هل تستغل النهضة الأزمة الاقتصادية في صراعها مع الرئيس التونسي؟

كريم بن صالح

رؤية – كريم بن صالح

تعمد حركة النهضة الإسلامية التونسية في الآونة الأخيرة إلى تحريض الشارع وذلك من خلال سياساتها المعتادة في ركوب الأحداث واستغلال الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها حكوماتها السابقة.

ولوحظ في الآونة الأخيرة تصاعد التحركات الاحتجاجية التي تقودها بعض الأطراف القريبة من حركة النهضة أو المتحالفة معها بذريعة الوضع الاقتصادي المتردي.

وبعيدا عن التظاهرات والاعتصامات التي شنها حراك ما يعرف ” بمواطنون ضد الانقلاب” رفضا للقرارات الأخيرة المتعلقة أساسا بوضع مواعيد حول إجراء استفتاء وانتخابات تشريعية شهدت عدد من الولايات تحركات متزامنة مريبة حملت شعارات اقتصادية وطالبت بالتشغيل والتنمية.

وشهدت مدينة القصرين وسط تونس أعمال عنف وشغب نفذها بعض المراهقين وأصحاب السوابق لكن المدينة شهدت أيضا مسيرات سلمية لعدد من العطلين عن العمل من تجاوزت بطالتهم 10 سنوات.

وعمدت تنسيقيات المعطلين عن العمل المشمولين بالقانون 38 المتعلق بتشغيل من طالت بطالتهم 10 سنوات إلى تنفيذ وقفات احتجاجية في كامل ولايات الجمهورية رفضا لقرار الرئيس قيس سعيّد بعدم تفعيله لأحكام القانون.

وينص القانون 38 الصادر عن البرلمان التونسي في 29 يوليو على الانتداب الاستثنائي لأصحاب الشهادات العليا ممن بلغت فترة بطالتهم 10 سنوات وهو القانون الذي حاول رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي استغلاله للتحشيد ضد الرئيس.

والأسبوع الماضي قرر الرئيس التونسي اتخاذ مجموعة من الإجراءات أهمها تمديد تجميد عمل البرلمان حتى إجراء انتخابات تشريعية وفق نظام انتخابي جديد يوم 17 ديسمبر 2022 وعرض مشاريع الإصلاحات الدستورية وغيرها على الاستفتاء يوم 25 يوليو 2022 على أن تنظم قبل الاستفتاء استشارة وطنية إلكترونية في مختلف مناطق الجمهورية.

ولعل الوضع الاقتصادي في تونس يثير الكثير من القلق وهو ما دفع خبراء اقتصاديين حكومة نجلاء بودن إلى اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة الأزمة وتفويت الفرصة على حركة النهضة.

إنقاذ الوضع الاقتصادي ضروري لمواجهة خطاب النهضة

ودعا العديد من الخبراء الاقتصاديين المعروفين بحيادهم رئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى إيلاء أهمية قصوى للملف الاقتصادي في خضم أزمة حادة بسبب 10 سنوات من حكم الإخوان وحلفائهم.

وطالب الخبير الاقتصادي معز الجودي رئيسة الحكومة بالتحلي بالشجاعة السياسية وتقديم خارطة إنقاذ واضحة للأزمة والوضع الذي تعيشه تونس والإفصاح بأن الوضعية تستوجب التضحية.

وطالب الجودي في تصريح لإذاعة شمس الخاصة اليوم الإثنين بضرورة مواجهة الشعب التونسي والإقرار بأن الوضع في تونس كارثي مؤكدا أن سياسة التداين المتواصل التي تنتهجها تونس بصدد إغراق البلاد.

وشدد الجودي على ضرورة أن تقوم الدولة بدورها وأن تستعمل آلياتها لاسترجاع نسق الإنتاج وإبرام عقد اجتماعي جديد مع الفاعلين الاقتصاديين عبر الدخول في شراكة معهم والقيام بإصلاحات حقيقية عبر رزنامة واضحة.

بدوره طالب الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حسين الديماسي الحكومة بتجاوز التفكير في دعم صندوق النقد الدولي لتونس داعيا إلى التفكير في آليات أخرى.

وقال الديماسي إنه من الأجدى تجاوز حلول التسول داعيا إلى الاهتمام بإصلاح السياسات ومحاربة الفساد لتعبئة موارد أخرى بعيدا عن سياسة التواكل.

ولعل موقف الخبيرين الاقتصاديين يشيران إلى جملة من العلل ونقاط الضعف الذي يؤكد عليها الرئيس سعيد خاصة فيما يتعلق بمواجهة الفساد الذي تغلغل في أجهزة الدولة ومحاولة إعادة دوران عجلة الإنتاج التي توقفت بسبب الصراع السياسي الحاد وخوف المستثمرين.

لكن ما يثير الاستغراب في التطورات الأخيرة لجوء قيادات الإخوان وحلفائهم إلى اعتماد الأزمة الاقتصادية كمبرر للدعوة إلى إسقاط الرئيس رغم أنهم كانوا المتسببين فيها بعد 10 سنوات من الفشل الذريع في مختلف المجالات ما أدى إلى خفض ترقيمنا السيادي وارتفاع نسبة المديونية والعجز في الميزانية وانخفاض العملة.

بل وصل الأمر بعدد من قيادات النهضة إلى تمني إفلاس الدولة وانهيار اقتصادها وذلك في إطار المعركة السياسية دون اهتمام بمصالح الشعب التونسي الذي عانى من حكم التيار الإسلامي.

الحكومة تحاول إيجاد الحلول

وتحاول حكومة نجلاء بودن إيجاد الحلول للازمة الاقتصادية والمالية الحالية التي تعتبر من أسوا الأزمات التي مرت بها البلاد في تاريخها الحديث رغم محاولات التيار الإسلامي لعرقلة جهودها داخليا وخارجيا.

وتتطلع حكومة بودن إلى استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات لمشاريع الإصلاح رغم أن خبراء اقتصاديين يرون أن الشروط صعبة في بعدها الاجتماعي خاصة فيما يتعلق بالتخلي عن صندوق الدعم والتفويت في المؤسسات الحكومية للقطاع الخاص وما يتردد عن تسريح العمل والموظفين في القطاع العام.

ورغم أن الخبراء يؤكدون على ضرورة القيام بتلك الخطوات حتى لا تتضاعف الأزمة وكي لا تجد البلاد نفسها ضمن نادي باريس لإدارة شؤون الدول المفلسة لكن التبعات ستكون صعبة في ظل حالة من الانقسام السياسي وخاصة في إطار محاولات التيار الإسلامي الاستثمار في الأزمة التي ساهم في تعميقها.

كما تسعى الحكومة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع الجزائر وهو ما يفسرها زيارتها الأخيرة إلى الجزائر إضافة إلى تطلعها لمساعدة اقتصادية من دول الخليج.

ولعل الحل وفق كثير من المراقبين القيام بتفاهمات واضحة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل فيما يتعلق بالكثير من الملفات الاجتماعية الحساسة والقيام بتضحيات من جميع الأطراف.

ربما يعجبك أيضا