الوزيرة العنصرية .. هل تكرر “ميري ريجف” سيناريو “ليفني”؟

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

القدس المحتلة – في خضم هذه المعارك السياسية في إسرائيل تبرز ميري ريجف، بحكم منصبها في الائتلاف الحكومي كوزيرة للثقافة والرياضة، لكن عضو الكنيست عن حزب هاليكود تؤدي دورا أشبه بوظيفة الحارس الشخصي لبنيامين نتنياهو، ففي كل موقف سياسي يؤدي إلى مواجهة بين نتنياهو وبين الرأي العام الإسرائيلي أو خصومه السياسيين أو حتى أعضاء حكومته تظهر ريجيف على الفور لترد بالنيابة عنه، وتواجه بكل شراسة، حتى أنها قد تتحول إلى ما يشبه حارس أمن مأجور، أو فرد عصابة تنوب عن رئيس الوزراء في المهمات الأكثر اشتباكا في القضايا السياسية، لدرجة أن رسام الكاريكاتير عاموس بيدرمان وصفها في صورة نشرتها صحيفة هآرتس بـ”كلبة نتنياهو”.

خلفية عسكرية

انضمت ريجيف (52 عاما) إلى الجيش الإسرائيلي عام 1983، وخدمت فيه حتى عام 2008، وتدرجت في المناصب العسكرية حتى درجة عميد، في البداية عملت كمتحدث باسم قيادة الجنوب، ومديرة مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ورئيس قسم العلاقات العامة في قيادة القوات البرية، ثم رئيس قطاع الإعلام المحلي.

وصلت عام 2002 إلى رتبة عقيد، وأصبحت نائب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ثم تعينت في مكتب الإعلام الديبلوماسي (هاسبارا) التابع لمكتب رئيس الوزراء، وتولت ملف تقديرات تداعيات الحرب على العراق.

في عام 2004 تولت منصب منصبا في الرقابة العسكرية التابعة لاستخبارات الجيش الإسرائيلي، وفي عام 2005 تولت مسئولية المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي كثاني امرأة في هذا المنصب، وأول امرأة ترتقي إليه من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه.

عاصرت ريجيف وهي في منصب المتحدث باسم الجيش عملية فك الارتباط الأحادية عن قطاع غزة عام 2005، وكذلك الحرب الإسرائيلية الثانية على غزة عام 2006، ولم تلق استحسانا من دوائر الإعلام الإسرائيلية، لأنها بدت كما لو كانت تخلط بين دورها كمتحدث باسم الجيش وبين دور آخر جعلها كمتحدثة باسم رئيس الأركان نفسه. 

أنهت ريجيف عملها كمتحدثة باسم الجيش عام 2007، وفي العام نفسه عينها رئيس الأركان جافي أشكنازي منسقة لفعاليات الجيش الإسرائيلي للاحتفال بمناسبة الذكرى الستين لقيام إسرائيل (ذكرى النكبة) حتى خرجت من الجيش عام 2008. 

المسيرة السياسية

أعلنت ريجيف انضمامها لحزب هاليكود عام 2008، ونجحت في الحصول على منصب عضو بالكنيست الثامن عشر (2009- 2012) وانخرطت في عدة لجان بالكنيست 18 والكنيست 19، وفي انتخابات الكنيست العشرين صعدت إلى المركز الخامس ضمن مرشحي هاليكود للانتخابات، وهو المركز الذي أهلها للفوز بعضوية الكنيست، وتولت منصب وزيرة الثقافة والرياضة عام 2015 ضمن حكومة إسرائيل رقم 34 بزعامة بنيامين نتنياهو.

وزيرة ثقافة بنكهة عنصرية كاشفة

رغم أنها من أصل مغربي، فإن ريجيف تحمل أفكارا عنصرية ضد اللاجئين الذي يتسللون إلى الداخل الإسرائيلي، وقد أثارت جدلا واسعا عام 2012 قبل تعيينها وزيرة للثقافة بمشاركتها في مظاهرة ضد المهاجرين الأفارقة، حيث وصفتهم بـ “السرطان في الجسد الإسرائيلي”، وهو الوصف الذي اضطرت للاعتذار عنه فيما لاحقا بعد أن لاقت بسببه هجوما شديدا.

لم يتغير الحال بعد تعيينها وزيرة للثقافة والرياضة، فالوزيرة المسئولة عن الفعاليات الثقافية والتي من المفترض أنها تسمو بالعلاقات الإنسانية بعيدا عن العنصرية أصبحت مثالا على عنصرية الحكومة الإسرائيلية، تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه العرب، بل وتجاه فلسطيني الداخل أنفسهم، حتى تخطى الأمر إلى حد صدامها مع المثقفين الإسرائيليين المحسوبين على تيارات اليسار المعارض.

لم يكن الفستان الذي ارتدته ريجيف خلال حضورها فعاليات مهرجان كان السينمائي سوى نقطة من بحر من كراهية الآخر ورفض وجوده، بطبيعة الحال ليس مستغربا أن تعلن وزيرة في حكومة يمينية إسرائيلية تمسكها بانتزاع القدس، لكن ريجيف بارتدائها فستان مطبوع عليه معالم المدينة العريقة قد أسبغت لونا سياسيا مزريا على فعاليات المهرجان السينمائي، وهو الأمر غير المستساغ من مسئولة عن وزارة “ثقافة”، لكنه ليس بغريب على شخصية استفزازية تسعى للإثارة، حتى أنها تعرضت لهجوم من المثقفين الإسرائيليين حينما تطرقت لقضايا سياسية في خطابها أثناء مهرجان القدس السينمائي الـ 33، وتعرضت لسيل من الاستهجان والهتافات ضدها.

أثارت ريجيف – قبل كان – جدلا كبيرا حينما غادرت وهي وزيرة ثقافة حفلا لتوزيع جوائز مهرجان سينمائي بإسرائيل احتجاجا على أداء مغني من فلسطيني الداخل لأغنية من كلمات محمود درويش، واستمرت مناوشاتها مع الفلسطينيين بالداخل الإسرائيلي، فتارة تجمد ميزانية مسرح الميدان العربي بحيفا، وتارة تطلب تحقيقا مع إدارة المسرح.

الطموح السياسي وثقة نتنياهو

 ريجيف ليست سياسية في المقام الأول، لكنها شخصية عسكرية في الأساس، وهذا أمر طبيعي في السياسة الإسرائيلية، فمعظم الساسة وقادة الأحزاب عسكريون تدرجوا في مناصب الجيش الإسرائيلي، ورغم أنها أشعلت صراعات كثيرة ضدها مع المعارضة ومع الفلسطينيين بالداخل ومع العرب، بل ومع الرأي العام الإسرائيلي نفسه، فإنها تبدو أكثر ثقة كلما مر عليها يوم في حكومة نتنياهو.

الملاحظ أن ريجيف تتصدر المشهد السياسي كثيرا، وهذا هو الأمر الغريب بحكم منصبها كوزيرة ثقافة، فالمتحدثة السابقة باسم الجيش التي واجهت انتقادا كبيرا مبني على اعتبارات عدم فهمها الصحيح لطبيعة عملها آنذاك تواجه الهجوم ذاته وهي وزيرة ثقافة، لا يكاد يمضي يوم دون معركة سياسية أو حرب تصريحات بينها وبين وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو قادة الأحزاب بالائتلاف الحكومي أو المعارضة، لا تتمتع بطبيعة الحال بأية هدنة مع الرأي العام والمثقفين، لكن على الرغم من هذا كله يعتمد عليها نتنياهو اعتمادا كبيرا.

أثارت ريجيف جدلا جديداحين أعلنت نية نتنياهو حضور مراسم إيقاد الشعلة خلال الاحتفال بمرور سبعين عاما على قيام إسرائيل في مايو المقبل، وأفضى إعلانهاإلى زوبعة كبيرة، لأنه من المتعارف عليه بروتوكوليا في إسرائيل أن يقوم رئيس الكنيست بإلقاء الخطبة في هذا الاحتفال، وليس رئيس الوزراء، مما حدا برئيس الكنيست يولي إدلشتطاين– وهو عضو هاليكود –  للتهديد بمقاطعة المراسم في حال تم توجيه دعوة لنتنياهو وسُمِح له بإلقاء خطاب، لكن ريجيف أعلنت بثقة أنها المسئولة الأولى عن تنظيم الحفل بصفتها رئيس لجنة الوزراء لشئون المراسم، ويبدو أن هذه الثقة تحديدا تثير سخط البعض داخل أروقة الحزب الحاكم.

حلم رئاسة الحكومة

تولت ريجيف مسئولية القائم بعمل رئيس الحكومة الإسرائيلية مرتان في العام الماضي، الأولى حينما سافر نتنياهو لليونان، فقرر تعيين ريجيف قائما بعمله حتى عودته، والمرة الثانية حينما تقرر أن يجري نتنياهو فحصوات طبية، فأعلن ريجيف قائما بعمل رئيس الوزراء كما ينص القانون الإسرائيلي.

أن يعين نتنياهو ريجيف بدلا منه في أوقات غيابه إنما يثير تساؤلا، لماذا هي تحديدا، خصوصا أنها كوزيرة ثقافة من المفترض أنها ليست المسئول الأقرب للملفات الشائكة سياسيا وعسكريا.

لكن المؤكد أن نتنياهو يثق في ميري ريجيف بشكل كبير يفوق غيره، ومن الواضح كذلك أنها تقف في ظهره بشكل علني، فرغم أن رئيس الوزراء الذي يواجه اتهامات الفساد ما يزال مسيطرا على مقعد الرجل الأول، فإنه بالتأكيد سيتركه في وقت ما، وقد انتشرت أخبار أن بعض أعضاء حزب هاليكود يفكرون جديا في مرحلة ما بعد نتنياهو، ويصدر بعضهم مخاوف مبنية على أساس أن ملفات الفساد التي يواجهها نتنياهو إنما تؤثر سلبا على هاليكود خصوصا وأن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر صعودا لأحزاب أخرى ربما تنافس هاليكود على رئاسة الحكومة إذا ما أجريت انتخابات، وفي هذا الإطار لا يخفى على أحد رغبة أكثر من عضو بالحزب الحاكم في خلافة نتنياهو، مثل جدعون سعر ويسرائيل كاتس على وجه الخصوص.

مؤخرا خلال ردها على أسئلة صحافية لم تخفي ريجيف تطلعها لمنصب رئيس الوزراء مستقبلا، لكنها قالت إن الأمر مؤجل لأن إسرائيل لديها رئيس وزراء “ممتاز”، ويبدو أن ميري تضع نصب عينيها مثال تسيبي ليفني، التي وقفت بجانب أريئيل شارون، حتى أنها ساندته حينما عارضه حزبه بعد إعلانه خطة فك الارتباط عن غزة، فانفصلت معه عن حزب هاليكود وأسسا حزب كاديما، فهل تكرر ريجيف سيناريو ليفني وتقف خلف نتنياهو حتى تنتزع خلافته في رئاسة الحزب، خصوصا وأنها تكاد تكون ملازمة له؟ أم تخرج من عباءة هاليكود في الأخير بعد نتنياهو لتحقق طموحها في رئاسة الوزراء من خلال حزب جديد؟ المؤكد في جميع الأحوال أن ميري ريجيف تخطط لئلا تغيب عن المشهد السياسي قريبا.

ربما يعجبك أيضا