اقتصادات نامية وحروب باردة.. هل يؤدي النظام متعدد الأقطاب إلى عالم أفضل؟

آية سيد
هل أصبح العالم متعدد الأقطاب؟ فورين بوليسي تجيب

على الرغم من انتشار فكرة تعددية الأقطاب، فإن العالم لن يصبح متعدد الأقطاب في أي وقت قريب.


شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في النظام الدولي، بعدما تراجعت الهيمنة الأمريكية وظهرت قوى إقليمية جديدة.

وأدّى هذا التحول إلى تساؤلات عن طبيعة النظام الدولي الجديد، وهل أصبح العالم متعدد الأقطاب أم لا؟ ويشير هذا النظام إلى وجود أكثر من قوة عظمى تتمتع بنفوذها الخاص في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

هل أصبح العالم متعدد الأقطاب؟

قال زميل الصين في المعهد النرويجي للدراسات الدفاعية، جو إنجي بيكيفولد، إن “العالم اليوم ليس متعدد الأقطاب“.

وفي مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الجمعة 22 سبتمبر 2023، قال الدبلوماسي النرويجي السابق إنه “على الرغم من انتشار فكرة تعددية الأقطاب، فالعالم لن يصبح متعدد الأقطاب قريبًا”.

ما الأسباب؟

على الرغم من أن الكثير من السياسيين، والدبلوماسيين، ومراقبي السياسة الدولية وخبراء الاقتصاد يروجون لفكرة أن العالم أصبح، أو سيصبح عمّا قريب، متعدد الأقطاب، أشار بيكيفولد إلى أن “العالم ليس قريبًا من تعددية الأقطاب”.

وأوضح بيكيفولد أن “تعددية الأقطاب تشير إلى عدد القوى العظمى في النظام الدولي، وحتى يصبح العالم متعدد الأقطاب، يحتاج إلى وجود 3 أو أكثر من هذه القوى”. واليوم، دولتان فقط لديهما الحجم الاقتصادي، والقوة العسكرية، والنفوذ العالمي لتشكيل قطب، وهما الولايات المتحدة والصين.

اقرأ أيضًا| قمة بريكس.. خطوة نحو عالم متعدد الأقطاب

لكن حقيقة وجود قوى وسطى صاعدة ودول غير منحازة ذات تعداد سكاني كبير واقتصادات نامية، لا تجعل العالم متعدد الأقطاب، حسب الدبلوماسي النرويجي السابق.

مرشحون سابقون

وفق بيكيفولد، يصبح غياب الأقطاب الأخرى في النظام الدولي واضحًا، إذا ألقينا نظرة على المرشحين السابقين. وفي 2021، كانت الهند ثالث أكبر دولة تنفق على الدفاع، وهو أحد مؤشرات قياس القوة. لكن حسب آخر أرقام صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تساوي ميزانية الهند الدفاعية رُبع ميزانية الصين.

هل أصبح العالم متعدد الأقطاب؟ فورين بوليسي تجيب

رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، في قمة الـ20

ولا تزال الهند تركز على التنمية الداخلية، غير أن سلكها الدبلوماسي صغير الحجم، وقوتها البحرية صغيرة مقارنة بالصين. وقال بيكيفولد إن “الهند قد تصبح قطبًا في النظام في يوم من الأيام، لكن هذا قد يحدث في المستقبل البعيد”.

مؤشرات أخرى

لفت بيكيفولد إلى أن الثروة الاقتصادية مؤشر آخر على القدرة على امتلاك القوة، وتمتلك اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، لكن حسب آخر أرقام صادرة عن صندوق النقد الدولي، ناتجها المحلي الإجمالي أقل من رُبع ناتج الصين، بينما ناتج ألمانيا، والهند، وبريطانيا، وفرنسا، 4 اقتصادات التي تلي اليابان، أقل منها.

ورأى بيكيفولد أن الاتحاد الأوروبي ليس قطبًا ثالثًا، لأن الدول الأوروبية لديها مصالح قومية متباينة، واتحادها عرضة للخلافات، لافتًا إلى عدم وجود سياسة دفاعية أو أمنية، أو خارجية أوروبية موحدة.

روسيا والجنوب العالمي

في المقابل، روسيا مرشح محتمل لتصبح قوة عظمى بناءً على مساحة أراضيها، ومواردها الطبيعية الهائلة، ومخزونها من الأسلحة النووية، وقدرتها على التأثير خارج حدودها، لكن اقتصادها أصغر من اقتصاد إيطاليا وميزانيتها تساوي أقل من رُبع ميزانية الصين على أقصى تقدير، ما يجعلها غير مؤهلة لتصبح قطبًا ثالثًا، وفق بيكيفولد.

وفي الوقت الذي يستند بعض مؤيدي تعددية الأقطاب إلى صعود الجنوب العالمي وتراجع مكانة الغرب، رأى الدبلوماسي النرويجي السابق أن وجود قوى وسطى قديمة وجديدة لا يجعل النظام متعدد الأقطاب، لأن هذه الدول تفتقر للقدرة على التنافس مع الولايات المتحدة والصين.

هل أصبح العالم متعدد الأقطاب؟ فورين بوليسي تجيب

الرئيس الصيني، ورئيس الوزراء الهندي، والرئيس الروسي

ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بالهيمنة في الاقتصاد العالمي، رغم تراجع حصتها، وتمثل واشنطن وبكين نصف إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي، ويساوي ناتجهما المحلي الإجمالي ناتج 33 أكبر اقتصاد التاليين مجتمعين.

ولفت بيكيفولد إلى أن التكتلات مثل بريكس تكون متباينة جدًّا، حتى إنها تمنعها من العمل كأقطاب، ويمكن أن تنهار سريعًا.

لماذا تحظى تعددية الأقطاب بالشعبية؟

طرح بيكيفولد 3 تفسيرات وراء شعبية تعددية الأقطاب، الأول هو أنها تُعد طريقة أخرى لقول إن “الهيمنة الغربية انتهت ويجب توزيع القوة”، والسبب الثاني لانتشار فكرة تعددية الأقطاب، بعد 3 عقود من العولمة والسلام النسبي.

وهو الاعتقاد السائد بأن تعددية الأقطاب نوع من التجنب، لفكرة أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين قد تؤدي إلى حرب باردة جديدة.

أما السبب الآخر، فهو الحديث عن تعددية الأقطاب يُعد جزءًا من لعبة قوة، فترى بكين وموسكو أن تعددية الأقطاب طريقة لكبح القوة الأمريكية وتعزيز موقفهما.

أهمية الأقطاب المتعددة

أشار بيكيفولد إلى أن عدد الأقطاب في النظام العالمي مهم، فالتصورات الخاطئة تؤثر في التفكير الاستراتيجي، وتؤدي إلى صياغة سياسات خاطئة، مشددًا على أن القطبية مهمة لسببين.

اقرأ أيضًا| صعود القوى الوسطى.. منافسة أمريكا والصين تشكل نظامًا جيوسياسيًّا جديدًا

السبب الأول أن الدول تواجه درجات مختلفة من القيود على سلوكها في الأنظمة أحادية، وثنائية ومتعددة الأقطاب، ما يتطلب استراتيجيات وسياسات مختلفة. وتُعد الأنظمة متعددة الأقطاب أقل استقرارًا من الأنظمة أحادية وثنائية القطب.

وأضاف الدبلوماسي النرويجي السابق أن “القطبية مهمة للشركات أيضًا لأن تبني استراتيجيات متعددة الأقطاب في نظام ثنائي، قد يكون خطأ باهظ التكلفة، لأن تدفقات التجارة والاستثمار قد تصبح مختلفة بناءً على عدد الأقطاب”.

إشارات خاطئة

السبب الثاني، وفق بيكيفولد، هو أن مناصرة عالم متعدد الأقطاب في وقت لا يزال ثنائي القطب قد يعطي إشارات خاطئة للأصدقاء والخصوم على حد سواء. وضرب الكاتب مثالًا بالضجة الدولية التي أثارتها تصريحات ماكرون في خلال زيارته للصين، التي لم تلقَ استحسانًا في واشنطن وأوروبا، لكنها راقت للصينيين.

لكن إذا خلط الصينيون بين تأملات ماكرون بشأن تعددية الأقطاب والاستعداد الأوروبي والفرنسي لدعم بكين في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، ربما سيحصلون على الإشارات الخاطئة.

وختامًا، قال بيكيفولد إن “النظام متعدد الأقطاب لن يؤدي بالضرورة إلى عالم أفضل، لذا، فالاستراتيجية الأكثر فاعلية هي البحث عن حلول أفضل ومنصات للحوار داخل النظام ثنائي القطب الحالي”.

ربما يعجبك أيضا