“الضم” يلتهم الضفة والحرب على أبواب غزة

محمود

كتب – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – تعلو تحذيرات السلطة الفلسطينية من أن نقطة اللاعودة اقتربت، مع استشعرها لدنو أجلها، مع كل إشراقة كل صباح يحمل في طياته وحدات استيطانية جديدة تضاف إلى المخططات الاستيطانية، الرامية إلى ضم كافة الضفة الغربية المحتلة وإفراغها من أصحابها الأصليين.

تحذيرات الرئيس عباس من انفجار الوضع في غزة، واتهامه لإسرائيل بالسعي لضم الضفة، لم تلقى آذانًا صاغية في الجانب الآخر المنشغل في استقطاب الشارع الإسرائيلي، عبر المزايدة بالمشاريع الاستيطانية في مزاد ضم الضفة، والتي كان آخرها قرار وزير جيش الاحتلال نفتالي بينت، الأربعاء الماضي، بإنشاء سبع محميات طبيعية جديدة، وتوسيع اثنتي عشرة محمية أخرى في أراضي الضفة الغربية، وهو ما يعني على الأرض مصادرة عشرات آلاف الدونمات مما تبقى من أراضي مناطق “ج” التي يسيطر عليها الاحتلال، ويبلغ عدد المحميات الطبيعية في فلسطين 51، منها 50 داخل الضفة الغربية، وتشكل ما نسبته 9% من أراضيها، ويبلغ عدد المحميات التي تسيطر عليها إسرائيل 36.

قرار سبقه آخر قبل أيام، يقضي بتمكين المستوطنين من تسجيل الأراضي الفلسطينية في المناطق المصنفة “ج” من اراضي الفلسطينيين بالضفة، في سجل الأراضي في وزارة القضاء الإسرائيلية، حيث أوعز وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت للمسؤولين بتغيير النظام القانوني القائم.

ويحاول بينيت، من خلال هذا الإجراء، ضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل بشكل فعلي من خلال خطوات تتنافى مع القانون والمواثيق الدولية، وإفراغ المنطقة “ج” من السكان الأصليين أصحاب الأرض، من خلال هدم البيوت، وهو ما تم تنفيذه بالفعل، حيث بلغ عدد المباني المهدمة حوالي 690 منزلًا في العام 2019.

يضاف إلى القرارين السابقين وجود مخطط آخر يهدف إلى جذب مليون مستوطن يهودي خلال السنوات العشر المقبلة إلى الضفة الغربية، لفرض وقائع ديموغرافية تهويدية على الأرض، يصعب الانفكاك عنها.

15 بؤرة استيطانية جديدة خلال 2019 وخطة لتقسيم إلى 100 كانتون

وتشكّل المنطقة “ج”، حسب اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلو) حوالي 61% من مساحة أراضي الضفة الغربية،  وتوضح دراسات تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين بعد اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلو) الموقع في سبتمبر/ أيلول 1993. وقد أدّى النشاط الاستيطاني التهويدي إلى إنشاء 151 مستوطنة في الضفة الغربية حتى نهاية عام 2019، ويتركز فيها أكثر من خمسمائة ألف مستوطن ، فضلًا عن 26 مستوطنة تلف مدينة القدس من جميع الجهات، بطوقين من المستوطنات، وتستحوذ على 215 ألف مستوطن إسرائيلي.

وكشف رئيس “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان” الفلسطينية، وليد عساف، أن سياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية تتواصل، حيث أقام الاحتلال -خلال عام 2019- 15 بؤرة استيطانية جديدة، مشيرًا إلى وجود خطة إسرائيلية لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى أكثر من 100 كانتون ومعزل فلسطيني.

وقال عساف: “عام 2019 شهد نقاشًا إسرائيليًّا لقرابة 140 مخططًا هيكليًّا لتوسيع المستوطنات، وتم بالفعل إقرار 35 مخططًا، بواقع إقرار خمسة آلاف وحدة استيطانية جديدة”، مشيرًا إلى أن نقاش هذا العدد الكبير من المخططات التوسعية يعني الانتقال من خطة ضم المستوطنات الكبرى للاحتلال إلى ضم كافة المستوطنات، بما يتناغم مع قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة بشرعنة الاستيطان.
 
وتقوم الخطة، وفق عساف، على ربط المستوطنات عبر شوارع استيطانية جديدة، تربط المستوطنات النائية بالمستوطنات الكبيرة، وفي المقابل تفتيت الأراضي الفلسطينية لمنع إقامة دولة فلسطينية.

وأوضح أن الكانتونات السبعة الكبرى هي غزة، وأريحا، وبيت لحم، والخليل، ورام الله، وشمال الضفة، وكل من هذه المناطق السبعة سينقسم إلى مجموعة من الكانتونات الصغيرة لتصل إلى أكثر من مئة، يفصلها قرابة 700 حاجز عسكري أو إغلاق إسمنتي، أو سدة ترابية، أو بوابة حديدة، ليكون ذلك جزءًا من تنفيذ “صفقة القرن”، وإنشاء دولة في غزة تمتد إلى سيناء.

وأما المشاريع الاستيطانية الكبيرة، التي أقرها الاحتلال عام 2019، فقد فصلها عساف بثلاثة مشاريع؛ أولها يستهدف مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية وبلدتها القديمة تحديدا، بإقرار إنشاء مجلس بلدي للمستوطنين، وإقامة مستوطنتين كبيرتين في البلدة القديمة، ما سيعمل على تغيير الواقع في الخليل وضم جزء منها للاحتلال وتقسيم المدينة على شاكلة بلدية الناصرة.

وأضاف، أن “المشروع الثاني الكبير هو إقامة مدينة استيطانية في منطقة مطار قلنديا، بمعدل 10 آلاف وحدة استعمارية، بواقع 50 ألف مستوطن جديد لتغيير التركيبة الديموغرافية للقدس وفصلها عن محيطها، بينما المشروع الكبير الثالث هو منطقة صناعية جنوبي طولكرم، هي الأكبر في الضفة، ستفصل المدينة عن ريفها وستؤدي إلى إقامة أحد المعازل التي يتم التخطيط لها”.

وفي تفصيلات الخطة الإسرائيلية، قال عساف: “إنها ترتكز على عزل القدس بالكامل، ويتم ذلك بمنهجين، هما الهدم في القدس ومحيطها، والثاني بناء الوحدات الاستيطانية”، مشيرا إلى عمليتي هدم كبيرتين حصلتا في العام الماضي، وهما هدم 72 منزلا دفعة واحدة في وادي حمص في صور باهر، وهدم 22 منزلا في مخيم شعفاط بيوم واحد، ويتركز الضغط على القدس لعزلها، حيث إن الهدم في القدس يشكل 48 بالمئة من مجمل الهدم في الأراضي الفلسطينية.

686 عملية هدم و15 بؤرة استيطانية خلال 2019

وفي الأرقام التي أعلنها عساف، يتبين قيام الاحتلال بـ686 عملية هدم خلال 2019، بينها 300 في القدس ومحيطها، فيما صدر 486 أمر هدم جديد، قد يتم تنفيذها عام 2020، استمرارًا لسياسات التهجير القسري.

وقال: إن “الاحتلال أنشأ -خلال 2019- 15 بؤرة استعمارية جديدة، ليزداد عدد البؤر تلك، خلال ثلاثة أعوام إلى 32 بؤرة تعبر عن سياسة جديدة بتعبئة الفراغات بين المستوطنات الكبرى بمجموعة من البؤر على رؤوس الجبال”.

احتمالات الكونفدرالية لتدارك الموقف

الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمضى عدة أيام في العاصمة عمّان التقى فيها عددا من المسؤولين الأردنيين، تحدث أمامهم عن استعداد السلطة الفلسطينية لسيناريو الكونفدرالية مع الأردن، وحتى عن تقبلها له، في وقت يعني السيناريو المذكور خطرا كبيرا لعمان، رغم أنها تدرك استحالة تحققه في ضوء عدم قيام دولة فلسطينية أصلا.

الاستعداد الفلسطيني لكونفدرالية (على استحالة تحقيقها) أساسا يضيء معظم الأضواء الحمراء للأردن، فذلك بالضرورة يعني زيادة منسوب الاشتباك المباشر مع الإسرائيليين، وتحمل عبء تعقيدات المشهد الفلسطيني ووراثة الكثير من بيروقراطيته التي تتحفظ العاصمة الأردنية على تفاصيلها، كل هذا بعد الحديث عن الديموغرافية والسكان وإجهاض الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة وقرارات الشرعة الدولية وغيرها.

الأردن مقتنع تماما أن الرئيس الفلسطيني في جعبته إيحاءات حول الملف، وبالنسبة لمؤسسات الدولة الأردنية فهذا أخطر ما في المشهد، في المقابل تتابع الدولة الأردنية التحركات الدولية وأثرها الواضح في لجم بعض الجموح الإسرائيلي، وخصوصا القرار القاضي بفتح تحقيق بما يمكن اعتباره جرائم حرب إسرائيلية تقع في الضفة وغزة، وهذه هنا تأتي في مصلحة عمّان؛ إذ تؤخر اجتماعات نتنياهو حول ضم الضفة الغربية وتضع إسرائيل في موقع دولي لا تحسد عليه بعد عامين من التمادي في كل الاتجاهات.

الموقف في الجنائية الدولية يعكس بالضرورة تغيرًا دوليًّا واضحًا قد يكون له أهداف أبعد من عملية السلام أيضا، ولكن الأردن في كل الأحوال مستفيد، ولا يريد فتح المجال لمخارج لصالح إسرائيل مثل الكونفدرالية وغيرها.

بكل الأحوال حديث عباس عن “شعب في أرضين” وعن أن عاهل الأردن نذر حياته لحماية المقدسات، كلها إيجابية لصالح العلاقة بين الجانبين ولكنها بالضرورة بالنسبة للأردن تخضع للفلترة حين ينمو سيناريو الكونفدرالية على لسان الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته منذ زمن أيضا.

سراب حل الدولتين

كل المعطيات على أرض الواقع في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن ما يسمى بخيار حل الدولتين -والذي هو وصفة دولية لحل المسألة الفلسطينية- انتهى نظريًّا وعمليًّا.

مستجدان جديدان خلال عام 2019 ألقيا بظلالهما السوداوية على مجمل الحالة الفلسطينية، والضفة الغربية بشكلٍ خاص؛ القرار الأمريكي التاريخي بعدم اعتبار المستوطنات في الضفة غير قانونية، ونية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي الحاكم ضم غور الأردن وشمال البحر الميت تحت “السيادة الإسرائيلية”.

فقد تبنت وزارة الخارجية الأمريكية ومنذ عام 1976 رأيًا قانونيًّا يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية بعد عام 1967 غير شرعية، القرار الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي يعتبر رمزيًا من ناحية الشرعية الدولية، ولن يدفع الدول الأخرى للمسارعة بتبنيه، لكنه من الناحية العملية يشجع الاستيطان، ويرفع من وتيرة مصادرة الأراضي، ويمهد الطريق لاحقًا لضم المستوطنات في الضفة بمساحة لا تقل عن 15% من مساحة الضفة الغربية.

والمستجد الثاني يتعلق بإعلان نتنياهو في أيلول/ سبتمبر الماضي أنه أعد خطة “لتطبيق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت”؛ أي ضم هذه المنطقة التي تشكل حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية، والتي تعني أيضًا السيطرة على أكبر ثالث خزان للمياه الجوفية في الضفة، ووضع اليد على حوالي 38% من الأراضي الخصبة الزراعية في غور الأردن، ومن الناحية الاستراتيجية محاصرة الضفة الغربية من الناحية الشرقية بحزام استيطاني ومناطق عسكرية، وفصل الضفة الغربية عن امتدادها العربي الجغرافي والديموغرافي مع المملكة الأردنية، وهو ما يستحيل معه قيام دولة فلسطينية ذات معنى.

وقسم الاستيطان والطرق الالتفافية الضفة الغربية إلى ثلاثة كانتونات رئيسية، الأول في شمال الضفة، ويضم مدن نابلس وجنين وطولكرم وطوباس، ويرتبط بطريق مع مدينة رام الله، والثاني شرقًا ويضم مدينة أريحا، والثالث جنوبًا ويضم مدن ومحافظات الخليل وبيت لحم، وفصلت المستوطنات والطرق الالتفافية بين هذه الكانتونات نفسها وبين امتداداتها الجغرافية في المناطق “ج”، وأوجدت ما يزيد عن 60 معزلًا يتحكم فيها الجيش الإسرائيلي بأكثر من 100 نقطة تفتيش ومعبر ثابت.

هذه المؤشرات تؤكد أن الدولة الحقيقية التي على وشك التشكل في الضفة الغربية هي دولة المستوطنين بفضل شبكة المستوطنات المترابطة عبر الأنفاق والجسور والطرق الالتفافية، والتي تحول التجمعات الفلسطينية في الضفة إلى جزر مترامية ومبعثرة وبأحجام مختلفة في بحر المستوطنات والمناطق العسكرية الإسرائيلية.

بالونات غزة المتفجرة تزيد احتمالات حرب متوقعة

وفي قطاع غزة، أعلنت مجموعة شبابية فلسطينية تدعى “وحدة أبناء الزواري”، أنها استأنفت منذ 3 أيام إطلاق البالونات الحارقة من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع في وقت تستمرّ فيه الضغوط من الفصائل الفلسطينية على الوسطاء لدفع العدو الإسرائيلي إلى تنفيذ تفاهمات التهدئة. وتقول مصادر فصائلية، لـ”الأخبار”: إن الأزمة لا تزال قائمة بين حركة “حماس” والوسطاء حول تنفيذ التفاهمات؛ إذ لم يتمّ التوصل إلى حلول جديدة على الرغم من تكثيف الاتصالات، في وقت طالبت فيه الحركة بتحسينات عاجلة ووقف عمليات التضييق المصرية مقابل العودة إلى حالة الهدوء.

وتتمحور نقطة الخلاف حاليًا حول رفض “حماس” منح مزيد من الوقت للوسطاء لتنفيذ بقية التفاهمات، وخصوصًا أن مراوغة العدو أخّرت تنفيذ عدد من البنود المهمة لمدة طويلة؛ مثل إمداد محطة توليد الكهرباء بالغاز، وزيادة كمية الكهرباء الخارجية، بالإضافة إلى الحاجة إلى “بديل اقتصادي دائم” يحسّن الوضع بعيدًا عن المنحة القطرية التي تُصرف شهريًّا بقيمة 100 دولار أمريكي على أكثر من 70 ألف عائلة. وترى “حماس” أيضًا أن حالة الهدوء �لا يمكن أن تمرّ بالمجان في ظلّ مماطلة الاحتلال في تنفيذ التفاهمات… العدو اعتمد سياسة التمديد عبر الوسطاء مرحلة بعد أخرى وتأخير تنفيذ البنود المتفق عليها�.

ميدانيًّا، لم تتوقف البالونات الحارقة عن الانطلاق، بل خرجت بكثافة؛ إذ طارت عشرات الدفعات من البالونات التي تحمل موادّ متفجرة تجاه المستوطنات، ووصل جزء منها إلى مدينة أسدود على بعد 20 كم عن القطاع، ما تسبب بـ”استفزاز كبير” للإسرائيليين خلال اليومين الماضيين، خاصة بعدما انفجرت بالونات قرب دورية لجيش العدو في مستوطنة “أشكول” جنوب القطاع. كما اشتكى المستوطنون من سماع أصوات انفجارات كبيرة. وردًّا على ذلك، قصفت طائرة مروحية إسرائيلية موقعًا للمقاومة بخمسة صواريخ.

وتستعدّ وحدات ضغط ميداني أخرى للعودة إلى العمل خلال اليومين المقبلين، وأبرزها “الإرباك الليلي” التي تعمل على إزعاج مستوطني الغلاف بإحداث تفجيرات وأصوات تحاكي حالة الحرب، توقع المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” العبرية، طال ليف رام، حدوث جولات قتالية خلال المرحلة المقبلة، قائلًا: “إلى جانب جهود التهدئة، ليس متوقّعًا أن ينتهي إطلاق النار من القطاع، الأمر الذي يبقي احتمال التصعيد في مستوى عالٍ”.

وأضاف: “على الأرجح، قد تتراجع حماس عدّة خطوات إلى الوراء في الأشهر القريبة، حتى بثمن تصعيد غير كبير”.

و”البالونات الحارقة” هي بالونات يتم ربطها بمواد قابلة للاشتعال. وبدأ الغزيون باستخدامها بعد الطائرات الورقية الحارقة أيضًا، في مايو 2018، كأسلوب احتجاجي على مجازر الجيش الإسرائيلي بحق سكان غزة.

وانطلقت هذه المسيرات في 30 مارس 2018، وتوقفت لمدة 3 أشهر، على أن تُستأنف نهاية مارس المقبل، لكن وفق آلية جديدة، بواقع مرة واحدة شهريًّا، وفي المناسبات الوطنية البارزة، بعد أن كانت تُنظم أسبوعيًّا.

ربما يعجبك أيضا