التصعيد في غزة.. مأزق حماس وأزمة إسرائيل والمعضلة بلا حل

محمد عبد الدايم

كتب – د محمد عبدالدايم

مع بداية شهر أغسطس طارت البالونات الحارقة مجددًا من غزة، وسقطت على المناطق المسماة “مستوطنات غلاف غزة”، بعد نحو نصف عام من الهدوء النسبي بين إسرائيل من جهة، وحماس من جهة أخرى.

أعقب إطلاق البالونات بشكل يومي إطلاق صواريخ، ثم انتقلت إسرائيل من التحذير إلى التهديد إلى الرد بإطلاق صواريخ على أهداف لحماس بغزة دون إسقاط ضحايا.

هكذا تتكرر المشاهد بين حين وآخر، بعد أن انهمك الطرفان – إسرائيل وحماس – في مواجهة الكورونا وتداعياتها؛ منذ فبراير الماضي، حتى طارت البالونات الحارقة مسببة الخوف والفزع بعض الحرائق، ثم أعقبها الصواريخ الصغيرة، آخرها ست قذائف صاروخية سقطت على مناطق بالنقب الغربي دون وقوع إصابات.

تراجع الاهتمام بسبب الكورونا

في استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، جاءت النتائج لتشير إلى تراجع اهتمام الجمهور الإسرائيلي بالتهديدات الأمنية، في مقابل اهتمام أكبر بالحالة الصحية والاقتصادية، والصخب الدائر في إسرائيل الآن يتركز في الجدل حول الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمواجهة ما يسمى بالموجة الثانية للكورونا، واعتبر أن التصعيد في غزة “قصة قديمة- جديدة”.

لم يؤد تعيين البروفيسور روني جامزو منسقًا لمكافحة الكورونا إلى تهدئة الرأي العام الإسرائيلي، أو تقليل الارتباك الحكومي في مواجهة الوباء، بسبب استمرار تراجع مؤشرات الاقتصاد، وإعلان الحكومة – بالتنسيق مع جامزو- إمكانية العودة للغلق الكلي، بينما يواجه الإسرائيليون أزمة اقتصادية كبيرة، كما أن السنة الدراسية الجديدة على الأبواب، بعدما تقرر العودة للدراسة هذا الأسبوع.

جانتس في موقف صعب، باعتباره وزير الدفاع المنوط به حماية إسرائيل، وفي الوقت نفسه هو رئيس هيئة أركان الجيش السابق، والذي كان يروج لنفسه في برنامجه الانتخابي عبر الفخر بنشاطه ضد غزة إبان العملية العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ “الجرف الصامد” (العصف المأكول) في الفترة من يوليو إلى أغسطس 2014.

جانتس قبلما يشترك في حكومة مع نتنياهو كان يهاجم سياسة الأخير فيما يتعلق بحماس وغزة، واعتبر أن سياسة بيبي تهدد أمن إسرائيل، وأنه – أي جانتس- إذا كان مسؤولا بالحكومة، سيكون رده على حماس قاسيا، بما يردعها بشكل قاس، والآن جانتس هو وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، ويواجه حماس بسياسة نتنياهو ذاتها، التي تتلخص في التهديدات، والاحتكاكات غير المباشرة، بما لا يؤدي إلى سقوط ضحايا من الحركة، أو استهداف مُركز للبنى التحتية في غزة.

أما نتنياهو؛ فقد هدد بالعودة إلى سياسة إسرائيل المفضلة، وهي التصفية، والاغتيال المركز لعناصر من حماس أو الجهاد الإسلامي، مثلما فعلت مؤخرا في نوفمبر الماضي، بتصفية بهاء أبي العطا القائد العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

فيما صادق رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي على استعدادات الجبهة الجنوبية لمواجهة أي سيناريو قد يحدث، بعد جلسة مع قائد المنطقة الجنوبية هرتسي هاليفي، وقائد فرقة غزة نمرود ألوني.

مع ذلك؛ حكومة إسرائيل الحالية منشغلة بملفات أخرى تأتي على حساب ملف غزة في الوقت الحالي، فهناك تداعيات الخلاف بين معسكري الحكومة، هاليكود وكاحول لافان، فيما يتعلق بميزانية 2020، والتي تم الاتفاق على تأجيلها، منعا لحل الكنيست والاتجاه لانتخابات رابعة، وهناك مشكلات كورونا، بما سببته من أزمات كبيرة على المستويين الصحي والاقتصادي، إضافة إلى عودة المدارس، وبالتالي؛ فالحكومة غير مستعدة للبحث حاليا عن حل جذري لمشكلة غزة، خصوصا وأنه لا يوجد حل جذري بهذه البساطة، فالأمر أصبح بالنسبة لإسرائيل معضلة صعبة بلا علاج في الوقت الحالي، ومن ثم تسعى الحكومة إلى زحزحة المشكلة كل يوم، أو تركها الرف، إلى حين تنتهي من المشكلات الأخرى، الطارئة، والمستجدة، مثل مشكلة الأمن في الشمال، والمواجهات المتقطعة مع حزب الله، ولا يمكن لإسرائيل أن تفتح جبهة عسكرية مع غزة في الوقت الذي تواجه فيه محاولات من حزب الله لاستفزازها، أو اقتناص أحد جنودها على حدود لبنان.

لذا، برغم ما يحدث حاليا من مواجهات “بسيطة”، ونفي إسرائيل وجود اتصالات مع حماس، فإنها تشترك مع أطراف أخرى، على رأسها مصر، في محادثات غير مباشرة مع حماس، للوصول إلى تهدئة، تكون استمرارا لاتفاق التهدئة الذي تم بين الطرفين في ديسمبر 2019، برعاية مصر، ومشاركة الأمم المتحدة.

نقلت القناة الإسرائيلية ريشيت 13 أن إسرائيل قدمت لحماس عرضًا بمساعدتها في مواجهة الكورونا، مقابل أن توقف الحركة إطلاق البالونات الحارقة التي أصبحت تسبب إحراجا لحكومة نتنياهو، فيما نقلت حماس لإسرائيل رسالة عبر محمد العمادي، السفير القطري، أنها ستلجأ للتصعيد ما لم توافق إسرائيل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والصحية بغزة، أي إن الطرفين يسعيان لتفادي الغضب الشعبي، في إسرائيل أو غزة، دون رغبة فعلية في الوصول إلى معركة عسكرية، رغم تحذير المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيقولاي ملادينوف من أن الوضع يتدهور سريعا.

تراجع الاهتمام بالتصعيد بين إسرائيل وحماس بسبب هذه التداعيات، إضافة للصخب المصاحب لإعلان اتفاق السلام مع الإمارات، ومع استمرار إطلاق البالونات الحارقة بشكل متواصل، ارتفعت نبرة التهديد الإسرائيلية، وخصوصا مع سقوط صاروخ على أحد المنازل دون ضحايا، ومع تسليط الضوء من قِبل الإعلام الإسرائيلي على الآثار التي تسببها البالونات الحارقة، مما وضع ضغطًا على حكومة نتنياهو – جانتس للرد.

ليست ثمة مؤشرات كبيرة على أن هذا التصعيد يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية، فالمؤكد أن الطرفين لا يرغبان في ذلك بالفعل، ومع ذلك، يشعر كل منهما بأنه مضطر للرد على الطرف الآخر، فإسرائيل من جانبها تحاول المواءمة بين رغبتها في تحجيم قوة حماس وردعها باستخدام القوة، وبين رغبتها في عدم التسبب في انهيار القطاع بشكل كامل، لأن تحسين شعور سكان غزة ببعض الأمن في ظل هذا الحصار يمكن أن يمنع مواجهة شاملة تشتعل نيرانها من يأس الفلسطينيين في غزة وغضبهم.

دوافع حماس

حماس ترغب في الضغط على إسرائيل من أجل تخفيف الإغلاق الشامل للقطاع المحاصر، واستمرار تطوير مشاريع البنى التحتية لتحسين الحياة في غزة، فرغم استمرار إطلاق البالونات؛ فإن حماس تصعد حملتها بنوع من الانضباط، كيلا تضطر لمواجهة عسكرية شاملة.

تتحرك حماس من أجل الضغط على إسرائيل، كي تقلل من الإغلاق الكامل على القطاع، بما في ذلك معبر كرم أبي سالم ومناطق الصيد في المتوسط، وتكتفي بغض الطرف عن التحركات الغاضبة للشباب الفلسطينيين الذين يطلقون البالونات الحارقة، للتنفيس عن يأسهم من البطالة والحصار.

كما تسعى حماس لإعادة تسليط الضوء على المنظمة، من أجل تعزيز مكانتها في المنطقة، خصوصا بعدما توارت خلف أحداث أخرى، تتمثل في مشاريع إسرائيل لضم الضفة الغربية، والحديث عن خطة ترامب المعروفة بـ”صفقة القرن”، وكذلك اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، وكذلك تسعى حماس لسحب البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية المترهلة في رام الله، والتي تواجه شبح الانزواء، مع الحديث عن صراعات داخلية، وكذلك الهجوم الأخير من سها عرفات أرملة الراحل ياسر عرفات.

إذًا تسعى حماس لتفادي تقويض سلطتها، وتراجع أهميتها في المنطقة، بما يهدد استقرار حكمها في القطاع، خصوصا مع الحديث عن صفقة لتبادل الأسرى بينها وبين إسرائيل، حيث ترغب حماس في أن تفرج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين، في مقابل معلومات مؤكدة عن الجنود الإسرائيليين والأسرى المخطوفين لديها، ويبدو أن الاتفاق على هذه الصفقة قد فشل حتى الآن، بسبب معارضة قيادات إسرائيلية لصفقة يتم بموجبها الإفراج عن مئات الفلسطينيين في مقابل “رفات” جنود، وأسير مدني من فلسطيني الداخل.

كذلك تدفع حماس للضغط على إسرائيل لاستمرار الإمداد المالي لها من قطر، وأيضا يسعى يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي للحركة إلى تثبيت أقدامه، والبرهان على أحقيته بمنصبه قبل الانتخابات الداخلية المتوقع حدوثها نهاية هذا العام.

في منتصف أغسطس زار وفد مصري غزة، من أجل الضغط للعودة إلى التهدئة بما يحفظ دماء الفلسطينيين، وكشفت تقارير إعلامية أن حماس توافق على التهدئة في مقابل فتح معبر كرم أبو سالم بشكل مستمر، وتمديد تصاريح استيراد وتصدير البضائع، وزيادة الشاحنات التي تنقل مواد بناء وبضائع إلى القطاع، وتوسيع منطقة الصيد في المتوسط، وزيادة كمية الكهرباء وكذلك زيادة المنحة القطرية.

إسرائيل تزحزح المشكلة

على الجانب الإسرائيلي؛ رئيس الوزراء البديل، وزير الدفاع، بيني جانتس برؤساء مستوطنات “غلاف غزة”، من أجل امتصاص غضبهم، وصرح لهم بأن إسرائيل “سترد على أي انتهاك” وأنهم “يعلمون كيف يُلحقون الضرر بالمباني والأهداف والأفراد لدى حماس”.

ربما يعجبك أيضا