اليمين المتطرف ولعبة الأخبار الزائفة وصناعة الكراهية في أوروبا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

يبدي المهاجرون والجاليات الأجنبية خاصة المسلمة، في أوروبا تخوفهم من صعود أحزاب اليمين المتطرف في أغلب دول أوروبا، وتأثير ذلك على وضعهم في بلدان مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا والنمسا، إلى جانب دول أوروبا الشرقية، أبرزها حكومة المجر.

استطلاعات الرأي أكدت حصول أحزاب اليمين المتطرف على مقاعد إضافية في البرلمان الأوروبي، حيث كشف تقرير فى أغسطس 2018 أن البرلمان الأوروبي الذي تأسس منذ أربعين عاماً تديره الكتلتان الشعبية والاشتراكية، إلى جانب الكتلة الليبرالية التي تضم أحزاب الخضر تحت لوائها، أما الأحزاب اليمينية المتطرفة التي عززت موقعها في الانتخابات الأخيرة، فهي ما زالت دون الثقل الذي يتيح لها التأثير الفاعل على نشاط البرلمان .

وأعلنت المفوضية الأوروبية استراتيجيتها الخاصة لمعالجة الأخبار الكاذبة، التي تدعو شبكات التواصل إلى تكثيف جهودها في محاربة هذه المشكلة، وإلا واجهت مزيدا من الإجراءات التنظيمية، واعتمدت المفوضية الأوروبية قواعد للممارسات الخاصة بالمعلومات المضللة منذ شهر يوليو 2016، تتضمن إجراءات لمنع انتشار الأخبار الكاذبة مثل زيادة مراقبة منصات الإعلانات أفضل طريقة لمحاربة الأخبار المزيفة هي استخدام أدوات لمراقبة غرف الدردشة هذه ووقف التضليل قبل انتشارها.

ونشرت صحيفة “Nouvel Obs” الفرنسية تقريرا في أغسطس 2018 بينت فيه كيف يمكن لأتباع اليمين المتطرف والفكر الشعبوي والقوميين، في ظل تراجع الديمقراطيين، أن يجدوا موطئ قدم لهم في الانتخابات لاكتساح البرلمان الأوروبي سنة 2019، وذكرت أن كلا من رئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان”، زعيم “التوجهات المعادية لليبرالية” في أوروبا الوسطى، ووزير الداخلية الايطالي “ماتيو سالفيني”، قد أصبحا من رموز اليمين المتطرف.

ظهور “تحية هتلر” المحظورة من جديد في شوارع أوروبا

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس اتهم، مواطنيه الألمان بالتقاعس في محاربة العنصرية والدفاع عن الديمقراطية”. وأضاف، في مقابلة مع صحيفة “بيلد أم زونتاغ”  في سبتمبر 2018: “حصل جيلي على الحرية وسيادة القانون والديمقراطية هديةً. لم يكن علينا أن نكافح من أجلها، وبات كثير منا يشعرون أن هذه المكاسب بديهية بطبيعة الحال، الأمر الذي قاد لسوء الحظ إلى نوع من التقاعس في مجتمعنا. ويحب أن نتغلب عليه”. وقال ماس إن “ظهور تحية هتلر في شوارعنا اليوم، ليس سوى عار لبلدنا”، مطالباً مواطنيه “الألمان بإنقاذ سمعة بلدهم على المستوى العالمي”.

وفي هذا الإطار انتقدت مارتينا رينر، خبيرة المجموعات اليمينية المتطرفة في كتلة حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني، موقف الحكومة الاتحادية. 

واتهمت رينر برلين بتجاهل إرهاب اليمين المتطرف قائلة “لا يمكن تفسير الأمر إلا بهذه الطريقة، إذ إن مكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة لا يمتلك معلومات حول هذا الموضوع ويلتزم الصمت”.

وفي الاتجاه المعاكس، انتقدت ماريان لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مطلع شهر يناير 2018 القانون الجديد الذي أصدره رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون ويتعلق بتجريم نشر الأخبار الكاذبة، والتي وصفته بإنه يتعارض مع الحريات وطبيعة الدولة الفرنسية التي تتميز بالديموقراطية. وسبق ان صرح ماكرون أثناء التعبير عن تمنياته للصحافيين بمناسبة العام الجديد “سوف نطور جهازنا القضائي لحماية الحياة الديموقراطية من هذه الأخبار الخاطئة”.

كيفية انتشار الأخبار المزيفة

قالت ميليسا ريان، محررة “كنترول ألت رايت ديليت”، وهي نشرة إخبارية تتعقب أنشطة اليمين المتطرف وتقدم أدوات للمواجهة: “بينما كنا نحصل على المزيد من الأخبار عن روسيا والتحقيق، أصبحت وسائل الإعلام اليمينية مهووسة بشكل لا يمكن تفسيره بسيث ريتش لمدة شهر تقريبا على الإنترنت”. وتحدثت ريان، وهي منظمة وواضعة استراتيجية حملة رقمية، في حدث هاكس ـ هاكرز دس حول مكافحة الأخبار المزيفة، إلى جانب صحيفة فيليب واشنطن بومب و جوست ستروب في مختبرات الاستراتيجية.

قصة ريتش هي مجرد مثال حديث عن كيفية انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة عبر الإنترنت. وتقول ريان إن “واحدة من أكبر المفاهيم الخاطئة التي لدى الناس حول الأخبار الوهمية لا يزال هو أنها مجرد شيء يظهر على شريط الأخبار الخاصة ليوم واحد، وتضيف علينا حقا أن نبدأ بالتفكير في الأمر على أنه سلاح تستخدمه الأطراف المتعادية”.

أحداث كيمنيتس في شرق المانيا ق خلال شهر أوغست وسبتمبر 2018 دفعت بسياسيين إلى التحذير من مشاهد مصطنعة “لحرب أهلية” يسعى اليمين المتطرف إلى خلقها في شوارع المدن الألمانية.

هناك من يحاول أن يصطنع حربا أهلية في البلاد لجذب المتطرفين ونشر الخوف والرعب في نفس المواطنين. وتستغل التيارات الشعبوية الفرص والاحداث لنقل تصوراتها الخيالية عن حرب أهلية إلى الشوارع”، وتضخيم الاخبار وفبركتها، وادارتها على وسائل التواصل الاجتماعي من اجل، اثارة مشاعر الكراهية ضد الأجانب.

بات عصر “ما بعد الحقيقة” مولّداً ل “حقائق بديلة” مبنيّة في قسم منها على الأخبار الزائفة لكن مع ذلك، أنّ الأخبار الزائفة ليست السمة الوحيدة لعصر “ما بعد الحقيقة” بل هي أسلوب من أساليب تحقيق أهداف مصنّعي هذه الأخبار: ضرب الثقة بال”مؤسّسة” وخلق شرخ عموديّ يفصلها عن حاضناتها الشعبيّة.

ما يحصل من حوادث جنائية هي حوادث فرديّة يجب تعميمها وإطلاق الأحكام المسبقة على الأجانب أو ذوي الأصول المهاجرة.

وما ينبغي على كبرى شركات التكنولوجيا مثل “فيسبوك” و”غوغل” عمله هو تكثيف جهودها لمعالجة انتشار الأخبار الكاذبة خلال الشهور الستة المقبلة، وإلا ستواجه احتمال فرض الاتحاد الأوروبي لمزيد من الإجراءات التنظيمية. الحكومات والبرلمانات الأوروبية من جهتها عليها تعزيز المراقبة القضائية والدستورية، إلى ماتنشره التيارات الشعبوية على شبكات الانترنيت والتواصل الاجتماعي، التي باتت تهدد المجتمعات الأوروبية في عقر دارها.

ربما يعجبك أيضا