إسرائيل وإيران .. الإحباط من الموقف الأمريكي

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

الحديث عن إيران مجددا، وهو الحديث اليومي لوسائل الإعلام والصحافة، ودوائر السياسة والعسكرية في إسرائيل، خصوصا فيما يتعلق بوجود عناصر إيرانية في سوريا، ومستقبل البرنامج النووي الإيراني، بالتزامن مع هجمات السايبر الأخيرة التي سببت هلعا لإسرائيل، بعد اختراقها أنظمة الرعاية الصحية الإسرائيلية في خضم مواجهة كورونا.

وحذرت وسائل إعلام عبرية من أنه ما لم تتحرك القوى الدولية بشكل حاسم، لتتخذ موقفا جذريا في مواجهة إيران، فإن الأخيرة سوف تكون “قوة نووية” في المستقبل القريب، هذا لا يعني أن الجيش الإسرائيلي متأكد من قدرة طهران على صناعة قنبلة نووية قريبا، لكن المؤكد بالنسبة له أنها تتحرك بشكل حثيث لتعويض الخسائر التي تكبدتها على يد إسرائيل، من تفجيرات في المفاعلات واغتيال محسن فخري زاده وتسريب خطط النووي، للوصول إلى مركز متقدم جدا في المعرفة والقدرات اللازمة لإنتاج رأس نووي.

ليس خافيا على إسرائيل أن طهران نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، بل ويزيد، وإذا استمرت في عملها -دون كبح- فإنها ستتحصل خلال أسابيع قليلة ربما على ما يكفيها من مواد مخصبة تكون نواة أول قنبلة نووية، شرط أن تعمل على تطوير المنشآت النووية، خصوصا القديمة والتي أصابها عطب جراء تفجيرات إسرائيل “المجهولة”، فلا تكفي كمية المادة المخصبة وحدها دون منشآت صالحة لاحتوائها وإجراء التجارب النووية، مع العمل على استكمال منظومة الصواريخ بعيدة المدى.

إسرائيل وإيران 1

هذا يعني، وفقا لتقديرات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، أن طهران تريد فترة تتراوح بين عام إلى عامين لإكمال مشروعها النووي، ويعد عامل الوقت هو الحاسم في المسألة النووي في إطار مواجهة إيران لضغوط الولايات المتحدة والغرب من ناحية، والاستنفار الإسرائيلي من ناحية أخرى.

مع تغيير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المشروع النووي الإيراني وطهران، وبعدها الانتخابات الإيرانية التي أسفرت عن تعيين إبراهيم رئيسي، كانت إدارة بايدن تأمل في استئناف المفاوضات خلال وقت قصير إلى حد ما، خصوصا مع إعلان الولايات المتحدة رغبتها في العمل بالاتفاق النووي 2015، وهو مكا كانت توافق عليه طهران سريعا في الماضي، لكن حتى الآن، مع مرور شهرين على رئاسة إبراهيم رئيسي اتضح أن إيران تماطل في العودة للاتفاق النووي، وذلك بعد الاطمئنان النسبي نتيجة هدوء الجبهة الداخلية قليلا، بعد أحداث عاصفة خلال العام الماضي، ويرجع الهدوء إلى تراجع بسيط في المخاوف الإيرانية من الوضع الاقتصادي، لأن الولايات المتحدة، مع وصول بايدن، قد خففت من التهديد بالعقوبات الاقتصادية الشديدة.

الوضع الحالي يشير إلى استياء أمريكي، وفي الوقت نفسه تلكؤ في اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه طهران، حيث إن إدارة بايدن تتردد في فرض عقوبات جديدة على طهران من شأنها أن تنزع منها المبادرة إلى خطة مواجهة جديدة إذا لم تسفر العقوبات عن تراجع إيران، ولم تقرر الأخيرة العودة ، غير المشروطة، لاتفاق النووي 2015.

أمريكا وإيران 1

هنا تراقب إسرائيل بقلق شديد، فرغم التصريحات الرسمية بأن الإدارة الأمريكية تولي اهتماما خاصا بمخاوف إسرائيل، وتحديدا بعد زيارة رئيس الوزراء نفتالي بينط للولايات المتحدة في أغسطس الماضي، فإن الواقع يُظهر إحباطا إسرائيليا من تباطؤ الولايات المتحدة في التعامل مع طهران، حيث ترى إسرائيل أن أمريكا لا تتخذ خطوات عملية حاسمة للضغط على إيران للعودة إلى الاتفاق النووي.

عندما كان الاتفاق النووي قيد الإعداد، في عهد باراك أوباما، واجه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ضغوطا شديدة بشأن التحدي النووي الإيراني، والآن يواجه بينط الضغوط نفسها، من المعارضة التي يتزعمها نتنياهو، ومن الإعلام الإسرائيلي، حيث يعتبر الجميع في إسرائيل أن التهديد الإيراني هو بمثابة تهديد “وجودي” لإسرائيل، فيما تبدو الإدارة الأمريكية منشغلة حاليا بمواجهة التمدد الصيني والروسي أكثر من اهتمامها بكبح جماح إيران، أو إجبارها على العودة إلى الاتفاق النووي.

بعيدا عن التصريحات الإعلامية، والتعهد الأمريكي الدائم بحماية إسرائيل ودعم أمنها، فإن الواقع أنه لا اتفاق كامل على عدد من القضايا الجوهرية التي تخص إسرائيل، ومع عودة الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض والكونجرس اتضح لإسرائيل مدى تغير الموقف الأمريكي بشأن إيران، وهو ما انعكس في قرار العودة لاتفاق النووي 2015، الذي أعلن دونالد ترامب توقيفه من جانب الإدارة الأمريكية، ويتمحور الخلاف الحالي بين إسرائيل والولايات المتحدة في وتيرة التفاوض الأمريكي مع إيران، حيث تعتبر إسرائيل أن إدارة بايدن تتحرك ببطء شديد لا يقارن بتسارع الحركة النووية الإيرانية في الأشهر الأخيرة السابقة.

Raisi in 2021 02

 الاتفاق بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل بشأن اتفاقية المعونات الأمنية الأمريكية لعشر سنوات مقبلة، تمثل التزام الولايات المتحدة بدعم أمن إسرائيل، وتفوقها العسكري على الدول المحيطة بها في الشرق الأوسط، وهذا الالتزام الأمريكي ليس من الوارد أن يتغير في عهد بايدن، لكن ما تستشعر إسرائيل تغيره هو طريقة العامل الأمريكي مع الملف النووي الإيراني، وهذه نقطة الخلاف الرئيسة بين الطرفين، ويضاف إليها التحفظ الأمريكي من سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وهو ما تجلى في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بعد إعلان وزير الدفاع بيني جانتس الموافقة على بناء 4400 وحدة استيطانية بالضفة الغربية.

تخشى إسرائيل أن تقل درجة حرارة العلاقات مع الولايات المتحدة، خصوصا مع تراجع مكانة واشنطن بالشرق الأوسط، بسبب تحفظ بايدن على اللجوء إلى الحلول العسكرية بالمنطقة، والانسحاب من أفغانستان، وتقليل تواجد الجيش الأمريكي بالمنطقة، مما يثير مخاوف إسرائيل من تراجع نصيرتها عن الدعم المباشر، باستخدام القوة المكثفة ضد خصوم إسرائيل، وعلى رأسهم إيران.

لذلك، لم تركن إسرائيل لحالة للشعور بالاستياء من الولايات المتحدة بسبب إيران، التي تبدو في المقابل مستاءة من إسرائيل بسبب علاقاتها الاقتصادية المنفتحة مع الصين، وإنما بدأ الجيش منذ فترة في إعداد خطط عملياتية مستحدثة لمواجهة التهديد الإيراني، مع تأهب لمواجهة حزب الله، ظهير إيران في الشمال، وفي الوقت نفسه تتحرك إسرائيل دبلوماسيا لتحفيز الولايات المتحدة، من خلال مواصلة الاتصالات مع قوى غربية، ودول عربية، بهدف وقف التسارع النووي الإيراني.

ربما يعجبك أيضا