السودان على شفا حفرة من النار.. استقالة حمدوك واحتجاجات متجددة

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

بعد أقل من شهرين على إعادته إلى السلطة، ضمن اتفاق سياسي مثير للجدل مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك «الوجه المدني للمرحلة الانتقالية» استقالته من منصبه.

استقالة حمدوك

تزامنا مع احتجاجات حاشدة مناوئة للحكم العسكري في شتى البلاد، قال حمدوك في كلمة بثها التلفزيون الرسمي، أمس الأحد، حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة، والآن تمر بلادنا بمنعطف خطير قد يهدد بقاءها، وفي ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية والصراعات العدمية بين كل مكونات الانتقال، ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق.. لكن ذلك لم يحدث».

ويرى حمدوك، الذي عجز عن تشكيل الحكومة، أن هناك حاجة إلى حوار حول مائدة مستديرة للتوصل إلى اتفاق جديد للانتقال السياسي إلى الديمقراطية في السودان معلنا استقالته، قائلا: «قررت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء مفسحا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا.. والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية».

وبعد ثلاث سنوات من الانتفاضة التي أفضت إلى الإطاحة بعمر البشير، يزيد هذا الإعلان من حالة الغموض إزاء المستقبل السياسي في السودان.

وتمثل الاستقالة ضربة كبيرة للقادة العسكريين، الذين اعتقدوا أن اتفاقا معه من شأنه إرضاء المحتجين وإضفاء الشرعية على بقائهم في السلطة، لكن هذه الحسابات أثبتت أنها خاطئة، وأصبح الجيش يسيطر على السلطة بالقوة، مما ينقض المكاسب التي تحققت للوصول إلى حكم مدني.

كشفت مصادر سودانية مطلعة عددًا من الأسباب التي أدت إلى استقالة حمدوك، وهي الخلافات المستمرة مع المكون العسكري والتي تضمنت قرارات اتخذها رئيس الحكومة بعد عودته لمنصبه، والتي تشمل رفضه عودة جهاز المخابرات العامة، بالإضافة إلى عودة السفراء الذين فصلهم البرهان، بسبب موقفهم الرافض لما وصفوه بـ«الانقلاب العسكري»، بحسب صحيفة «الشرق» السعودية.

maxresdefault 1
السودان

استمرار المقاومة

خرج آلاف السودانيين إلى شوارع العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، أمس (الأحد)، في مظاهرات سارت باتجاه القصر الرئاسي أطلق عليها «مليونية الشهداء»، وسط انقطاع كامل جديد للاتصالات وانتشار كثيف للجنود المسلحين، متحدين الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن.

وهتف المتظاهرون «القوة للشعب»، ودعوا الجيش إلى ترك السياسة وشأنها، وقال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إن عام 2022 سيكون «عام استمرار المقاومة».

وأعلنت لجنة الأطباء المركزية المناهضة للانقلاب، مقتل 3 متظاهرين فيما كانوا يشاركون في مظاهرات بأم درمان الضاحية الشمالية الغربية للخرطوم، لافتة إلى أن أحدهما قضى برصاصة في صدره، وأن الثاني تعرض لضربة شديدة في الرأس تسببت بتحطيم جمجمته، علما أن قوات الأمن تعمد دائما إلى ضرب المتظاهرين بواسطة عصي، ليرتفع عدد القتلى في الاحتجاجات منذ أكتوبر إلى أكثر من 50 شخصا.

في أكتوبر الماضي، كان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان قد دافع عن إجراءاته قائلا إن الجيش تصرف لمنع وقوع «حرب أهلية»، مؤكدا التزامه بالانتقال إلى الحكم المدني، حيث من المقرر إجراء الانتخابات في يوليو 2023.

يذكر أنه بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في عام 2019، أعلن عن اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين بغية الوصول إلى حكم ديمقراطي.

وأصبح حمدوك، الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في الأمم المتحدة، رئيسا للوزراء بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين بعد الانتفاضة.

1440x810 cmsv2 484444c4 f9d1 513e b387 03e7e0162965 6342480
احتجاجات السودان

مخاوف

تهدد الأزمة السياسية الحالية، بإعادة السودان إلى السنوات الاستبدادية كما كان الحال في حقبة عمر البشير، وبالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية في البلاد، قد يكون لذلك تأثير أسوأ على حياة السودانيين.

وثمة مخاوف أخرى، إذ حذرت الولايات المتحدة الأمريكية، من إجراءات ضد من يعرقلون العودة إلى الحكم المدني، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبا، والتوصل إلى توافق، وضمان استمرار الحكم المدني.

وأضافت الخارجية: «أن تعيين رئيس الوزراء والحكومة السودانية المقبلة يجب أن يتماشى مع الإعلان الدستوري لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة»، مؤكدة استمرارها بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني من أجل تحقيق الديمقراطية، ودعت إلى وقف العنف ضد المتظاهرين.

ويرى المحلل السياسي السوداني، خضر عطا المنان، أن الشارع السوداني الآن وضع البرهان في الزاوية الضيقة، بعد أن توالت المليونيات وأصدرت حكمها على ما جرى وحتى على الاتفاق الذي جرى بينه وبين رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك.

وقال المنان: «اعتقد أن العسكر بصفة عامة فقدوا البوصلة، والسودان الآن يتجه نحو المجهول في ظل المواقف التي تجري الآن على أرض الواقع، المشهد الحالي لا يبشر بخير ويبدو أن المظاهرات سوف تستمر وتستمر معها عمليات الكر والفر بين المتظاهرين والعسكر، حيث يبدو أن العسكر مصرين على البقاء في الحكم»، بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية.

من جانبها، قالت رئيسة التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، لنا مهدي: «إن أركان الانقلاب منذ اليوم الأول كانت مهتزة، لأنه لم يجد الحد الأدنى من التأييد لا داخليا ولا إقليميا ولا دوليا، وحتى التأييد الخجول الذي وجده من بعض دول الإقليم تراجعت عنه بسرعة مذهلة نتيجة للضغوط الأمريكية».

وتضيف المهدي: «إن المطلب الأبرز للشارع السياسي السوداني هو رفض حكم العسكر ووضع حد نهائي للانقلابات العسكرية، رغم القتل الممنهج الذي يحدث في كل مظاهرة والعنف واستعمال القوة المفرطة، إلا أن الثوار عازمون على تحقيق هدفهم بوضع حد للانقلابات العسكرية وهو أمر بات قريبا».

ربما يعجبك أيضا