فاينانشال تايمز | لعبة أردوغان الكبرى.. كيف تغزو تركيا إفريقيا عبر المساعدات والتجارة والمسلسلات؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

داخل حانة فندق في أديس أبابا، تصارع زوجان على جهاز التحكُّم عن بُعد، وكانا يتنقلان بين محطة “سي إن إن” التي تغطي نتائج الانتخابات الأمريكية، ومحطة إخبارية محلية تذيع تقارير حربية، وبين محطة تلفزيونية أخرى تذيع مسلسلًا تركيًّا اسمه “آدي موتلولوك” (وترجمته “الاسم هو السعادة”).

في النهاية اختار الزوجان المسلسل التركي المدبلج إلى اللغة الأمهرية. يقول الزوجان: “في الواقع، نحن الاثنان نحب هذا المسلسل”.

إن نجاح المسلسلات التلفزيونية التركية في إثيوبيا، صاحبة أقوى نفوذ في القرن الإفريقي، هي إشارة صغيرة ولكن مهمة على تزايد نفوذ أنقرة في المنطقة التي أصبحت مصدر جذب للعواصم الأجنبية. يقول خبراء: إن جهود ممارسة القوة الناعمة، هدفها التصدّي لنفوذ منافسين خليجيين مثل السعودية والإمارات، فضلًا عن الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا.

يقول “إلياس شولز”، وهو مؤسس مشارك مع ثلاثة إثيوبيين آخرين لمحطة “كانا” الفضائية الخاصة، إن المحتوى التركي حقق “نجاحًا كبيرًا ومتواصلا”. بالنسبة لأنقرة، فإن التجارة والمساعدات الإنمائية وحتى المسلسلات التلفزيونية، كانت مفصلية في تعزيز النفوذ التركي في القارة السمراء. يقول “مايكل تانشوم” الخبير في السياسة الخارجية التركية في جامعة “نافارا” الإسبانية، إن “تركيا تمتلك ميزات القوة الناعمة التي يمكنها استغلالها”.

التحوّل نحو إفريقيا

في العقود التي تلت انهيار الإمبراطورية العثمانية، تجاهلت تركيا إلى حد كبير القارة الإفريقية، واختار قادتها عوضًا عن هذا التركيز أوروبا. مع ذلك، على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، قاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهود إعادة إحياء علاقات تركيا مع إفريقيا. منذ عام 2009، زادت تركيا من عدد سفاراتها في إفريقيا من 12 إلى 42 سفارة، كما أجرى أردوغان زيارات متكررة لما يزيد على 20 عاصمة إفريقية.

وقد صرّح أردوغان في أكتوبر الماضي أن الأتراك والأفارقة “قُدّر لهم أن يكونوا شركاء”. ووضع أردوغان هدفًا لمضاعفة حجم تجارة تركيا مع إفريقيا ليصل إلى 50 مليار دولار في السنوات المقبلة، وهو ما يمثّل ثلث تجارة بلاده الحالية مع الاتحاد الأوروبي.

إن تركيز تركيا على صفقات وعقود البنية التحتية الحكومية الكبيرة في عموم إفريقيا – بداية من حوض السباحة الأولمبي في السنغال، مرورًا بقاعدتها العسكرية الأكبر في الخارج في الصومال، وصولًا إلى بنائها مسجدًا كبيرًا في جيبوتي – توضح الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية التي توليها تركيا للقارة.

في شمال إفريقيا، انخرطت تركيا عسكريًّا، إذ قدّمت دعمًا للحكومة المعترف بها دوليًّا في ليبيا. قبل عام مضى، أجرى السيد أردوغان – الذي سُمي “رجل العام” من قِبل منظمة غير حكومية سنغالية مؤثرة – زيارة إلى السنغال؛ ما أثار غضب فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة. يقول السيد “تانشوم”: إن “الدول التي استعمرتها فرنسا في الماضي، تبحث عن بدائل لفرنسا. وهي لا ترغب في أن تكون مستعمرات جديدة لفرنسا أو الصين. وهنا توفر تركيا طريقا ثالثا”. في منطقة القرن الإفريقي، دخلت تركيا وحليفتها قطر في منافسة مع الإمارات والسعودية ومصر، ضمن صراع على السلطة يتمحور حول التجارة والنفوذ.

يقول “عبد الله هالكي” الخبير في شئون القرن الإفريقي: “أردوغان يعتقد أنها مسألة وقت قبل أن تستعرض تركيا نفوذها خارج حدودها، وليس هناك مكان أفضل من القرن الإفريقي لممارسة هذا الأمر، حيث تتنافس كل الدول المهمة على هذه المنطقة”. وتابع: “أداء الأتراك أفضل بكثير من بقية الدول، فهم ينفذون ما يقولون”.

“بوابة إفريقيا”

تقول سفيرة تركيا لدى إثيوبيا “يابراك ألب” إن سياسة تركيا الإفريقية تتمحور حول فكرة أن القارة “لم تتلق اهتمامًا كافيًا، وأن هناك، أولًا وقبل كل شيء، فرصًا هائلة للجهود البشرية والتنموية، وبالطبع، للعلاقات الاقتصادية”.

إن إثيوبيا هي ثاني أكبر بلد إفريقي من ناحية عدد السكان، وهي الجائزة الكبرى التي تتسابق عليها القوى في القرن الإفريقي، تلك المنطقة التي أرسل إليها العثمانيون بعثات بحرية منتظمة في القرن السادس عشر. وتضيف السفيرة “ألب” إن إثيوبيا هي “البوابة إلى القارة”. بحسب هيئة الاستثمار الإثيوبية، فقد كانت تركيا خلال العقدين الماضيين شريكًا مهمًّا لإثيوبيا، وكانت ثالث أكبر مستثمر لرأس المال التشغيلي في هذا البلد الإفريقي بعد الصين والسعودية.

انجذب المستثمرون الأتراك، الهاربون من الأزمات الاقتصادية في بلدهم، نحو إثيوبيا بفضل ازدهارها الاقتصادي، حيث بلغت نسب النمو فيها نحو 10 بالمائة بداية من عام 2005 حتى وقتنا الراهن الذي تشهد فيه البلاد نكسات اقتصادية وسياسية. منذ وصوله إلى السلطة عام 2018، سعى رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لتمرير إصلاحات اقتصادية ليبيرالية، من بينها إجراء علميات خصخصة.

يقولو مسؤولون أتراك، إنه من أصل ما مجموعه 6 مليارات دولار استثمرتها الشركات التركية بالفعل في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، ذهب نحو 2.5 مليار دولار إلى إثيوبيا. في عام 2005، كانت هناك ثلاث شركات تركية فقط في إثيوبيا. أما اليوم، فهناك 200 شركة تركية، تتراوح أعمالها بين الأسلاك والنسيج والمشروبات، وحتى مع اندلاع الصراع في إقليم “تيغراي”، لم يمنع هذا المستثمرون الأتراك.

تقول “سيمجه يوكسيل أوزيغيت”، نائبة رئيس شركة “ديميس كابل” لإنتاج الكابلات الفولاذية، والتي أنشأت مصنعًا جديدًا بقيمة 45 مليون دولار بالقرب من أديس أبابا في العام الماضي، إن الإنتاج كان “عاديًا” ولم يتأثر بالقتال، فيما قال “جونيت كوك” رئيس مجلس الأعمال التركي – الإثيوبي التابع لمجموعة DEIK التجارية التركية، إن الشركات التركية لا تزال مستعدة للاستثمار في الزراعة والصحة والطاقة”، وتابع: “مَن كان مستعدًا جيدًا، سيحقق استفادة”.

توتر

تَعتبر تركيا أن احتضان أديس أبابا لمقر الاتحاد الإفريقي يمنح الأخيرة ثقلًا كبيرًا. يقول الخبير “عبد الله هالكي”: إن هذا الأمر له “قيمة رمزية”. علاوة على ذلك، فإن تركيا غير مستعدة لخسارة حليف إقليمي آخر بعد الإطاحة عام 2019 بالزعيم السوداني “عمر البشير”، الذي كان وثيق الصلة بأنقرة.

لكن السيد “آبي” يتمتع بدعم من منافسي تركيا، الإمارات والسعودية، اللذين ساعدا إثيوبيا على التوصل لاتفاق سلام مع إريتريا. ويقول دبلوماسي سابق إن هناك توترًا بين السيد “آبي” وأردوغان، وهما قائدان يتمتعان بشخصية قوية ورؤية واضحة.

مع هذا، فإن دعم تركيا لإثيوبيا في نزاعها مع مصر بشأن سد النهضة العظيم، عزز من صداقة البلدين. في أكتوبر الماضي، انتقدت أديس أبابا دونالد ترمب بسبب “تحريضه على الحرب” بين إثيوبيا ومصر، وذلك بعد تصريح الرئيس الأمريكي أن مصر “ستقصف” السدّ. وقال مسئول إثيوبي: “نحن نرغب في حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية” مضيفًا أن تركيا، بعكس القوى الأخرى، “تتفهم” ذلك.

تمتلك تركيا أيضًا حضورًا في الصومال، حيث بنت هناك طرقًا وأسّست معسكرًا كبيرًا للتدريب العسكري. في العام الماضي، وقّعت شركة تركية عقدًا مدته 14 عامًا لتجديد وتشغيل ميناء مقديشيو. وتُعدّ أنقرة مصدرًا رئيسيًّا للمساعدات إلى الصومال، إذ أنفقت ما يزيد على مليار دولار منذ عام 2011، وفي مطلع نوفمبر، دفعت 2.4 مليون دولار من ديون الصومال المستحقة لصندوق النقد الدولي، كما شيّدت مستشفيات ومدارس وقدمت منحًا دراسية، ودفع هذا السخاء التركي بعض الآباء لإطلاق اسم “أردوغان” على أطفالهم الذكور. وقد عبّر “عبد القادر محمد نور” وزير العدل الصومالي عن “امتنانه العميق” للسيد أردوغان “بفضل دعمه المتواصل للصومال”.

يقول “رشيد عبدي” الخبير المستقل في شئون القرن الإفريقي: إن “تركيا تُعدّ بوضوح لاعبًا كبيرًا في الصومال، لكن في حالة إثيوبيا، تعدُ لاعبًا تجاريًّا مهمًّا للغاية. ويضيف: “إثيوبيا هي فرصة هائلة للغاية بالنسبة لتركيا، بسبب سوقها الكبير واقتصادها المزدهر؛ وبالتالي، فإن إثيوبيا هي الساحة المناسبة لأردوغان، ومن الواضح أن هدف الأتراك هو الفوز بإثيوبيا”.

يطلّ أبطال مسلسل “اسمه سعادة” من شاشات التلفاز، ويستمرون في أسر قلوب الإثيوبيين في حانة الفندق في أديس أبابا. تقول السيدة “ألب” سفيرة تركيا في إثيوبيا عن المسلسلات التركية: “لقد باتت كالإدمان. أظن أننا تعلمنا كيف نجعلها مسببة للإدمان”. وتضيف “هناك إثيوبيون يخبرونني أننا متشابهون، لدرجة أنهم يجدون أنفسهم ثقافيًّا في شخصيات هذه المسلسلات”.    

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا