حرب غزة تكشف الانقسام المتنامي بين الغرب والجنوب العالمي

هل يقدم الجنوب العالمي صوتًا بديلًا للغرب؟

آية سيد
حرب غزة تكشف الانقسام المتنامي بين الغرب والجنوب العالمي

كانت القوى الصاعدة الرئيسة في الجنوب العالمي من ضمن أكثر الدول، من خارج العالم العربي، تمسكًا بانتقادها للدعم الغربي الراسخ لإسرائيل.


كشفت الحرب الحالية في غزة، وردود الفعل الدولية تجاهها، عن خط صدع كبير بين دول الغرب ودول ما يُعرف بـ”الجنوب العالمي”.

وبينما كان قادة دول مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، من أكبر الداعمين لإسرائيل خلال الأزمة، فلا يمكن قول الشيء نفسه عن الدول غير الغربية، وفق الدبلوماسي التشيلي السابق والباحث بجامعة بوسطن الأمريكية، خورخي هاين.

موقف الجنوب العالمي

في تحليل نشره موقع “ذا كونفرزيشن” الأسترالي، أمس الأربعاء 8 نوفمبر 2023، أشار هاين إلى أن القوى الصاعدة الرئيسة في الجنوب العالمي كانت من ضمن أكثر الدول من خارج العالم العربي، تمسكًا بانتقادها للدعم الغربي الراسخ لإسرائيل.

إندونيسيا وتركيا، اللتان تضمان عددًا ضخمًا من المسلمين، كانتا ناقدتين بقوة لحملة القصف التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ردًا على هجوم حماس في 7 أكتوبر. وانضم لهما قادة البرازيل، وجنوب إفريقيا، وعدة دول أخرى من الجنوب العالمي في اتخاذ موقف حازم.

تباين مع الغرب

في السياق ذاته، وصف الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الحملة الإسرائيلية على غزة بـ”الإبادة الجماعية“، وهو الوصف الذي استخدمته حكومة جنوب إفريقيا، في 6 نوفمبر الحالي، عندما استدعت سفيرها من إسرائيل احتجاجًا على ما يحدث.

حرب غزة تكشف الانقسام المتنامي بين الغرب والجنوب العالمي

رئيس البرازيل لولا دا سيلفا

وفي حين استخدمت الولايات المتحدة مصطلح “إبادة جماعية” ردًا على أفعال روسيا في أوكرانيا، لفت هاين إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قالت بوضوح إن المصطلح لا ينطبق على الأحداث الحالية في غزة.

اتجاه مختلف

حسب الباحث التشيلي، المختص في السياسة الدولية للجنوب العالمي، يعكس رد الفعل الدولي على الحرب في غزة اتجاهًا أعمق وقائم منذ فترة طويلة في السياسة الدولية، الذي شهد انقسامًا في النظام القائم على القواعد، والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

وأوضح هاين أن النفوذ المتنامي للصين وتداعيات الحرب في أوكرانيا، التي التزمت معظم دول الجنوب العالمي موقفًا محايدًا تجاهها، أحدثوا تغييرًا كبيرًا في العلاقات الدولية. ويشير الكثير من المحللين إلى ظهور عالم متعدد الأقطاب، إذ شكلت دول الجنوب العالمي مسارًا نشطًا جديدًا لعدم الانحياز.

مرحلة جديدة

كان 2023 هو العام الذي شهد وصول الجنوب العالمي الأكثر حزمًا إلى مرحلة النضوج. وحسب هاين، ظهر هذا في توسع تحالف بريكس، ليضم 6 دول جديدة من الجنوب العالمي، وهي مصر، والإمارات، والسعودية، والأرجنتين، وإثيوبيا، وإيران. وهذه المجموعة الموسعة القوية ستمثل 46% من سكان العالم و38% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

بينما في المقابل، تمثل مجموعة الـ7، التي تضم أكبر اقتصادات العالم، أقل من 10% من سكان العالم و30% من الاقتصاد العالمي. وفي 7 نوفمبر الحالي، التقى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بنظرائه من مجموعة الـ7، وحثهم على التحدث بـ”صوت واحد” بشأن أزمة الشرق الأوسط.

وهنا، تساءل هاين عما إذا كان تحالف بريكس، والجنوب العالمي بوجه عام، يستطيع فعل الشيء نفسه، نظرًا لأنه يضم مجموعة من الدول ذات الأنظمة السياسية والاقتصادية المختلفة.

رد فعل أمريكا اللاتينية

حرب غزة تكشف الانقسام المتنامي بين الغرب والجنوب العالمي

أكفان ملطخة باللون الأحمر على شاطئ في ريو دي جانيرو احتجاجًا على القصف الإسرائيلي لغزة

رأى هاين أن رد الفعل على العنف في غزة يشير إلى أن الجنوب العالمي قادر على التحدث بصوت واحد، أو على الأقل غير متنافر. واستشهد الدبلوماسي التشيلي برد الفعل القوي في أمريكا اللاتينية على أفعال إسرائيل في غزة.

ففي خلال وقت قصير، قطعت بوليفيا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، واستدعت تشيلي وكولومبيا سفرائها من إسرائيل للتشاور. وطرحت البرازيل، بصفتها الرئيس الحالي لمجلس الأمن، مشروع قرار يدعم وقف إطلاق النار في غزة.

فيما طالبت الممثلة الدائمة للمكسيك لدى الأمم المتحدة، أليسيا بوينروسترو، “قوة الاحتلال” الإسرائيلية بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.

الإنكار الغربي

يصبح السؤال الآن، وفق هاين، هو ما إذا كان الغرب يستمع إلى صوت الجنوب العالمي. لكن أنماط تصويت الدول الغربية في الأمم المتحدة تشير إلى أن الإجابة هي “لا”. وهذا بدوره يضيف إلى الاستياء العام في العالم النامي من الهيكل الحالي لمجلس الأمن ونقص تمثيله.

وأوضح هاين أن حقيقة عدم وجود أي دولة من إفريقيا أو أمريكا اللاتينية ضمن الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، الذين يملكون حق الفيتو، كانت مصدرًا للغضب في الجنوب العالمي. وكذلك أيضًا “المعايير المزدوجة” التي يستخدمها الغرب مع الصراعات حول العالم، مثلما ظهر في تناقض المواقف الغربية تجاه أوكرانيا وغزة.

وختامًا، لفت الدبلوماسي التشيلي إلى وجود درجة من الإنكار في الغرب بشأن التحول الجذري في النظام العالمي تجاه الجنوب العالمي الأكثر حزمًا، مشددًا على أن الجنوب العالمي يقدم صوتًا بديلًا للغرب، بشأن الصراع في أوكرانيا، والآن غزة، والإنكار الغربي لن يستطيع منعه.

ربما يعجبك أيضا