أوكرانيا نهج الحوار والردع والردع المضاد

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ما زالت أزمة أوكرانيا” تتصدر أجندة الناتو والولايات المتحدة وأوروبا وكذلك مجلس أمن أوربا، وربما شهدت عواصم أوروبا أبرزها بروكسل وسويسرا وفيينا وغيرها “حراكا” دبلوماسيا بين روسيا والغرب والناتو، لم تشهدها من قبل.

ما زالت المفاوضات جارية بين روسيا والناتو  في عواصم أوروبية ، فينا وبروكسل  وسويسرا، وكذلك بين روسيا والغرب، ضمن مجلس أمن أوروبا، الذي يعتبر أكبر منتدى أمن في العالم. تم التفاوض يوم 12 و13 يناير 2022 على كل من وثيقة هلسنكي النهائية ومعاهدة القوات التقليدية في أوروبا، والتي ساعدت في تشكيل واستقرار الحرب الباردة في أوروبا، لذا فإن المجموعة هي مكان منطقي للنظر في أي معاهدات جديدة أو منقحة بشأن الأمن الأوروبي.

لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستختار المسار الدبلوماسي، وليس من المتوقع اتخاذ قرار على الفور،  في الوقت الحالي، تجري روسيا مناقشات مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين حول “المشاكل” المشتركة بين الطرفين. وهذا يعني أن المفاوضات قد تستغرق عدة أشهر، يذكر أن الناتو والولايات المتحدة ما زالتا تصران على أنهما ستتفاوضان مع روسيا فقط إذا خفضت التصعيد، وأعادت نشر الآلاف من قواتها بعيدًا عن الحدود مع أوكرانيا، ومن المرجح أن تناقش روسيا مع الولايات المتحدة والناتو ما إذا كانوا سيستمرون في المفاوضات، وفي هذا السياق أكد بوتين أن واشنطن وحلفاءها لا يأخذون مطالب روسيا على محمل الجد .

مطالب روسيا 

طرحت روسيا  خلال شهر ديسمبر 2021 عدة مطالب رئيسية على الغرب بشأن أوكرانيا، من بين أمور أمنية أخرى ، في مشروع اتفاق أمني وطالبت في الوثيقة الولايات المتحدة بمنع المزيد من التوسع نحو الشرق لحلف شمال الأطلسي وألا تسمح لدول الاتحاد السوفيتي السابق بالانضمام إلى الحلف.  وطالبت روسيا أيضا في مسودة الاتفاقية بأن “لا تنشئ الولايات المتحدة قواعد عسكرية” في أراضي أي دول سوفييتية سابقة ليست أعضاء بالفعل في الناتو، أو “تستخدم بنيتها التحتية لأية أنشطة عسكرية أو تطوير تعاون عسكري ثنائي معها”.

على الرغم من عدم ذكرها بالاسم في مسودة الاتفاقية، إلا أن أوكرانيا هي نقطة محورية واضحة للروس، فهي جمهورية سوفيتية سابقة ، مثلها مثل بيلاروسيا وأذربيجان ومولدوفا وأرمينيا، حليفة روسيا، من بين دول أخرى والدول السوفيتية السابقة في لاتفيا وليتوانيا وإستونيا هي بالفعل أعضاء في الناتو.

لقد أعربت روسيا بالفعل، عن انزعاجها أو قلقها تجاه مجمعات الدفاع الصاروخية الأمريكية في بولندا ورومانيا في أوروبا الشرقية، وعن تعزيز وجود الناتو ، من حيث “مجموعات القتال الجاهزة للقتال”، كما يصفها الناتو في دول البلطيق وبولندا.

مأساة جيوسياسية

لم يجزم بوتين بحقيقة أنه يعتقد أن تفكك الاتحاد السوفيتي كان كارثة بالنسبة لروسيا، ووصفها بأنها “أكبر مأساة جيوسياسية” في القرن العشرين. تؤكد روسيا أن أوكرانيا لها أهمية خاصة، نظرًا لموقعها -فهي تقف كحصن بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي الشرقية- فضلاً عن الأهمية الرمزية والتاريخية، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنها “جوهرة في تاج” الإمبراطورية السوفيتية السابقة.

وأشاد بوتين بالروابط الثقافية واللغوية والاقتصادية التي تربط أوكرانيا بروسيا، واصفاً الروس والأوكرانيين بأنهم “شعب واحد”. حتى أنه كتب مقالًا حول هذا الموضوع بعنوان: “حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين”. لم يتم استيفاء المشاعر إلى حد كبير في أوكرانيا، حيث تتطلع حكومة البلاد في عهد الرئيس فولوديمير زيلينسكي غربًا للحصول على مساعدات اقتصادية وقوة جيوسياسية، لاسيما في السنوات التي أعقبت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

رفض أمريكي للمطالب الروسية

وصفت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بالفعل المطالب بعدم قبول أوكرانيا في الناتو، أو التراجع عن انتشار الناتو في أوروبا الشرقية، بأنها “مرفوضة”، على حد تعبير نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان التي قادت الوفد الأمريكي في محادثات مع المسؤولين الروس في جنيف يوم 11 يناير 2022، بينما قال نظيرها الروسي سيرجي ريابكوف: إن المحادثات كانت صعبة، وأشار إلى أن مطالب موسكو لم تتغير، وقال للصحفيين: “إنها إلزامية تمامًا، تأكد من أن أوكرانيا لن تصبح أبدًا أبدًا عضوًا في الناتو”، وهذا يعني عدم إحراز أي تقدم واضح في المحادثات. وما زالت الآمال معلقة على مزيد من المناقشات بين المسؤولين الروس وحلف شمال الأطلسي في بروكسل بعد مناقشات يوم 12 و13 يناير 2022، في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا.

التحديات

أحد أكبر التحديات التي تواجه المسؤولين الغربيين هو مدى استعداد روسيا لوقف انجراف أوكرانيا نحو أوروبا والغرب، ولتعزيز وتوسيع وجودها ونفوذها في البلاد كما هي. في محادثات يوم 10 يناير 2022، أصر الوفد الروسي على أنه لا توجد خطط لغزو أوكرانيا وقالت أنجيلا ستينت -المديرة الفخرية لمركز الدراسات الأوروبية الآسيوية والروسية وأوروبا الشرقية بجامعة جورجتاون، لشبكة CNBC يوم 11 يناير 2022- إن الغزو الروسي لأوكرانيا لا يزال محتملا. وقالت: إنه يمكن أن يكون “غزوًا محدودًا، وليس غزوًا واسعا”. وقالت “هذا الخطر لا يزال قائما هناك” .

احتمالات حرب محدودة وحرب العصابات

بعض الخبراء المعنيين يعتقدون أن روسيا مستعدة لخوض الحرب، لكنها ربما تكون حربا غير واسعة ومحدودة، مع احتمال مواجهة الناتو والغرب مقاومة حرب العصابات، وهذا سيكون مكلفا للغاية، خاصة إذا تجاوزت دونيتسك ولوهانسك أوبلاستس.  

إن “أزمة أوكرانيا، تمثل تحديًا كبيرًا للأمن الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وربما الحرب الباردة، لتعيد المواجهة من جديد بين الولايات المتحدة – الغرب وموسكو. المشكلة أن الأزمة تتمحور في: إصرار الناتو بالتوسع عند خاصرة روسيا أوكرانيا والبلطيق، ورفض قوي من قبل روسيا، باعتبار أوكرانيا جزءا لا يتجزأ من أمن روسيا، وهنا تكمن المشكلة بين الردع والردع المضاد. الأطراف تصل الآن إلى حافة الحرب في أوكرانيا، لكن الخيارات جميعها ما زالت قائمة، ومنها الخيار الدبلوماسي والذي يتمحور حول عدم تحشيد روسيا قواتها عند أوكرانيا، وكذلك محاولة روسيا الحصول على تعهدات عدم ضم أوكرانيا إلى الناتو، وهذا يعني أن “الأزمة” سوف تستمر إلى أشهر طويلة.

ربما يعجبك أيضا