الإمارات.. قاب قوسين أو أدنى من حلم “المريخ”

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل 

48 ساعة فقط تفصلنا عن “الأمل” ، فتحت عنوان “العرب إلى المريخ”، تنطلق أول مهمة فضائية عربية إلى الكوكب الأحمر في 15 يوليو في إطار رحلة لاستكشافه، حلم أصبح حقيقة متجسدا في “مسبار الأمل” الذي تطلقه الإمارات لتحيى بذلك حلما عالميا امتد لما يقرب من 60 عاما لتصبح بذلك أول دولة عربية تضع مسباراً غير مأهول في المدار لاستكشاف الكوكب الأحمر.

الطريق إلى المريخ

من المقرر أن ينطلق المسبار الذي يبلغ وزنه 1350 كيلوجراما، وهو بحجم سيارة رباعيّة الدفع تقريبا، من مركز تانيغاشيما الفضائي الياباني في 15 يوليو الجاري، ولكن مع احتمال تغيير الموعد حتى 3 أغسطس المقبل، علماً بأن تحديد موعد نافذة الإطلاق يخضع لحسابات علمية دقيقة تتعلق بحركة مدارات كل من كوكبي الأرض والمريخ، بما يضمن وصول المسبار إلى مداره المخطط له حول المريخ في أقصر وقت ممكن، وبأقل طاقة ممكنة.

ويتوقع أن يصل “مسبار الأمل” إلى مدار كوكب المريخ في فبراير 2021 بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بيوبيلها الذهبي ، ومرور 50 عاما على إعلان الاتحاد عام 1971.

سيستغرق “الأمل” 7 أشهر للسفر لمسافة 493 مليون كيلومتر إلى المريخ ليصل في فبراير 2021، وبمجرد دخوله المدار، ستستغرق كل حلقة 55 ساعة بسرعة متوسطة تبلغ 121 ألف كم في الساعة، بينما يقتصر الاتصال بمركز القيادة والسيطرة الإماراتي على ست إلى ثماني ساعات مرتين في الأسبوع، وسيظل المسبار في المدار لمدة سنة مريخية كاملة، أي 687 يوما.

إلى ذلك، ستنقل ثلاث وسائل تقنية مثبتة على المسبار صورة كاملة عن أجواء الكوكب الأحمر طوال السنة المريخية. وأولى هذه الوسائل مختصة بالأشعة تحت الحمراء لقياس الغلاف الجوي السفلي وتحليل هيكل درجة الحرارة، والثانية عبارة عن جهاز تصوير عالي الدقة يوفّر معلومات حول مستويات الأوزون.

أما الثالثة، فهي مقياس فوق بنفسجي لقياس مستويات الأكسجين والهيدروجين من مسافة تصل إلى 43000 كيلومتر من السطح.

لماذا المريخ؟

يعرف المريخ كذلك باسم “الكوكب الأحمر”، بسـبب أكسدة المعادن الحديدية في تربته، بما يضفي اللـون الأحمر علـى التربة والجو، وتبلغ الجاذبية على سطحه نحو ثلث الجاذبية على كوكب الأرض.

يحتل كوكب المريخ المرتبة الرابعة من ناحية البعد عن الشمس، وهـو ثاني أصغر كواكب النظام الشمسي، حيث يبلغ قطره نصف قطر كوكب الأرض ويدور حوله قمران هما “فوبوس” و”دييموس”.ويمتاز كوكب المريخ بأنه كوكب صخري مـن النوع الأرضي، مع سطح صلب غيرته البراكين والرياح والحركات القشرية والتفاعلات الكيميائية.

وتعـود أسباب تسارع وتيرة السعي وراء استيطان المريخ إلى الإجماع العالمي حول قضية الكثافة السكانية على كوكب الأرض والتي يتوقع أن تؤدي إلى استنفاد سريع للموارد الطبيعية، وانقراض أنواع من الحيوانات بالكامل وعلى نطاق واسع، الأمر الذي يهدد الجنس البشري نفسه.
لذلك أصبح البحث عن كوكب بديل يمكن للبشر الاستقرار على أرضه أمرا لا مفر منه وأولوية لدى الحكومات ورجال الأعمال المعنيين حقا بالمساهمة في إنقاذ البشرية.

وشكل التشابه بين كوكبي المريخ والأرض والقرب النسبي بينهما بمتوسط مسافة 225 مليون كيلومتر، أبرز الأسباب التي جعلت الكوكب الأحمر مرشحا رئيسيا للاستكشاف، وهدفا للدراسة باعتباره كوكب محتمل للسكن فيه مستقبلا.

ويستغرق يوم المريخ ما يزيد قليلا على 24 ساعة وتعادل سنة المريخ 687 يوما على كوكب الأرض.

ولا يدعـم سـطح المريخ بوضعه الحالي أي حياة فوقه، غير أن متوسط درجة الحرارة ليس شــديدا للغاية بوجود الحلول الواقية للبشرة، علاوة على أن تربته تحتوي على المياه التي يمكن استخراجها، كما أن هناك قدرا كافيا مـن ضوء الشمس يصلح لأخذه في الاعتبار كمصدر محلي للطاقة باستخدام الألواح الشمسية.

ما قبل الانطلاق

يقود فريق من الكوادر الإماراتية الشابة بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين والعلميين لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ عمليات تجهيز “مسبار الأمل” للإطلاق، بما في ذلك التجارب النهائية واختبارات ما قبل الإطلاق في المحطة الفضائية في اليابان، وتتضمن الاختبارات إجراء فحوص نهائية لوظائف المركبة الفضائية ، فمنذ وصوله بنجاح إلى المحطة الفضائية في جزيرة تانيغاشيما اليابانية في أبريل الماضي، يخضع “المسبار” لعمليات تجهيز فائقة الدقة للإطلاق، تستغرق 50 يوم عمل، وتتضمن تعبئة خزان الوقود للمرة الأولى بنحو 800 كيلوجرام من وقود الهايدروزين، وفحص خزان الوقود، والتأكد من عدم وجود أي تسريبات، إضافة إلى اختبار أجهزة الاتصال والتحكم، ونقل المسبار إلى منصة الإطلاق، وتركيب المسبار على الصاروخ الذي سيحمله إلى الفضاء، وشحن بطاريات المسبار للمرة الأخيرة.

محاولات متكررة

على الرغم من أن محاولات الوصول للمريخ تعود إلى العام 1960، فإن تحقيق تقدم في حجم المعرفة البشرية حول أسرار المريخ اصطدم بعدة تحديات، أهمها فشل ثلثي المحاولات في الوصول للكوكب الأحمر، وترجع أولى المحاولات للاتحاد السوفييتي الذي حاول إرسال أول مسبار للمريخ أطلق عليه “MARSNIK1” ولكنه فشل في الخروج من المدار الجوي للأرض.

وفشلت 10 محاولات أخرى للاتحاد السوفييتي، حتى جاء عام 1971 حين نجح المسبار “Mars 3” في الوصول إلى وجهته ودرس الكوكب الأحمر لمدة 8 أشهر من خلال الدوران حول المريخ قبل أن يهبط على سطح الكوكب وجمع معلومات لمدة 20 ثانية فقط.

وعلى مستوى الولايات المتحدة كانت أول محاولة في عام 1964 عبر المسبار “Mariner 3” ولكنه فشل بسبب عطل فى الألواح الشمسية المثبتة على جانبي المسبار، مما جعل تحليقه صعبًا حول المريخ، ولكن المسبار “Mariner 4” والذي تم إطلاقه في نفس العام نجح في مهمته بأن يكون أول مسبار يدرس سطح كوكب المريخ عن كثب، حيث أرسل ولأول مرة حوالي 22 صورة للكوكب الأحمر بعد أن استطاع التحليق بالقرب منه.

الإمارات من الفضاء

تملك الإمارات تسعة أقمار اصطناعية في الفضاء للاتصالات وجمع المعلومات ولديها خطط لإطلاق ثمانية أقمار أخرى في السنوات القادمة.

وفي سبتمبر الماضي، أصبح “هزاع المنصوري”، أول رائد فضاء إماراتي، وكان ضمن فريق مكوّن من ثلاثة أفراد انطلقوا من كازاخستان نحو محطة الفضاء الدولي. والمنصوري أول عربي يزور محطة الفضاء الدولية.

ولكي تصل الإمارات إلى هذه المرحلة وظّفت في 2017 مهندسين وتقنيين لتصوّر كيف يمكن أن تُبنى مدينة على الكوكب الأحمر، ومن ثم إعادة إنشائها في صحراء الإمارة باسم “مدينة المريخ للعلوم” بتكلفة تبلغ حوالي 500 مليون درهم.

الطموح الأكبر 

اهتمام دولة الإمارات بعلوم الفضاء والفلك ليس وليد اللحظة، بل يرجع إلى سبعينيات القرن الماضي عندما التقى الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان” مع فريق وكالة ناسا المسؤول عن رحلة أبولو إلى القمر، حيث كان هذا اللقاء حافزاً لتوجيه اهتمام الإمارات بالفضاء منذ ثلاثة عقود، لذا يقوم طموح الإمارات الأكبر على بناء مستوطنة بشرية على المريخ خلال المئة عام القادمة بحلول سنة 2117.

ربما يعجبك أيضا