«الاحترام المُتبادل».. فصل جديد لإحياء العلاقات الأوروبية الأمريكية

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

تبديل جديد للحكومة في واشنطن ونهج مُحدث لسياستها الخارجية، تأمل من خلاله العديد من دول الاتحاد الأوروبي تغيير الخطاب السائد، وحدوث تقارب لوضع نهاية لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية المُتقلبة، خاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

وفي حقيقة الأمر، ربما لا يغير هذا أو ذاك كثيرًا في الاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة، ولكنه يُعد أحد التغيرات الجذرية للعديد من القضايا الرئيسية، أهمها العودة لسياسة الاحترام المُتبادل.

فبعد مرور 4 سنوات، تحت قيادة ترامب كانت قد شهدت فتورًا في العلاقات بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، والتي زادت من شأنها حدة التوترات والتعقيدات بين الطرفين، بدأ التكتل الأوروبي في رسم خارطة طريق جديدة لإعادة الثقة المُتبادلة خاصة بعد تولي الرئيس جو بايدن مقاليد حكم البيت الأبيض.

طي صفحة ترامب

تصعيد الأزمات والتخبطات بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن في عهد ترامب، أشعل نيران التوتر بينهما، مما أجبر الطرفان على الدخول لنفق مُظلم غير مسبوق، فالرئيس الأمريكي -آنذاك- نقل بلاده من حليف للأوروبيين إلى خصم لهم، فيقول البعض أنه حمل شعار المال أولًا بدلًا من أمريكا أولًا، كناية عن تدمير العمل المشترك بينهما.

إذ جاءت تلك التوترات على أكثر من صعيد، أهمها الملفات الخلافية حول التجارة وفرض رسوم جمركية من قبل واشنطن على بضائع أوروبا، وأخرى تتعلق بالمخصصات المالية لدول حلف شمال الأطلسي، فضلًا عن ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب من اتفاقية باريس الدولية للمناخ، والأزمة الليبية، وقبل ذلك مسألة أمن أوروبا ومقايضتها بزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي أو التهديد بسحب القوات الأمريكية من القواعد الأوروبية.

وإضافة إلى ذلك لم يخف ترامب منذ صعوده للحكم، انتقاداته للاتحاد الأوروبي عندما دعم القرار البريطاني بالخروج منه، متحدثًا عن أن دولاً أخرى ستتخذ المسلك ذاته، مما زاد الطين بلة، وزاد الخلاف بشكل غير مسبوق، بعد أن كانت واشنطن ترى أن مصلحتها في توحيد أوروبا ودعم زيادة قوتها.

ففي الاتفاقات التجارية، تعامل ترامب مع الاتحاد الأوروبي بمنطق المساومة، حيث طالبه بإيقاف كل القيود التجارية المفروضة على المنتجات الأمريكية، وهو ما رد عليه الاتحاد بالتهديد بفرض رسوم مضادة جديدة على منتجات أمريكية معينة وبتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية.

أما مع الحلفاء الأوروبيين، فقد وجه ترامب ضربة تلو الأخرى للتعددية التي يوليها الأوروبيون أهمية بالغة كنهج في التعامل مع التحديات الدولية، وصدم حلفاء بلاده حينما وصف الاتحاد الأوروبي بأنه خصم في مجال التجارة بينما أخاف الجميع بتودده لروسيا.

وعلى نطاق المعاهدات الدولية، فقد انسحب أو هدد ترامب بالانسحاب من بعضها، إذ انسحبت واشنطن من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، ومن الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، وبدأت عملية الانسحاب من منظمة الصحة العالمية في خضم جائحة كوفيد19 العالمية، كما عزز ترامب منظمة التجارة العالمية (WTO) وحلف شمال الأطلسي.

وبطي صفحة ترامب للأبد بتولي بايدن مقاليد الحكم، تطلع الاتحاد الأوروبي لفتح حقبة جديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة، في ظل حكم الرئيس المُنتخب الجديد، معربًا عن ارتياحه لتغيير الإدارة الأمريكية، الأمر الذي طرح التساؤلات حول ما إذا كان هذا الأمر سينجح أم سيمر بمزيد من التعقيدات؟

حقبة جديدة.. وترحيب أوروبي حذر

مع فوز الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الأمريكية، بدأت أوروبا تُعد نفسها لمرحلة جديدة من العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن طغى على حديثها الحذر الشديد لما هو قادم.

ففي الـ20 من يناير الجاري، وتحديدًا يوم تنصيب بايدن لمقاليد حكم البيت الأبيض، أبدت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية سعادتها بطي صفحة ترامب، وبانتهاء سياسة “أمريكا أولًا”، مضيفة: “الفجر الجديد الذي يبزغ في أمريكا هو اللحظة التي كنا ننتظرها”.

لكنها حذرت من أن “هذا الشعور بالارتياح.. يجب ألا يقودنا إلى أوهام.. ترامب سيكون من التاريخ خلال بضع ساعات لكن أنصاره باقون”، مشيرة إلى إنه قد لا يكون من الممكن “القضاء نهائيًا على أي من قوى الظلام هذه.. ولكن يجب ألا يُسمح بتداول خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة بحرية على الإنترنت”، في إشارة إلى اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونغرس (الكابيتول) قبيل حفل التنصيب.

ومن ناحية أخرى، قال شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي: “اليوم (تنصيب بايدن) هو أكثر من مجرد انتقال للسلطة.. بل هو فرصة لإعادة الحيوية للعلاقات عبر المحيط الأطلسي والتي تضررت بشدة في الأعوام الأربعة الماضية”.

وأضاف: “أوجه اقتراحًا رسميًا للرئيس الجديد، في اليوم الأول من تفويضه، دعنا نضع اتفاقًا تأسيسيًا جديدًا من أجل أوروبا قوية وأمريكا قوية وعالم أفضل”، وذلك من خلال العمل على خمس أولويات وهي تعزيز التعاون متعدد الأطراف، مكافحة كوفيد-19، معالجة تغير المناخ، الانتعاش الاقتصادي في ظل التحول الرقمي، إضافة إلى توحيد الجهود من أجل الأمن والسلام.

ملفات عالقة

ارتياح الاتحاد الأوروبي لقدوم حقبة بايدن، لم يتحقق بهذه البساطة، إذ يتوجب على الطرفين عودة الوضع القديم إلى طبيعته السابقة، قبل سنوات ترامب العجاف، وذلك من خلال سياسة احترام الاتفاقات المُتبادلة، وعدم التضحية بالشراكات طويلة الأمد من أجل الربح السياسي المحلي، فيما يعرف بالتوافق الأوروبي الأمريكي الجديد.

ولتحقيق ذلك، لابد من العمل على قدم وساق بين الجانبين، من أجل حل مجمل الملفات العالقة بينهما مثل الاتفاق النووي، والأزمة الليبية، والحرب التجارية، واتفاقية المناخ التي أعلن بايدن عن عزمه الرجوع إليها، علاوة على العودة إلى منظمة الصحة العالمية.

في المقابل، يرى المحللون أن حدوث هذا التوافق وخاصة فيما يخص الاتفاق النووي الإيراني، قد يصعب الموقف الأمريكي في ظل المتغيرات الحالية، وبالتحديد في هذا الملف، إذ يعد رفع العقوبات عن إيران أمرًا ليس سهلًا، كما لا يوجد ضمان على قبول إيران إجراء تعديلات في الاتفاق النووي وفق شروط جديدة، فضلاً عن إمكانية إدراج دول عربية في الاتفاق من عدمه، مع العلم أن الجانب الأوروبي لا يُحبذ وجود إسرائيل أو الدول العربية في هذا الاتفاق.

كذلك يمثل التعامل مع الصين، نفس الإشكالية، نظرًا لعدم وجود رؤية موحدة بين الأوروبيين والأمريكيين في آلية التعامل مع الصين، والتي تعد شريك تجاري مهم لكلا الطرفين.

وفي سياق متصل، يأمل الاتحاد الأوروبي إنهاء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، لاسيما أن هناك مباحثات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عضوان فيها) حول أن الضرائب الرقمية يفترض أن تنتهي في منتصف 2021، في الوقت الذي حبذ فيه بايدن أن يكون هناك حد أدنى للضرائب الرقمية تُطبق في العالم.

أما ملف حلف الناتو وأمن أوروبا، فيبدو أن هناك تعويل على إمكانية إعادة بناء تحالف الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة عقب تنصيب بايدن.

وفي هذا الصدد، نشر الرئيس الأمريكي المُنتخب مقالة في “فورين أفريز” توضح نهجه تجاه الأطلسي، إذ أكد أن “التزام الولايات المتحدة مُقدس، ويقع حلف الناتو في قلب الأمن القومي للولايات المتحدة”، واصفًا إياه بـ “تحالف القيم”.

وأخيرًا تقع أمريكا في مأزق الخيارات المتاحة أمام بايدن حيال تركيا في ملفي الغاز وليبيا تحديدًا وهما الملفين الذين باتا يُعكران علاقة تركيا بالقوى الأوروبية.

وفي هذا السياق، يرى محللون إنه يتوجب على أمريكا العمل وفق سيناريو توافقي في ظل وجود رأي في الإدارة الجديدة يشدد على أهمية إبقاء علاقات قوية مع تركيا، في ظل الخلاف الأوروبي حول التعامل مع تركيا نتيجة تباين المصالح داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، باعتبار أن (ألمانيا وإسبانيا والبرتغال) لا تتأثر مصالحها كثيرًا، كما علاقتها مع تركيا، بما يجري في ليبيا أو شرق المتوسط، فضلاً عن توافق إيطاليا مع تركيا في تصوراتهما للأزمة الليبية وسُبل حلها.

سُبل الإصلاح.. والتعاون المشترك

المباحثات والمسارات التي يسعى كلا الطرفين الآن إلى انتهاجها، قد تؤدي إلى ميثاق جديد تصبو دول الاتحاد الأوروبي لصياغته مع الإدارة الأمريكية الجديدة بهدف وضع حد لفتور العلاقات بينهما لمدة 4 سنوات.

لذلك بحث وزيرا خارجية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أمس الخميس، سبُل “إصلاح” العلاقات بين واشنطن وبروكسل، حيث أكد جوزيب بوريل وأنتوني بلينكن، على أن فصلًا جديدًا في العلاقات الأوروبية الأميركية سيُفتح بعد رحيل ترامب عن السلطة، من دون أن يذكراه بالاسم.

ووفق بيان لوزارة الخارجية الأميركية، ناقش بلينكن وبوريل “سبل إصلاح وتنشيط ورفع مستوى الطموح في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”، وشكر بلينكن الاتحاد الأوروبي على “قيادته في السنوات الأخيرة”.

من جهتها، قالت المفوضية الأوروبية في بيان إن “تجديد الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة” شكّل الرسالة الرئيسية التي وُجهت إلى الجانب الأميركي، مضيفة أن بوريل دعا بلينكن إلى حضور قمة لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي “في أقرب فرصة ممكنة”.

وشدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة التبادل في مجال “تعزيز التعددية والنظام العالمي القائم على القواعد”، مشيدًا بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية.

في المقابل، أكدت الولايات المتحدة رغبتها في العمل مع الاتحاد الأوروبي “لمواجهة التحديات المشتركة بما في ذلك كوفيد-19، وتغيّر المناخ وتدفق البيانات عبر الأطلسي والتعاون الاقتصادي، وقضايا متعلقة بالصين”.

ومن جانبه، أصدر البيت الأبيض بيانًا منفصلًا حول مكالمة أخرى بين جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لبايدن، وبيورن سيبرت مسؤول مكتب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، شملت الحديث عن تعاون الثنائي في قضايا متعلقة بالصين وبدولة أخرى “ذات اهتمام مشترك” هي تركيا.

في نهاية الأمر، نجد أن ما أفسده ترامب، على مدار 4 سنوات، قد يصعب على واشنطن إصلاحه بين عشية وضحاها، ولكن الأمر يتطلب في المقام الأول والأخير توافر العمل الجاد بين الطرفين من أجل العودة تدريجيًا إلى سياسات أكثر مهنية من شأنها حل جميع الملفات العالقة.

ربما يعجبك أيضا