السندات الأمريكية.. فقاعة العالم الجديدة نحو الكساد الكبير

حسام عيد – محلل اقتصادي

إشارات مقلقة بدأ سوق السندات الأمريكية في إرسالها مع تصاعد النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، بعدما تحول منحنى العائد إلى الاتجاه الهابط بوتيرة متسارعة، هي الأولى منذ عام 2008.

فالعائد على سندات الخزانة الأمريكية لآجل 30 عاماً لامس أضعف مستوى على الإطلاق أدنى 2%.

الأمر الذي يعني أن هناك ركودًا يلوح في أفق الاقتصاد الأمريكي الأقوى والأكبر بالعالم، وبالتالي تتصاعد المخاوف من أن يتحول سوق السندات الأمريكية إلى فقاعة اقتصادية تدفع العالم نحو أزمة مالية جديدة.

ما هي الفقاعة؟

“الفقاعة” مصطلح ارتبط بالتضخم غير المبرر في ارتفاع أسعار بعض الأصول في فترة زمنية تترك في النهاية أثرًا سلبيا على الاقتصاد العالمي عندما تتسم بالشمولية في تمددها، كما حدث مع أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة قبل أكثر من ست سنوات ومن ثم انتقلت تداعياتها شرقًا وغربًا وبنسب متفاوتة.

ويمكن وصفها بظاهرة تشير لارتفاع مفاجيء في سعر أصل ما لمستويات تتجاوز ما تحدده القيمة الأساسية له، وتكون نتيجة المغالاة في المضاربة على سعره لمستويات خطرة تكون سببًا في تكبد خسائر فادحة.

ولأن المضاربة السعرية تتواصل بلا توقف فتكون أشبه بانتفاخ البالون الذي يتمدد حجمه، إلى أن يصل لمرحلة الانفجار نتيجة عدم تمكنه من تحمل ضغط الهواء على جداره، وهو نفس ما يحدث للأسعار مع صعودها الجنوني حيث تهبط بشكل متسارع تماما كما كانت وتيرة ارتفاعها.

هذا يعني ببساطة أن سعر هذا الأصل تجاوز خضوعه للأساسيات المتعارف عليها عند التقييم، ومن ثم يكون ذلك بيد الذين يتبادلون شراءه طمعًا في مزيد من الارتفاع حتى يحدث الانهيار الذي لا يمكن تحديد وقته بالضبط.

أشهرها أزهار بهولندا وعقارات بأمريكا

بعض أدبيات الاقتصاد تربط المصطلح مع “الهوس” الذي صاحب المضاربة على أسهم شركة “بحر الجنوب” البريطانية أوائل القرن الثامن عشر، والتي كان عالم الرياضيات الشهير “إسحاق نيوتن” أحد أبرز ضحاياها، والذي أقر فيها بعجزه عن فهم الهوس البشري.

لكن للفقاعات الاقتصادية تاريخ أقدم من ذلك، أشهرها ما سبق فقاعة شركة “بحر الجنوب” بحوالي قرن تقريبًا، حيث المضاربة الشرسة على أزهار التيوليب في هولندا والتي قفزت لمستويات خيالية.

وفي عام 2000 شهد العالم فقاعة “الدوت كوم” مع طفرة شركات التكنولوجيا والإنترنت في سوق الأسهم الأمريكية، فسهم شركة “ياهو” التي تمثل بوابة الإنترنت الأمريكية الشهيرة بلغ قيمته في بداية العام 240 دولارًا، وبعد مرور سنة واحدة هوى إلى 30 دولارًا فقط.

وهناك فقاعات طالت أسواق الأسهم، أشهرها ما حدث في عام 1929 لمؤشر “داو جونز” الأمريكي وما أعقبه من كساد طال العالم كله، وأيضا انهيار وول ستريت في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، وانهيار بنك “ليمان براذرز” فيما يعرف بأزمة الرهن العقاري الأمريكية الشهيرة وما أعقبها من هبوط حاد في عام 2008.

الركود أبرز آثارها

تتسبب المضاربة المجنونة على سلعة ما في شد كميات هائلة من السيولة إليها وبالتالي عمل توزيع غير عادل ورواج مؤقت لقطاع ما مثل العقارات في إضعاف الاقتصاد عن انفجار البالونة السعرية في النهاية.

وللكساد نتائج سلبية شديدة الخطورة تتمثل في ارتفاع البطالة، وتوقف الاستثمارات، واختفاء او تراجع أرباح الشركات، وهبوط معدل إنفاق المستهلكين.

ويبقى جني أرباح فجائية استثنائية وخيالية لا تستند لتشغيل فعلي لرؤوس الأموال من خلال الدورة الاقتصادية لفئة محدودة أحد أهم سلبيات “الفقاعة”، وذلك نتيجة ارتفاع جنوني لسعر السلعة أو الأصل محل المضاربة.

ذلك لأن هذه الأرباح تساهم في اذكاء فقاعات جديدة عن طريق ضخها في أصول أخرى دون إنتاج حقيقي داخل بنيان الاقتصاد بغية تعظيم الربح ومن ثم يُنهك هذا الاقتصاد.

منحنى عوائد السندات الأمريكية.. مقلوب!

أدى هروب المستثمرين إلى الأصول الآمنة إلى تراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عامًا يوم الخميس الموافق 15 أغسطس 2019، إلى مستوى قياسي منخفض دون 2% ليسجل 1.916%.

في حين انخفضت عوائد السندات القياسية لأجل عشرة أعوام في تعاملات سوق نيويورك إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات عند 1.475%، غير بعيدة عن مستواها القياسي المنخفض البالغ 1.321% الذي لامسته في أوائل يوليو 2016.

فيما تراجع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين إلى 1.467% وهو أدنى مستوى في حوالي عامين.

الأمر الذي يعتبر نذير ركود اقتصادي في الولايات المتحدة خلال الـ 18 شهرًا المقبلة.

وأدى منحى العائد المقلوب إلى زيادة المخاوف لدى المستثمرين في أمريكا من أن البنوك ستبدأ في الحد من منح الائتمان.
 

ربما يعجبك أيضا