«المصائب لا تأتي فرادى».. بيروت مدينة منكوبة والانفجار يعمق جراح اللبنانيين

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

المصائب لا تأتي فرادى، فرغم العقوبات والحصار الإقليمي والدولي على الحكومة اللبنانية التي أصابت الاقتصاد اللبناني بشكل حاد، جاء انفجار مرفأ بيروت الذي هز العاصمة اللبنانية ليشكل ضربة قاصمة للاقتصاد اللبناني.

الانفجار سبقه غلق جميع أبواب الدعم في وجه حكومة حسان دياب اللبنانية، سواء الأبواب الإقليمية أو الدولية، كما ازداد نزيف الاقتصاد اللبناني، واستمرت الليرة اللبنانية في التراجع بشكل حاد، كما عانت الحكومة اللبنانية من مشكلة نقص مشتقات الوقود، خاصة المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، بسبب شح السيولة بالنقد الأجنبي اللازم لتغطية كلفة الاستيراد.

ولكل ما سبق فإن كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة فقد يكون الانفجار طبيعيا ناتجا عن خطأ بشري، وقد تكون المليشيات اللبنانية الموالية لإيران التي تطلق على نفسها “حزب الله” تقف خلف الانفجار، فهي على المستوى السياسي والاقتصادي تضررت من العقوبات الدولية وقانون قيصر ضد نظام الأسد أشد الضرر، وخسرت حاضنتها الشعبية بشكل ظاهر بين لا يحتاج إلى دلائل، بل خرجت الحاضنة الشعبية للحزب في مظاهرات ضد تلك المليشيات كما حدث في صور والضاحية الجنوبية لبيروت وبعض مدن البقاع، كما أن تلك المليشيات كانت تنتظر الحكم على قتلة الرئيس رفيق الحريري وجلهم من عناصر “حزب الله” الموالي لإيران، ولا ينبغي أبدا أن نهمل هذا الخيار، عند معرفة من المستفيد من هذا الانفجار الغريب والذي لم يسبق له مثيل في لبنان ولا في المنطقة.

ويشهد لبنان، منذ أكتوبر 2019، انتفاضة شعبية تطالب بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفسد، أجبرت حكومة سعد الحريري على الاستقالة في 29 من الشهر نفسه، وحلت محلها حكومة حسان دياب في 11 فبراير/ شباط الماضي، التي لن تنجح في حل الأزمات بل وصل الأمر إلى عودة نظام المقايضة في بعض مناطق لبنان.

الحقيقة الوحيدة التي أمامنا أن هذا الانفجار الهائل مأساة كبيرة ستظل في الذاكرة اللبنانية خاصة والعربية عامة لعقود، بل سيكون لها عواقب وخيمة للغاية إن تبين أن هناك من يقف خلفها، فانفجار بيروت شعر به سكان قبرص الواقعة على بعد 240 كيلومترا بحسب المركز الأوروبي المتوسطي للزلازل.

الحزب مسؤول

ومع أن مليشيا حزب الله اللبنانية، نفت بشدة أن يكون الانفجار ناتجا من ضربة إسرائيلية، أو أن يكون تم استهداف مخازن لسلاح الحزب، إلا أن المحامي الدكتور طارق شندب، قال: لا يمكن لأحد أن ينكر أن ميناء بيروت كانت تتم فيه عمليات تهريب كبرى وهنالك عنابر لا يسمح لأحد بالدخول اليها حيث كانت تتم عمليات نقل أسلحة لميليشيا حزب الله، ومن ينفي ذلك يكذب، ولكن هل الانفجار ضرب لخط التهريب أم حادث فضح المستور؟

لمن خانته ذاكرته، ففي يوليو 2012، تم اعتقال عنصر من الحزب في قبرص إسمه حسين عبدالله بعد اكتشاف 8.2 طن من نيترات الأمونيوم في قبو منزله في لارنكا، وفي أغسطس 2015 اعتقال 3 عناصر من الحزب في الكويت بعد اكتشاف 24000 باوند من نيترات الأمونيوم و 300 باوند من متفجرات ال C4 وأسلحة في منزلهم، وفي 2017 داهمت السلطات البوليفية مخزناً كبيراً تابع للحزب وجد فيه كميات كافية من المتفجرات لإنتاج قنبلة بوزن 2.5 طن، وفي 2020 صنفت ألمانيا الحزب على قائمة الإرهاب، وداهمت عدة مخازن جنوب البلاد عثرت فيها كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم المستخدمة في صناعة المتفجرات، وهي المادة نفسها التي تحدث عنها الأمن العام اللبناني أنها سبب التفجير الحالي.

الاحتلال الإسرائيلي

من جهتهم، نفى مسوؤلون بارزون في دولة الاحتلال، أي علاقة لهم بالانفجار، ومع أن الاحتلال الإسرائيلي سارع بالنفي، ولكن من السذاجة، أيضا، أن يتم تصديق تصريحاته، خصوصا مع الانفجارات شبه اليومية التي تقع في طهران وعدد من المدن الإيرانية منذ أسابيع، كذلك فالضربات الإسرائيلية التي تتحدث عنها بعض وسائل الإعلام الدولية أنها “مجهولة” اتستهدف الحرس الثوري الإيراني في سوريا والمليشيات الموالية له وفي مقدمتها مليشيات حزب الله اللبناني، ومع هذا فالحزب اللبناني تعود أن يتلقى الضربات دون رد أو حتى اعتراف بالضربة.

الهروب من جريمة قتل الحريري

هناك سيناريو لا يمكن إغفاله، فموعد صدور الأحكام في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قد اقترب، والاتهامات كلها تتجه لعناصر من مليشيا حزب الله اللبناني، والنظام الإيراني الذي قتل آلاف الإيرانيين لوأد مظاهراتهم، لا مشكلة لديه في قتل مئات أو آلاف اللبنانيين للحفاظ على استمرار هيمنة مليشياته في لبنان على السلطة.  

ويُحاكم أربعة متهمين ينتمون لحزب الله الشيعي غيابيا أمام محكمة خاصة أنشأتها الأمم المتحدة لنظر قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005. ومن المقرر أن تصدر المحكمة حكمها في القضية يوم الجمعة.

ولم تستطع السلطات اللبنانية القبض على أي من المتهمين الأربعة، بل قال الحزب علنا إنه لن يسمح بذلك أصلا، وتقول عريضة الاتهام إنه تم الربط بين المتهمين والهجوم بأدلة ظرفية مستقاة من سجلات هاتفية.

هذه قراءة أولية، ليس إلا، والأكيد أن الاقتصاد اللبناني سيزداد تدهورا، وأن الحكومة اللبنانية ورغم أن دول كثيرة في العالم ستقدم مساعدات طبية ومستشفيات ميدانية وحتى اقتصادية، إلا أن هذا الأمر لن يخرج حكومة لبنان من النفق المظلم الذي دخلته، فهيمنة المليشيا على الدولة عواقبها نراها أمامنا اليوم، والاختبار الأول للدولة اللبنانية سيكون بعد أيام، أي يوم الحكم على قتلة الرئيس رفيق الحريري. 

ربما يعجبك أيضا