أردوغان على خطى الأجداد.. هوس المعارك والبطولات الزائفة

يوسف بنده

رؤية

مسألة أن أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، يمضون على خطى العثمانيين الجدد، ليست ادعاءً من قِبل المنظرين والمراقبين؛ بل حقيقة أقرتها تصريحات أردوغان وحقيقة تحركاته على أرض الواقع.

حيث يهيمن على سياسات وتوجهات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “حلم إحياء الإمبراطورية العثمانية”، وعلى الرغم من نفيه سابقًا في مراحل مبكرة من صعوده السياسي رغبته في إعادة تأسيس الدولة العثمانية؛ إلا أن خطاباته العصبية الحادة في الآونة الأخيرة وسياساته العدائية تجاه المعارضة ودول الجوار والقوى الدولية تكشف عن رغبة مُلحة لشغل مكانة “السلطان الجديد”، على حد تعبير بعض الأكاديميين الأتراك، وهو ما يرتبط بعمليات تفكيك وإعادة هيكلة الهوية التركية، وتبني مظاهر وتجليات الإرث العثماني وسياسات الهيمنة والتوسع الإقليمي لإعادة إنتاج عهد “الاستعمار العثماني” في منطقة الشرق الأوسط.

يستخدم أردوغان في معظم خطبه السياسية مصطلح “نحن أحفاد العثمانيين” للتأكيد على توجهاته العثمانية ومحاولاته إحياء إرث الدولة العثمانية عن طريق التمدد السياسي والجغرافي، بما في ذلك إقليم الشرق الأوسط الذي يتصوره أردوغان أحد الأقاليم التابعة لتركيا بحكم التبعية التاريخية للدولة العثمانية. كما يرى أردوغان أيضًا أن هناك عددًا من دول أوربا تُعد امتدادًا للتواجد التاريخي العثماني في أوروبا في الماضي.

انعدام التوازن في العلاقة مع العرب

حسب تقرير مركز سمت للدراسات: على الرغم من العلاقة الكبيرة الممتدة بين العرب والأتراك بحكم الهيمنة التركية على الأقطار العربية لقرون طويلة ممتدة، فإن وقائع التاريخ لا تكذب، فكانت دائمًا نظرة الأتراك للعرب نظرة متعالية، ومعاملتهم لهم تتخذ سلوك المحتل في أغلب الأحوال، فقد انتهج الأتراك طيلة فترة حكمهم للأقطار العربية سياسة تغيير الولاة، مع الحرص على جمع المال في المقام الأول، وتجاهل السياسات الإصلاحية في الولايات التي كانوا يحكمونها، وبالتالي عزل العالم العربي عن المؤثرات الحضارية حتى أضحى متخلفًا عن ركب الأمم.

والأمثلة أكثر من أن تُحصى، فعندما غزا العثمانيون بقيادة سليم، مصر، بمبررات الدفاع عن الدين الإسلامي وحماية الشريعة، مستندين على رسالة أرسلها شيوخ وقضاة الشام تطلب إنقاذهم من ظلم المماليك وتعطيل الشريعة، فبحسب ما يقول المؤرخ المصري محمد ابن إياس في كتابه (بدائع الزهور في وقائع الدهور)، “لم يقاسِ أهل مصر شدة مثل هذه”، ووصل الأمر إلى وصفه أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو في بغداد. وفي موضع آخر من الكتاب أنه “وقع في القاهرة المصيبة العظمى التي لم يسمع بمثلها فيما تقدم”، و”من حين فتح عمرو بن العاص مصر لم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط”.

كما أجمع المؤرخون على أن حكم الولاة العثمانيين تسبب في أطول فترة اضمحلال في العصر الإسلامي على مدى 300 عام، وفقدت مصر موردًا اقتصاديًا هائلًا، واقتصرت صلاتها التجارية على حوض البحر المتوسط والسودان وبلاد الحبشة والحجاز واليمن، وكان العثمانيون ينظرون إلى المصريين بنظرة تعالٍ واحتقار، وقصروا الوظائف الإدارية على نفس عنصرهم التركي وعنصر المماليك الشركسي، فانحط المستوى الاجتماعي للشعب المصري، وشاع الاعتقاد بالسحر والخرافات، وراجت أسواق المشعوذين والدجالين، وقلّ ظهور العلماء وانحطت اللغة العربية نتيجة استخدام اللغة التركية كلغة رسمية للبلاد.

زيادة على ذلك، مارس العثمانيون التهميش الاجتماعي، فحرّم السلطان العثماني سليم الأول على الأتراك الزواج من المصريات أو من أرامل المماليك، ولكنهم مع بداية القرن 18 ومع ضعف الدولة العثمانية بدأوا في مخالفة تلك القواعد.

وانطلاقًا من هذا الموروث تطل علينا العثمانية الجديدة أو الأردوغانية بذات الأدوات، وهو ما جسدته في هجومها على سوريا، وتدخلها في ليبيا ومصر والسودان والصومال. وبالنسبة لسوريا فبخلاف الأسباب المعلنة تظهر أسباب أخرى في مقدمتها المطامع الاقتصادية التي طالما حركت العثمانيين الأوائل والجدد، تتمثل في منع إقامة دولة كرديّة قابلة للحياة على الحدود التركية الجنوبية. ولما كانت وحدات “حماية الشعب الكردية” قادرة على بناء دولة حيويّة وإعطائها منفذًا إلى البحر الأبيض المتوسط، فإن هذا معناه أن هذا المنفذ قد يُلغي اعتماد كردستان العراق على خطوط الأنابيب التي تمرّ في تركيا، مما يعرّض اقتصاد أنقرة للخطر.

بالإضافة إلى إدراك أردوغان أن الوجود العسكري على الأرض هو الضامن الوحيد للفوز بنفوذ مؤثر في مستقبل سوريا؛ لذا فالتدخل العسكري من شأنه تعزيز المزيد من الحُضُور التُركي في مناطق سوريَّة أخرى، مثل إدلب التي تحتضن قوى المعارضة المُسلحة المُرتبطة بِتُركيا، ويقطنها مليونا شخص جاء بعضهم نازحًا من مدن أخرى.

هوس المعارك

ويستطرد تقرير مركز سمت: دأبت الدولة العثمانية منذ بدايتها على انتهاج سياسة المعارك والحروب، حتى في حال استقرارها وضعف الخطر المحدق بها، لأهداف توسعية واستعمارية، ومكاسب سياسية، فشهد القرن التاسع عشر – وحدَه – نشوب أربع حروب واشتعال صراعات بين روسيا القيصرية وتركيا العثمانية الإمبراطورية، وكان الطرفان يتبادلان نتائج النصر والهزيمة بينهما، بحسب نوعية التحالفات التي كان هذا الطرف أو ذلك يبرمها ويفعلها.

قد تكون الظروف اليوم مختلفة عن الأمس للدخول في حروب عسكرية مباشرة، إلا أن افتعال المعارك والدخول في صراعات متعددة، مع أطراف مختلفة بعضهم حلفاء اليوم أو الغد، ما زال سمة ظاهرة في التعامل التركي الأردوغاني، ويتجلى ذلك – على سبيل المثال – في علاقة تركيا بإسرائيل، فعلى الرغم من الخطاب الانفعالي وبعض التوترات في العلاقة، فإن الحقائق على الأرض تظهر عكس ذلك، فدائمًا ما كان أردوغان الحليف الأقوى سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، لإسرائيل في المنطقة.

ربما يعجبك أيضا