إثيوبي، خوفا من تعرضهم للقتل أو التهجير القسري، خصوصا وأنهم ينتظرون منذ سنوات السماح لهم بالهجرة أسوة بمن سبقوهم، حتى أن بعضهم يقيمون في مخيمات قريبة من مطار أديس أبابا.

على جانب آخر لا تريد الحكومة الإسرائيلية المجازفة بتنفيذ عملية كبيرة لاستجلاب بقية اليهود الإثيوبيين عبر عملية عسكرية أو حتى مساعي دبلوماسية، خشية إثارة أزمة مع الحكومة الإثيوبية، خصوصا وأن عملية سابقة في عهد نتنياهو لم تجر على الشكل المطلوب، سواء باستقدام عدد كبير منهم، ففي خلال هذه العملية استجلبت إسرائيل 77 إثيوبيا، تبين بعد وصولهم أن معظمهم ليسوا يهودا، وكثيرًا منهم هاربين من العدالة ويبحثون عن اللجوء.

المسألة اليهودية والعنصرية تجاه يهود إثيوبيا

بموجب “قانون العودة” الذي يقضي باستقدام كل يهود العالم؛ تستقطب إسرائيل عبر ممثليها من جماعات ولوبيات ومنظمات يهودية وصهيونية اليهود من دول العالم، ومن بينهم يهود إثيوبيا، لأجل زيادة عدد السكان اليهود الإسرائيليين في مواجهة الزيادة السكانية الكبيرة للفلسطينيين، ولكن بالنسبة ليهود إثيوبيا فإن النظرة إليهم داخل إسرائيل كأعداد فقط، تسد الفجوة السكانية بين إسرائيل وفلسطين، ولا يُعاملون كمواطنين يمتلكون الجنسية وكامل الحقوق المدنية والسياسية، بل لا تتم مساواتهم مع اليهود المهاجرين من دول أخرى، خصوصا الدول الغربية.

حياتي مش رخيصة

يعاني اليهود من أصول إثيوبية التهميش الكبير لوجودهم، بداية من إلقائهم في وحدات الاستيعاب فور جلبهم إلى إسرائيل، مرورا بتدني المستوى التعليمي والمادي لهم، وتفاقم البطالة والجهل، ما يؤدي إلى سيادة شعور بالعزلة والاضطهاد، جراء العنصرية الإسرائيلية التي يلاقونها، ورغم التحرك “الرسمي” الإسرائيلي لتغيير هذه الصورة النمطية عن اليهود الإثيوبيين، وهي الصورة نفسها التي ظلت منطبعة على اليهود من دول شرقية وعربية، إلى حد تعيين الوزيرة من أصل إثيوبي بنينا تامانو شاطا في منصب وزيرة الاستيعاب، في حكومتي نتنياهو- جانتس، وبينط- لابيد، فإن الوضع الإنساني العام ليهود إثيوبيا في إسرائيل يشير إلى عنصرية فجة تُمارس ضدهم، خصوصا مع تعارض موقفهم الديني مع مسألة “من هو اليهودي”، التي تثير خلافات كبيرة بين أقطاب الطوائف الدينية اليهودية، في إطار لمعالجة إشكاليات الاعتراف بالفرد يهوديا إذا كان أحد والديه (وليس كليهما) يهوديًا، أو عملية اعتناق اليهودية، أو متى يظل الفرد على يهوديته إذا اعتنق ديانة أخرى، وهو الوضع المنطبق على بعض يهود إثيوبيا الذين كانوا قد تحولوا للمسيحية، فيم ينص قانون العودة الإسرائيلي على أن اليهودي هو “فرد مولود لأم يهودية، أو اعتنق اليهودية”، ويسري القانون على من وُلدوا يهودًا (من طرف الأم أو الجدة للأم) وعلى من هم من أصول يهودية (أبناء وأحفاد يهود).

فلاشا

التعارض بين تفسير “من هو اليهودي” وبين قانون العودة، مع العنصرية الإسرائيلية تجاه يهود إثيوبيا يمثل مشكلة طائفية كبيرة في دولة متعددة الأعراق، وليس غريبا أن تؤثر هذه المشكلة على الوضع القانوني والاجتماعي للإسرائيليين اليهود من أصل إثيوبي، ففي 2019 اندلعت احتجاجات عنيفة لهم بعد مقتل شاب إسرائيلي من أصول إثيوبية على يد شرطي كان خارج وقت خدمته، حيث قتله بإصابة متعمدة ومباشرة، حتى أن الحكومة الإسرائيلية حينما تثير مسألة المختطفين لدى حماس، لا تكاد تهتم بالإشارة إلى وضع الإسرائيلي من أصل إثيوبي أفراهام منجستو، في مقابل الزخم الكبير الذي يرافق الحديث عن الجنديين شاؤول ألون وهدار جولدين.

سيُحسب لرئيس الحكومة نفتالي بينط إذا استطاع استقدام اليهود المتبقين في إثيوبيا، لكن بالتأكيد أية عملية عسكرية للإجلاء في هذا الوقت تمثل مخاطرة كبيرة، خصوصا وأن الوضع على الأرض قابل للتحول الدرامي السريع، وإذا ما سقطت العاصمة أديس أبابا في أيدي قوات تيجراي فهذا ربما يعني سقوط حكومة آبي أحمد، ومستقبل مجهول ليهود إثيوبيا.

ربما يعجبك أيضا