“الأردين” و”واترلو”.. حكاية يومين فرنسيين بلون الدماء

حسام السبكي

حسام السبكي

وقعت كثيرٌ من النوازل والكوارث الطبيعية والحوادث، وخلفت ضحايا بالعشرات بل بالمئات والآلاف، منها كارثة “تسونامي أندونيسيا” في 26 ديسمبر 2004 التي راح ضحيتها ما يقارب 300.000 من البشر، ومنها “أحداث 11 سبتمبر” في عام 2001، وأسفرت عن سقوط نحو 3000 قتيل.

في الحروب والنزاعات أيضًا، تخسر الدول من شعوبها المئات والآلاف، بل والملايين، ولكن على فترات زمنية طويلة نسبيًا من عمر تلك النزاعات.

فرنسا، تعتبر واحدة من أكثر البلدان التي خسرت الآلاف من جنودها، وذلك خلال الحرب العالمية الأولى وقبلها، وكان ذلك في أيامٍ معدودة.

في التقرير التالي نستعرض نكبتين تعرضت لهما فرنسا، مع التركيز على الكارثة الأكبر، والتي خلفت عشرات الآلاف من الجنود، كانت كفيلة بإنهاء حضارات وزوال دول، لولا تكاتف الشعب الفرنسي واصراره على الحياة والنجاح.

كارثة “واترلو” (Battle of Waterloo 1815)  


تعتبر معركة “واترلو”، واحدة من أسوأ ذكريات التاريخ العسكري لفرنسا، والتي وقعت قبيل الحرب العالمية الأولى في 18 يونيو 1815، أي قبل نحو قرن من اندلاع الحرب العالمية الأولى التي انطلقت في أواخر شهر يوليو من العام 1914.

فقد سعت القوات الفرنسية خلال تلك الحرب، التي وقعت أحداثها على أراضي بلجيكا – حيث يُنسب اسم المعركة إلى قرية “واترلو” القريبة من العاصمة البلجيكية بروكسل – وقاد الجيش الفرنسي فيها “نابليون بونابرت”، أحد أساطير العسكرية الفرنسية، لصد جيوش التحالف، المكونة من القوات البريطانية والبروسية.

أما عن وقائع الحرب، فقد احتضنت بلجيكا أحداثها، حيث وصلت قوات التحالف الإنجليزي البروسي، المعروف باسم “التحالف السابع”، إلى بلجيكا، ومن الطرف الآخر كانت جيوش فرنسا، على أن تتوافد إلى جهة الراين جيوش بقية الحلفاء ” هولندا المتحدة، مملكة هانوفر، ناساو، برونزويك دوقية براونشفايغ”، وعين الجيش الإنجليزي على قيادته “دوق ويلينجتون”، ويقدر تعداد جيشه 68.000 جندي، أما الجيش البروسي فكان تحت قيادة “المارشال بلوخر”، وتعداد جيشه 50.000 جندي، فيما كان تعداد الجيش الفرنسي بقيادة الامبراطور “نابليون بونابرت” 72.000 جندي، وارتكزت خطة نابليون على الفصل بين الجيشين والقضاء على كل جيش بمفرده قبل وصول جيوش بروسيا والنمسا.

تأخر بدء المعركة بعض الوقت بسبب الأمطار والوحول في اليوم السابق، وهذا ما أعاق تنقل المدفعية، وقبل بدء المعركة حاول الفرنسيون السيطرة على قلعة صغيرة تقع على الجانب الغربي من أرض المعركة والتي كان يحتلها الإنجليز، ولكن فشلت محاولاتهم، وفي ظهر ذلك اليوم أمر نابليون بأن تسلط قذائف المدفعية على جنود الجيش الإنجليزي مما سبب خسائر كبيرة في جنود ولينجتون.

 وفي بداية حلول المساء وصل (بلوخر) بقواته إلى ولينجتون الذي كان موقفه حرجاً أمام نابليون، وتم التحام القوتين في الوقت اللازم، وهنا اتخذ نابليون أمره بهجوم فرقة الحرس الامبراطوري وتراشقت المدافع النيران بالتناوب، ولما حاول توجيه ضربة لقلب جيش الإنجليزي مُني نابليون بخسارة كبيرة وتساقطت أمامه زهرة جنوده المخضرمين من الحرس الامبراطوري في جيشه، بينما اجتمعت قوات (بلوخر) و(ويلينغتون) معاً.

ورغم أن (نابليون) أوقع في صفوف أعدائه خسائر فادحة لكنه لم يسحقها، بل بدأت مدفعية الإنجليز تحصد فرسانه التي وجهها إلى قلب القوات الإنجليزية.

تحولت تلك المعركة إلى كارثة عسكرية محققة للفرنسيين، مُنيوا خلالها بهزيمة ساحقة، حيث لاقي ما لا يقل عن 7 آلاف جندي حتفهم في يومٍ واحد.

وتعتبر معركة “واترلو” الفصل الختامي لامبراطورية نابليون بونابرت القائد الفذ قاهر أوروبا، الذي عاد إلى باريس وتنازل عن العرش وتم نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا .

نكبة “الأردين” (Battle of the Ardennes 1914) 

تعتبر موقعة “واترلو”، بنتائجها الكارثية عسكريًا وسياسيًا على الفرنسيين، أخف وطأة، إذا ما قورنت بنكبة “الأردين”، التي وقعت أحداثها بعد نحو قرن من الكارثة الأولى، وذلك في بداية الحرب العالمية الأولى، مع اختلاف العدو في تلك المعركة.

مع بداية أحداث الحرب العالمية الأولى، سجل التاريخ الحديث مذبحة حقيقة تعرضت لها القوات المسلحة الفرنسية، حيث شهدت سقوط عشرات الآلاف من جنودها في يوم واحد من المعارك.

المذبحة بدأت فصولها، بقصف شرس بالرشاشات من قبل القوات الألمانية، على الجبهة الغربية، الممتدة بطول 400 كيلو متر ما بين بلجيكا ومنطقة “لورين”، حولت المنطقة بأسرها إلى بركة من الدماء، وكانت الحادثة شاهدة على بداية عصر جديد، تميز بالارتفاع الرهيب في أعداد القتلى، والذي يرجع الفضل فيه إلى تطور الأسلحة، بالتزامن مع استمرار تأخر فرق المشاة.

مثلت معركة “الأردين”، والتي وقعت خلال الفترة ما بين يومي 21 إلى 23 من شهر أغسطس عام 1914، واحدة من الفصول السيئة لحروب الحدود بين ألمانيا من جانب، وفرنسا وبريطانيا من جانب آخر، مع مطلع الحرب العالمية الأولى.

الهزيمة الكارثية والقاسية التي تعرض لها الجيش الفرنسي على يد نظيره الألماني، في معركة “لورين”، التي وقعت في 20 أغسطس عام 1914، فقد عاشت مناطق “الأردين” و”شارليروا” أسوأ أيامها، في اليومين اللاحقين، إثر المعارك العنيفة التي نشبت فيها، حيث التحمت قوات الجنرال الفرنسي ” تشارلز لانريزك”، الذي قاد الجيش الفرنسي الخامس، التحامًا داميًا بقوات الجيش الألماني الثاني، التي قادها الجنرال “كارل فون بلو”.

في الثاني والعشرين من شهر أغسطس من عام 1914، حصدت المعارك في “الأردين” و”شارليروا” و”روسينيول” أرواح أكثر من 27 ألف جندي فرنسي، خلال يومٍ واحدٍ، وهو الرقم المُعادل لعدد الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم إبان “حرب التحرير الجزائرية”، التي استمرت أكثر من 7 سنوات.

مع وصول أعداد القتلى في صفوف القوات الفرنسية، لهذا العدد الضخم، فقد مثَّل صدمة قاسية للقيادة العسكرية في فرنسا، فأصبح يوم 22 أغسطس عام 1914 أكثر الأيام دموية في التاريخ العسكرية لفرنسا.

أما في ألمانيا، فقد تفاجئ القيصر ” فيلهلم الثاني” لدى سماعه بأرقام القتلى والخسائر البشرية للفرنسية في تلك المعارك، ومع أواخر اليوم، وجه القيصر جنرالاته للتأكد من حقيقة هذا العدد الهائل من القتلى، وإمكانية استسلام فرنسا.

وخلال اليوم ذاته، التحم جنود الجيش الثالث الألماني تحت قيادة الجنرال ” ماكس فون هاوسن”، بزملائهم من الجيش الثاني، فزاد عدد قوات المشاة الألمان، وتوافر لديهم أكثر من 300 رشاشة إضافية، فيما خاب أمل الفرنسيين في وصول المدد من القوات البريطانية لدعمهم.

وفي يوم 23 أغسطس 1914، أُبلغ الجنرال ” تشارلز لانريزك” قائد الجيش الخامس الفرنسي، بسقوط وانهيار القوات على طول خط الجبهة الحدودية، فاتخذ قرارًا انفراديًا، ودون استشارة القيادة العسكرية بسحب قوات الجيش الخامس، بغرض إعادة تنظيم جبهة دفاعية جديدة، وكان مبرره في الانسحاب، هو الخوف من نهاية دولة فرنسا بأسرها، حال سقوط آخر جيوشها.

ربما يعجبك أيضا