الانتخابات التركية.. انتفاضة المدن الكبرى في وجه “السلطان”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تشير النتائج الأولية للانتخابات البلدية التركية إلى هزيمة ساحقة للحزب الحاكم “العدالة والتنمية” بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، في البلديات الكبرى تحديدا في أنقرة وإزمير واسطنبول.. تلك المدن التي طالما افتخر أردوغان بأنه عمل على تطويرها وحولها إلى مقصد لرجال الأعمال والسائحين من كافة بلدان العالم، يبدو أنها انقلبت ضده وقررت الخروج من قبضته، عبر صناديق الاقتراع.

قبل ساعات قليلة كانت نتيجة اسطنبول محسومة لصالح مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدريم، إلى أن قال رئيس اللجنة العليا للانتخابات: إن النتائج التي وصلته تشير إلى حصول أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري على 4 ملايين و159 ألف و650 صوتًا، وبن علي يلدريم على 4 ملايين و131 ألف و761 صوتًا، موضحا أن مرحلة الاعتراض متواصلة، وأنه تم حتى الآن فرز أصوات 31 ألف و102 صندوق انتخابي في اسطنبول، و84 صندوقًا لم تفرز بسبب الاعتراض.

 حتى اللحظة -وبحسب بيانات نشرتها الوكالة الرسمية “الأناضول”- بلغ عدد صناديق الاقتراع التي تم فرزها  192,742 من أصل 194,678 صندوقا في عموم تركيا بنسبة “99%”، وبلغت الأصوات الصحيحة 45,970,921 من إجمالي 47,784,882 صوتا، أما نسبة المشاركة فبلغت نحو 84.5%، وفاز حزب العدالة والتنمية في 15 بلدية، مقابل 11 بلدية لـ”الشعب الجمهوري”.

وفق المؤشرات الأولية فاز تحالف “الشعب” المكون من حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية بأغلبية 51.71%، يليه تحالف “الأمة” المكون من حزبي الشعب الجمهوري و”الجيد” بنسبة 37.53%، فيما فقد حزب الشعوب الديمقراطي -المؤيد للأكراد-  بعض بلدياته في جنوب شرق البلاد، وأهمها “شرناق” التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية للمرة الأولى.

أنقرة بداية الهزيمة

كان من اللافت في هذه المؤشرات خسارة العدالة والتنمية لـ”الجائرة الكبرى” في أنقرة التي ظلت حكرا على تيار أردوغان منذ العام 1994، والخسارة فيها لصالح حزب الشعب الجمهوري “العلماني” تعد صفعة قوية لأردوغان، فهي العاصمة ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان ويوجد فيها مقرات الحكومة والقصر الرئاسي وتمثل أهمية استراتيجية للبلاد، ما يعني أن خسارتها تعادل خسارة الأرض في حرب أردوغان مع المعارضة.
 
في أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان “اسطنبول” وجه الناخبون أيضا رسالة واضحة لأردوغان، فبحسب بيانات اللجنة العليا للانتخابات تقدم مرشح “الشعب الجمهوري” ضد بن يلدريم رئيس البرلمان السابق وآخر رئيس وزراء لتركيا قبل الانتقال إلى النظام الرئاسي الصيف الماضي، في إشارة إلى رفض رموز النظام ككل، وخسارة اسطنبول لها رمزية أوسع فيما يتعلق بترجمة تراجع شعبية أردوغان، فمنها بدأ مسيرته السياسية وشغل منصب رئيس بلديتها في التسعينيات.

 أما إزمير وهي ثالث أكبر المدن من حيث عدد السكان وميناء التصدير الأول في البلاد، فجاءت الخسارة فيها بفارق كبير لصالح المعارضة، إذ حصل “الشعب الجمهوري” على 58% مقابل 38.6% لـ”العدالة والتنمية”.

في أنطاليا تواصلت الرسائل العقابية من الشعب لـ”العدالة والتنمية” بحصولة على 46.1% من الأصوات مقابل 50.6% لصالح غريمة الشرس “حزب الشعب الجمهوري”، وأنطاليا تمتلك أهمية استراتيجية كونها درة السياحة في تركيا وتستحوذ على نحو 34%  من الأماكن السياحية بالبلاد، وخسارتها تعد خسارة لمورد مالي ضخم للحزب الحاكم.

إنكار وعقاب

الانتخابات التي شارك فيها أكثر من 50 مليون ناخب، وتنافس فيها 12 حزبا، والتي كان يفترض أن تكون مجرد انتخابات محلية روتينية تحولت إلى استفتاء على شعبية أردوغان، في وقت يدفع فيه الاقتصاد التركي ثمن سياسات “مرتجلة” دفعته نحو تسجيل أسوأ ركود له منذ 10 سنوات، وارتفاع للتضخم بنحو 20%، وهبوط لسعر الليرة التركية بواقع الثلث، وسط توقعات بمزيد من الانهيار هذا العام وتعثر لمئات الشركات وارتفاع لمعدلات البطالة لتتجاوز معدلها الحالي 13%.

في خطاب ألقاه أمام حشد من أنصاره في مقر العدالة والتنمية بأنقرة، قال أردوغان: إن حزبه فاز في الانتخابات البلدية، وإن الشعب التركي جعل “العدالة والتنمية” في الصدارة للمرة الـ15 في الانتخابات، مضيفا اعتبارًا من صباح الإثنين سنقوم بتحديد أوجه القصور لدينا، والعمل على تلافيها، إذا كانت لدينا نواقص في أداء حزب العدالة والتنمية فإن إصلاحها دين على عاتقنا، فالسبب الوحيد الذي حال دون حصولنا على النتيجة المرجوة من الانتخابات هو عدم تقديم أنفسنا للشعب بشكل كاف.

وأضاف، لا توجد أمامنا أية استحقاقات انتخابية لمدة 4.5 عام وهي مدة سنركز خلالها على العمل على الصعيدين المحلي والدولي، وسنعمل على رفع دولتنا لمستوى الحضارات المعاصرة، وستكون أولويتنا خلال الفترة الممتدة للعام 2023 هي تعزيز الاقتصاد ومواصلة النمو مع التركيز على التكنولوجيا والتصدير وزيادة فرص العمل.

أردوغان خاض هذه الانتخابات وكأنها مسألة “حياة أو موت”، فشارك بشكل نشط في الحملة الانتخابية، حيث عقد أكثر من 100 مهرجان انتخابي خلال 50 يوما، وألقى ما لا يقل عن 14 خطابا يومي الجمعة والسبت لوحدهما في اسطنبول.. ولما لا فهذه الانتخابات هي الأولى بعد إعادة انتخابه في ظل نظام حكم يعطي الرئيس صلاحيات أوسع.

في أحد خطاباته الانتخابية اعتبر أن “بقاء الأمة” موضوع على المحك، داعيا إلى دفن أعدائها -خصومه السياسيين- في صناديق الاقتراع، بل أنه بالغ في هجومه على المعارضة فاتهمها بدعم الإرهاب، وسجن عدد من قادة حزب الشعوب الديمقراطي بذات التهمة، هذا فضلا عن التضيق الإعلامي على مرشحي المعارضة، وعلى الجانب الآخر اعتبرت المعارضة هذه الانتخابات فرصتها الأخيرة قبيل استحقاق 2023 للوصول إلى مراكز القرار ومعاقبة أردوغان على سياساته الاقتصادية، وهي رغبة وجدت صدى في الشارع التركي وترجمت في صناديق الاقتراع.

على الرغم من أن النتيجة لن تؤثر على قبضة أردوغان الرسمية على السلطة التنفيذية، فإن تآكل الدعم الشعبي لنظامه سيزيد من إلحاح الجهود المبذولة لإعادة الاقتصاد إلى مسار النمو واستعادة ثقة المستثمرين بعد سنوات من الإصلاحات “الشعبوية”، ما يعني أن الحزب الحاكم على موعد مع المزيد من النكسات.

ربما يعجبك أيضا