هل تصبح السيطرة على ممرات الطاقة بوابة لفرض النفوذ العالمي؟

آية أحمد

لم تعد القدرات العسكرية للدولة هي المعيار الرئيس لفرض النفوذ السياسي، فالثروات الطبيعية تلعب دورًا مهما في تشكيل خريطة النفوذ العالمي.


تلعب الطاقة دورًا رئيسًا في رسم السياسة الخارجية للعديد من دول العالم، وأصبح للثروات الطبيعية دور مهم في تشكيل خريطة النفوذ العالمي.

على مر السنين، أدى الطلب المتزايد على موارد الطاقة من النفط والغاز إلى تضمين الطاقة في أنظمة الأمن، وبدأت دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين تتعامل معه بطريقة جيوسياسية، فهل تصبح السيطرة على ممرات الطاقة بوابة لفرض النفوذ العالمي؟

مناطق النفوذ الطاقوي

يُعد الشرق الأوسط من أكبر مناطق العالم الغنية بالنفط الخام والغاز الطبيعي، فتستحوذ الدول الأعضاء في منظمة أوبك في الشرق الأوسط على نحو 81.5% من احتياطيات النفط الخام، والمقدر بنحو 65.5% من إجمالي إنتاج الأوبك، وفقًا لمجلة السياسة والاقتصاد.

تُعد روسيا منافسًا رئيسًا لدول الشرق الأوسط في أسواق الطاقة، فكلاهما يشتركان في القرب الجغرافي من أوروبا، ولديهما سيطرة على ممرات بحرية استراتيجية تمكنهم من نقل النفط والغاز إلى السوق الآسيوية.

خريطة إمدادات الطاقة

عرفت الأمم المتحدة أمن الطاقة في سنة 1999 بأنه “الحالة التي تكون فيها إمدادات الطاقة متوافرة في كل الأوقات، وبأساليب متعددة وبكميات كافية وأسعار معقولة”.

وبذريعة تأمين مصادر الطاقة، أعطت دول لنفسها الحق في التدخل عسكريًّا لحماية مناطق نفوذها وتغذية الصراعات الداخلية الإقليمية لوضع يدها على موارد الطاقوية، وتوجيه مسارات إمداداتها طبقًا لما يخدم مصالحها الاقتصادية التنافسية مع دول أخرى.

الاستراتيجية الأمريكية

تهدف الاستراتيجية الأمريكية في مجال الطاقة إلى الوصول إلى معظم مخزونات ما وراء البحار من موارد  وحماية حقول النفط والدفاع عن خطوط التجارة البحرية، ومناطق عبور الأنابيب، وإبعاد روسيا من السيطرة على إمدادات الطاقة بوسط آسيا والقوقاز وبحر قزوين، لتعزز مكانتها وتسيطر على الدول الأخرى المستهلكة لمصادر الطاقة لا سيما الدول الأوروبية واليابان والصين والهند.

ووقع اتفاق بين قادة كل من تركيا وأذربيجان وجورجيا لمد خط أنابيب النفط من منطقة بحر قزوين انطلاقًا من منطقة قريبة من عاصمة أذربيجان باكو، مرورًا بتفليس في جورجيا، إلى ميناء جيهان جنوب تركيا على خليج الأسكندرون في البحر الأبيض المتوسط، وذلك على امتداد 1774 كيلومترًا.

روسيا والصين

تستهدف روسيا زيادة حجم استثماراتها في حقول الغاز المصرية، في ظل ترجيحات بتزايد ثروات شرق المتوسط من الغاز الطبيعي التي قد تغير من خريطة إمدادات الطاقة على المستوى الإقليمي والعالمي.

Untitled 81

ممرات الطاقة في أوروبا

وتخوض الصين منافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الاستثمار بقطاع الطاقة بالقارة الإفريقية، لتلبية احتياجاتها المتزايدة من مصادر الطاقة، وضمان استمرارية تطور اقتصادها المتنامي.

سياسة الطاقة الروسية

تعمل روسيا عن تعزيز شراكتها مع دول المنطقة لنقل الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية، ومن أهم المشروعات  القائمة في ذلك الصدد، مشروع خط السيل التركي، التي استعاضت به روسيا عن مشروع “السيل الجنوبي” والذي ينقل عبر الأراضي التركية خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا بطاقة 31.5 مليار متر مكعب.

ووقعت شركة “ستروي ترانس غاز” اتفاقًا مع الحكومة العراقية لإعادة بناء خط أنابيب كركوك-بنياس الذي يربط بين حقول “لوك أويل” بالغرب من البصرة وحقول “غاز بروم” في كركوك بميناء بنياس السوري، وتنشئ نفس الشركة خط أنابيب لنقل النفط في الجزائر من حوض الحمراء إلى أرزيو بطول 403 كم.

اعتماد متبادل

تعتمد دول الاتحاد الأوروبي على إمدادات الطاقة الروسية بنحو 30% من حاجتها،  بالإضافة إلى بعض دول أوروبا الشرقية التي تعتمد على الطاقة 100%. وفي المجمل تعتمد أوروبا على روسيا في 39% من واردات الغاز الطبيعي، و33.5% من النفط و30% من الفحم، وتحتل روسيا المركز الثالث في التجارة الخارجية للاتحاد الأوروبي بعد أمريكا والصين بـ7% في صادراته و11% في وارداته، بحسب المجلة.

وتعتمد روسيا على السوق الأوروبية  في نحو 70% من صادراتها من الغاز الطبيعي و80% من صادراتها النفطية و50% من صادراتها من الفحم، فضلًا عن استيراد أكثر من نصف حاجتها من التقنيات الخاصة باستخراج الطاقة من دول الاتحاد، وبناء عليه فالعلاقة بين الطرفين تتميز بنوع من الاعتماد المتبادل يمكن أن يطلق عليه اعتماد طاقوي متبادل يختلف في نطاقه ومستوياته.

آفاق مستقبلية

لم تعد القدرات العسكرية للدولة هي المعيار الرئيس لفرض النفوذ السياسي، فتلعب الثروات الطبيعية دورًا مهمًا في تشكيل خريطة النفوذ العالمي، وقد أدركت روسيا تلك الأهمية.

وفي الواقع، يُعتبر النفوذ الروسي نشاطًا طويل الأمد يستخدم العديد من الأدوات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والطاقوية والتكنولوجية، واعتمدت موسكو على الطاقة كأداة أساسية لزيادة نفوذها على النظام العالمي.

ربما يعجبك أيضا