“أوكرانيا جيت”.. ترامب يغرق في الوحل وحزبه يتعلق بـ”القشة الروسية”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

طوال السنوات الماضية، رفضت موسكو كافة الاتهامات الأمريكية بالتدخل في انتخابات 2016، وحاولت عدة مرات إلقاء اللوم على أوكرانيا كـ”كبش فداء”، اليوم يبدو أن نواب الحزب “الجمهوري” في الكونجرس لم يجدوا مفرا من استخدام هذه الدعاية الروسية المزيفة للدفاع عن الرئيس دونالد ترامب، في محاولة لدحض اتهامات الديمقراطيين له باستغلال سلطاته للضغط على كييف من أجل تشويه سمعة خصمه السياسي جو بايدن.

الخميس الماضي، شهد مجلس النواب الأمريكي أخر جلسات الاستماع العلنية، التي تعقدها لجنة الاستخبارات، للتحقيق في اتهامات تدين الرئيس بحجب مساعدات عسكرية وممارسة ضغوط سياسية على أوكرانيا من أجل إطلاق تحقيقات تنال من سمعة بايدن ونجله، ووفقا للدستور الأمريكي يعد طلب مساعدة دولة أجنبية لتحقيق مكاسب سياسية، أمرا غير قانوني.

في ختام الجلسات قال رئيس لجنة التحقيق الديمقراطي آدم شيف: إن سلوك ترامب كان أكثر خطورة من أي شيء أقدم عليه الرئيس ريتشارد نيكسون خلال فضيحة “ووترجيت” في سبعينيات القرن الماضي، نتحدث هنا عن حجب المساعدات العسكرية عن حليف لنا في حالة حرب، من أجل تحقيق مكاسب سياسية شخصية.

شهادات مدوية تورط الرئيس
كلمات شيف جاءت عقب السماع لشهادة كل من الدبلوماسي الأمريكي لدى أوكرانيا ديفيد هولمز، وفيونا هيل، الخبيرة السابقة بالشأن الروسي في البيت الأبيض، وكان الرابط بينهما هو اسم محامي الرئيس الشخصي، رودي جولياني، والذي ورد في شهادتهما بشكل مباشر باعتباره اللاعب الرئيسي في ملف العلاقات مع كييف.

ديفيد هولمز/ قال للجنة التحقيق: جولياني، كان له دور مباشر في الدبلوماسية الأوكرانية، وفي 18 يوليو الماضي عندما أُعلن عن حجب المساعدات العسكرية عن أوكرانيا، قال كبير الموظفين في البيت الأبيض، ميك مولفاني لدى سؤاله عن السبب: إن الأمر جاء مباشرة من الرئيس، دون أي تفسير إضافي.

من جانبها قالت فيونا هيل: إن جولياني كان يطلق ادعاءات “تحريضية” بشأن أوكرانيا، ودفع بفرضية زائفة تتعلق بالتدخل الأوكراني في انتخابات 2016، مؤكدة أن الرئيس كان يسمع له أكثر من مستشاريه.

وأضافت المزاعم حول أوكرانيا هي مجرد “رواية خيالية”، روجت لها في الأساس أجهزة الأمن الروسية، محذرة نواب الحزب الجمهوري من تشجيع مثل هذه الأكاذيب من أجل دوافع سياسية.

إلى ذلك، أكدت هيل أنها أدركت خلال فترة عملها بالبيت الأبيض، أن غوردن سوندلاند، السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي، كان لا يطلعها على نتائج جولاته الخارجية بشكل كامل، إذ كانت لديه مهمة أخرى ذات طابع شخصي، في إشارة إلى تورطه في حوارات سرية بين كييف وواشنطن.

سوندلاند كان قد أدلى هو الآخر بشهادة مثيرة للجدل، الأربعاء الماضي، اعترف فيها بأنه لعب دورا في الضغط على أوكرانيا بأوامر من الرئيس وتحت عين جولياني.

وجاء في شهادته: نفذنا أوامر ترامب لعقد صفقة مع كييف للتحقيق بشأن شركة بوريسما للطاقة التي كان هانتر بايدن أحد أعضاء مجلس إداراتها، مقابل تنظيم قمة بين ترامب والرئيس الجديد فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، والإفراج عن 391 مليون دولار كمساعدات تم تجميدها يوليو.

كانت هناك أوامر قد صدرت لسوندلاند ولوزير الطاقة ريك بيري والمبعوث الخاص لأوكرانيا كيرت فولكر، بالعمل مع المحامي جولياني الذي طلب مباشرة من زيلينسكي أن يحقق في أمر بايدن وفي نظرية المؤامرة التي يتبناها ترامب بأن اوكرانيا ساعدت الديمقراطيين ضده في انتخابات الرئاسة 2016.

لكن سوندلاند -رجل الأعمال الذي عين سفيرا بعد أن تبرع لحفل تنصيب ترامب بمليون دولار- أكد أن ما قام به لم يكن عملية خارجة عن القنوات الدبلوماسية الأمريكية المعتادة، إذ إن مسؤولين كبارا في البيت الأبيض من بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، كان يتم إطلاعهم باستمرار على سير هذه العملية.

في حين قال: إنه لم يسمع من الرئيس نفسه أن المساعدات لكييف مرتبطة بالإعلان عن فتح التحقيقات بشأن بايدن أو الانتخابات.

رد ترامب وحزبه
وبينما اعتبر الديمقراطيون شهادة سوندلاند بمثابة لحظة حاسمة في التحقيق وتحمل أدلة تتعلق بالرشوة والابتزاز، قال ترامب: إن سوندلاند على العكس قد برأه، وإن حملة مطاردة العزل يجب أن تتوقف على الفور.

ويرفض ترامب كافة الاتهامات المتعلقة بممارسة الضغط على أوكرانيا لمصالح شخصية، وسبق وأن كشف في سبتمبر الماضي عن مكالمة هاتفية جرت بينه وبين الرئيس الأوكراني يوم 25 يوليو الماضي، وكانت موضع الشكوى الاستخباراتية التي حركت تحقيقات الديمقراطيين في الأساس.

وبحسب ما أعلنه البيت الأبيض قال ترامب لزيلينسكي، في المكالمة: ثمة حديث كثير عن نجل بايدن وعن أن بايدن أوقف التحقيق، ويريد أناس كثيرون أن يعرفوا المزيد عن هذا الموضوع، من هنا سيكون رائعًا أن تجروا تحقيقا في هذا الشأن، بالتعاون مع المحامي رودي جولياني ووزير العدل الأمريكي بيل بار.

جو بايدن -الطرف الثاني في القضية- أكد عدم صحة مزاعم ترامب بشأن تورط نجله هانتر في جرائم فساد مالي خلال عمله في بوريسما خلال الفترة من “2013 إلى أبريل 2019″.

الخميس الماضي قال البيت الأبيض، في بيان: الرئيس يريد محاكمة في مجلس الشيوخ لأن من الواضح أنه المجلس الوحيد الذي يمكن أن يتوقع فيه نزاهة ومعاملة عادلة بموجب الدستور، إذ نتوقع أن نستمع أخيرا إلى شهود أدلوا بالفعل بشهاداتهم، وربما شاركوا في فساد، ومنهم أدم شيف وجو بايدن وهانتر بايدن ومن يطلق عليه مسرب المعلومات، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

طوال جلسات الاستماع، سعى الجمهوريون إلى صرف الانتباه عن التهم الرئيسية، بالتركيز على سيناريو التدخل الأوكراني في انتخابات 2016 من أجل دعم الديمقراطيين، والربط بينه وبين محاولات الرئيس للضغط على كييف.

ومن المعروف أن موسكو سعت منذ 2017 لترك انطباع بأن كييف وليست هي من يقف وراء عمليات التدخل في الانتخابات الأمريكية، وذلك على العكس من نتائج تحقيقات روبرت مولر الشهيرة وتقارير الـ”سي آي آيه” و”اف بي آي” التي أكدت أن روسيا هي من تدخلت للتأثير على سير الانتخابات، ولم ترد فيها أي إشارة لأوكرانيا.

ماذا ينتظر الرئيس؟
بعد جلسات الاستماع التي انتهت الخميس الماضي، من المنتظر أن ترفع  لجنة الاستخبارات تقريرها إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب، لصوغ لائحة الاتهامات ضد ترامب، بدءا من أول ديسمبر، ومن ثم التصويت عليها، تمهيدا لرفعها إلى مجلس الشيوخ -الذي يسيطر عليه الجمهوريون- لتبدأ جلسات المحاكمة والاستماع إلى الشهود، يتبعها التصويت على بنود الاتهامات، ويتطلب قرار عزل الرئيس التصويت بأغلبية الثلثين بالمجلس، ومن المستبعد أن يأخذ “الشيوخ” قرارا بذلك، إذ ستعد هزيمة مدوية لـ”الجمهوري” لا يتحملها على أعتاب انتخابات 2020، لكن الديمقراطيون سيوظفون أسابيع “العزل” سياسيا في حملاتهم الانتخابية على نحو جيد، وربما تكون هذه الفائدة الأكثر إلحاحا لهم.

ربما يعجبك أيضا