الاستخبارات الألمانية .. إخفاق بتجنيد عملاء داخل الحركات الشعبوية “النازية”

جاسم محمد
رؤية ـ جاسم محمد
اتسع نطاق فضيحة “خلية دردشة نازية”، أمس الأحد، على تطبيق واتس آب، تورط فيها شرطيون وشرطية ألمانية في مدينة فرانكفورت.
وقررت السلطات توقيف الشرطيين الخمسة والتحقيق معهم بعد وصول خطاب لمحامية تركية يتضمن تهديدا بقتل ابنتها، وقررت السلطات توقيف أربعة شرطيين وشرطية رهن التحقيق.
وفي إطار تهديدات اليمين المتطرف، أصدرت محكمة مدينة ميونيخ يوم 11 يوليو 2018 حكمها بشأن خلية “NSU” اليمينية المتطرفة بالحكم بالسجن المؤبد ضد المتهمة الرئيسية بياته تشيبه (43 عاما) وأربعة متهمين آخرين، لتختتم بذلك واحدة من أطول وأكثر القضايا تكلفة في التاريخ القضائي لألمانيا بعد الحرب.

لذا باتت عضوة الخلية اليمينية المتطرفة “تشيبه” متورطة في كافة الجرائم التي ارتكبتها وهي قتل تسعة أفراد منحدرين من أصول تركية ويونانية، وشنّ هجوم مميت على أفراد الشرطة، وتنفيذ هجوم تفجيري على متجر تابع لأسرة إيرانية في كولونيا، وتفجير قنبلة مسامير شديدة الانفجار في نفس المدينة، وارتكاب عدة جرائم سطو مسلح، وذلك خلال الفترة من 2000 و2007.

انتقادات لأجهزة الأمن الألمانية
وصف المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا الحكم الصادر ضد خلية “NSU” اليمينية  المتطرفة بأنه غير كافٍ، وطالب بإجراءات قانونية إضافية.
واعتبر أن عدم تسليط الضوء على دور أجهزة الاستخبارات الداخلية يعتبر “فشلا وعبئا كبيرا على أسر الضحايا وعلى السلم الاجتماعي في ألمانيا”.
كما طالب المجلس بإحداث منصب مفوض خاص بالعنصرية يقدم تقريرا سنويا للبرلمان الألماني.
وانتقدت “مارتينا رينر” -خبيرة المجموعات اليمينية المتطرفة في كتلة حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني- موقف الحكومة الاتحادية، واتهمت رينر برلين بتجاهل إرهاب اليمين المتطرف قائلة: “لا يمكن تفسير الأمر إلا بهذه الطريقة، إذ أن مكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة لا يمتلك معلومات حول هذا الموضوع ويلتزم الصمت”.
إخفاق الاستخبارات الداخلية
التحقيقات كشفت إخفاق الاستخبارات الألمانية الداخلية بتجنيد عملاء “نازيين” مزدوجيين من داخل الحركات اليمينية المتطرفة، ومنها العملاء المعنيين بمتابعة تفاصيل خلية “NSU “.
من جهة أخرى، تثير حالة مخبر آخر مزيدًا من الفضول، إذ إن المدعو “أندرياس ت” يعتبر قائدا للمخبرين النازيين.
أندرياس كان حاضرًا عند إطلاق النار على ضحية الخلية النازية “خالد يوزقات”، في محل خدمة الانترنت الذي كان يملكه في مدينة كاسل، يرجح أن “بياتو” كان على علم بمكان أعضاء الخلية بعد اختفائهم أواخر التسعينات.
ويبدو أن الاستخبارات الداخلية الألمانية كانت على علم بخلية النازيين الجدد لكنها لم تكشف ذلك.
وما يعزز هذه الفرضية هو أن كل محاولات التحقق من وجود دور ما لهيئة حماية الدستور باءت بالفشل، سواء في لجان التحقيق المنبثقة عن البرلمان الألماني أو في قضية خلية النازيين الجدد.
تنامي التيارات الشعبوية
كشفت الاستخبارات الألمانية في مايو 2018 عن امتلاك (1200) شخص من المنتمين لحركة “مواطني الرايخ” و750 شخصا من اليمين المتطرف يملكون أسلحة بطريقة قانونية،وتسعى السلطات إلى نزع رخص وأسلحة مواطني الرايخ ومنظمات مشابهة معادية للمؤسسات الألمانية. وفي هذا الصدد أعلنت الحكومة الألمانية أنها نزعت سلاح (450) شخصا من مؤيدي هذه الحركات.
ومن جانبها اعلنت الاستخبارات العسكرية الألمانية -في تقريرها، خلال شهر يناير 2018- عن زيادة عدد الحالات المشتبه في انتمائها لليمين المتطرف بالجيش الألماني خلال العام 2017  أن هناك (400) حالة اشتباه بشأن الانتماء لليمين المتطرف جديدة ظهرت في عام 2017.
يشار إلى أن عدد حالات الاشتباه من هذه النوعية كان يبلغ سنويا (300) حالة في المتوسط .
تناولت العديد من الصحف الألمانية -خلال شهر يوليو 2018- مقطع فيديو يظهر فيه أعضاء من الحزب القومي الألماني اليميني المتطرف (النازيون الجدد) وهم يقومون بدوريات “حماية” في قطارات العاصمة برلين.
ويُظهر مقطع الفيديو عدة رجال في محطة للقطارات في برلين، يرتدي اثنان منهما سترات برتقالية تحمل شعاراً على شكل حرف “S” في الخلف، كما يحملون أجهزة اتصالات لاسلكية، ويتنقل أولئك الرجال بين القطارات ويتحدثون مع الركاب، وهذا الفيديو الدعائي هو جزء من حملة يقوم بها الحزب اليميني المتطرف لتأسيس ما يسميها بـ”مناطق الحماية”، حيث يتهم السلطات الألمانية بأنها لا تقوم بواجبها لمقاومة الجريمة، و”حماية المواطنين”.
الخلاصة
إن الحركات اليمينية الشعبوية، “النازية” في ألمانيا باتت بالفعل تهديدًا للأمن القومي الألماني والسلم الأوروبي والدولي.
هذه الحركات أصبحت مراكز “استلهام” أو وهج للحركات الشعبوية في عموم أوروبا، وترفع نفس الشعارات” أوطان وحريات” إشارة إلى رفضها الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن هذه الحركات تتخذ الهجرة وسيلة وحجة لمهاجمة الأجانب والمهاجرين، لكنها في الحقيقة تمثل خطرًا يهدد حكومات أوروبا واستقرارها أكثر ما تهدد الأجانب.
خطر التيارات الشعبوية الآن بدأ يظهر بوضوح، باجتياح الشارع والطبقة السياسية، وكأنه “الطوفان” يعيد رسم الخارطة السياسية الى اوروبا من جديد.
المعطيات الحالية السياسية في المانيا وأوروبا تقول أنه لا قدرة للحكومات ولا الأحزاب الاشتراكية في مواجهة المد اليميني، الحكومة الألمانية على سبيل المثال، اتجهت كثيرا نحو اليمين، بفرض اجراءات مشددة على الهجرة والأجانب، محاولة منها لتخفيف الضغوطات عليها من التيارات الشعبوية، دول أوروبا لم تعد بعد “أمهات الديمقراطية”.

أوروبا تتراجع كثيرًا في سجلات حقوق الإنسان والحريات، ومن المتوقع أن تشهد تراجعًا كبيرًا، والتخلي عن التزاماتها الأخلاقية والقانونية أمام المواثيق والاتفاقات الدولية.

ربما يعجبك أيضا