انتخابات 2019 .. العصر الذهبي لـ”الملك بيبي” مع ترامب

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

في 2015 رفض باراك أوباما مقابلة نتنياهو خشية أن يستثمر رئيس الوزراء اللقاء لصالحه إبان الانتخابات، لكن هذا العام، وقبل الانتخابات بنحو أسبوعين يستقبل دونالد ترامب نتنياهو ويحتفي به، ويقدم له هدية كبيرة – لا يملكها أي منهما – وتتمثل في التوقيع على اعتراف الولايات المتحدة باعتبار هضبة الجولان السورية جزءًا من إسرائيل.

أصبحت الصورة أكثر وضوحًا الآن نتائج الانتخابات الإسرائيلية تخضع للإرادة الأمريكية بشكل كبير، أو بمعنى أوضح: تخضع لإدارة ترامب وجماعته في البيت الأبيض تحديدًا.

وصل بنيامين نتنياهو يوم الأحد الماضي، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، لإجراء سلسة لقاءات أبرزها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعدما حضر لحظة توقيع ترامب على مرسوم بـ”تبعية” الجولان لإسرائيل، جهز نفسه منتشيًا ليلقي خطابًا أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، وهي أكبر لوبي في الولايات المتحدة داعم لإسرائيل.

قمة الجولان

وصفت الصحف الإسرائيلية لقاء نتنياهو مع ترامب بأنه “قمة الجولان”، وبعد توقيع ترامب على المرسوم أمام العالم هللت وسائل الإعلام الإسرائيلية ووصفت هذه اللحظة بأنها “تاريخية”، وكان نتنياهو قد أعلن قطع زيارته إلى واشنطن بعد هجوم بصاروخ أُطلق من غزة وسقط فوق منزل في تل أبيب، غير أنه عاد وأشار إلى أنه سيؤجل عودته لحين الانتهاء من مباحثات أمنية وصفها بالمهمة.

زيارة انتخابية

بعيدًا عن مسألة الحق السوري المستلب، وقبله الحق الفلسطيني الذي سلبه ترامب ومنحه لإسرائيل بإعلان القدس عاصمة للولايات المتحدة؛ فإن زيارة نتنياهو للولايات المتحدة في هذا التوقيت تحديدًا هي زيارة انتخابية دعائية لرئيس الوزراء الذي يواجه خصومًا أشداء في تحالف كاحول لافان (أزرق أبيض)، ويواجه لائحة اتهام تقلقل موقعه وتهدد مصيره السياسي.

إعلان ترامب اعتراف بلاده بـ”سيادة” إسرائيل على هضبة الجولان يوم الخميس الماضي سحب الأضواء قليلا من فوق قضية الغواصات الألمانية التي طفت على السطح مجددا، فرئيس الوزراء المتهم في قضايا الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال المتعلقة بموقع والا وصحيفة يديعوت أحرونوت، وتلقي هدايا ثمينة من رجال أعمال؛ لم تُوجه له تهمًا فيما يتعلق بقضية الغواصات الألمانية، المعروفة بالملف 3000، رغم اتهام أصدقاء له وتابعين يخضعون للتحقيق حتى الآن، لكن مؤخرًا في الأيام الفائتة صعدت الغواصات إلى سطح الماء، وجذب ظهورها من جديد الأضواء، وصخبت الساحات الإعلامية والسياسية والانتخابية بضجة تفيد تورط نتنياهو في قضية الغواصات.

لا شك أن دونالد ترامب قد انتشل نتنياهو في اللحظة المناسبة، ففي الوقت الذي يواجه فيه “الملك بيبي” لوائح اتهام وخصومًا شرسين، لم يكن يتحمل أن توجه له تهمة جديدة قبل الانتخابات بأسبوعين، لكنه في المقابل تلقى هدية ثمينة، أغلى مما توقع خصومه، تمثلت في إعلن ترامب بتبعية الجولان لإسرائيل، ليصبح بيبي أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية حظًا، باعتراف الإدارة الأمريكية بسطوته على القدس والجولان خلال أشهر معدودات.

ذهب أوباما وظهر ترامب

أصبحت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة ساحة منزل نتنياهو،  يتحرك فيها كيفما يشاء، على خلاف انتخابات 2015، حيث ألقى خطابًا حينها أمام الكونجرس الأمريكي، وخلافا لموقف إدارة أوباما التي رفضت فتح الأبواب على مصراعيها لاستقباله، وبرر الرئيس الأمريكي السابق ذلك بقوله: “لا نتدخل في انتخابات دولة أخرى” وذلك حينما سئل عن سبب رفضه لقاء نتنياهو حينها، على خلاف هذه السياسة “العقلانية” ظاهريا؛ فإن دونالد ترامب لا يلقي بالا لمثل هذه البروتوكولات والافتراضات السياسية والدبلوماسية، بل يتحرك – منذ دخل البيت الأبيض – بعقلية رجل الأعمال المتغطرس، الذي يتجول كيفما يحلو له، معتبرا أن أمور السياسة لا تختلف عن الصفقات التجارية التي يعقدها.

ترامب يصر على مؤازرة حليفه وصديقه نتنياهو، ويعلن بتحركاته وتصريحاته ممالأته في صراع الانتخابات القادمة، لتصبح الولايات المتحدة في الوقت الحالي بمثابة أرض الفرص وموطن الأحلام بالنسبة للملك بيبي.

خطاب جانتس المعتاد عن الأمن

رغم أن بيني جانتس رئيس الأركان الأسبق ورئيس تكتل كاحول لافان ألقى هو الآخر خطابا أمام إيباك؛ فإنه من غير المتوقع أن يحقق نصرًا معنويًا على نتنياهو الذي اعتاد مثل هذه المواقف، ويستطيع إلقاء خطاب سياسي وجماهيري يجذب إليه الجميع، مستندا إلى دعم غير محدود من ترامب ونائبه مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو اللذين سيحضران فعاليات لجنة إيباك، ويتسلح نتنياهو بقرار ترامب بسطوة إسرائيل على الجولان، بينما يعتبر جانتس تلميذا مبتدئًا على الساحة السياسية والإعلامية يلزمه وقت قبل أن يتمكن من جذب الجماهير إليه بحنكة انتخابية لا يملكها بعد.

الأمر ليس سهلا على نتنياهو كي يحظى هذه المرة بدعم يهود ولايات المتحدة ولوبي إيباك، خصوصًا وأنه وقف مع اليمين الحريدي في إسرائيل ضد يهود الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا دينية ترتبط بمفهوم “يهودية الدولة”، لكن بالتأكيد الأمر أكثر صعوبة على بيني جانتس الذي يقف للمرة الأولى أمام اللوبي اليهودي في أمريكا.

في الوقت الذي لا يتحدث في خطاباته إلا عن مفهوم “أمن” إسرائيل ومواجهة إيران وحماس، ولكن هؤلاء اليهود الأمريكيين ينتظرون خطابًا يجيب عن تساؤلاتهم بخصوص الهوية اليهودية والدين، ويقدم جديدا فيما يتعلق بعلاقة اليهود بكل من إسرائيل والولايات المتحدة، على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومستقبل المسألة الفلسطينية، وكل هذا يستلزم من كاتبي خطاب جانتس جهدًا كبيرًا، وهذا الجهد استطاع نتنياهو توفيره لنفسه بدعم ترامب غير المحدود.

هدية ثالثة

بعد إهدائه القدس والجولان، ينتظر نتنياهو هدية ثالثة، تعطيه دفعة كبيرة في سباق انتخابات إبريل، جوناثان بولارد، اليهودي الأمريكي الذي أُدين بالتجسس لصالح إسرائيل، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكنه خرج عام 2015 بعد قضائه ثلاثين عاما في السجن، ورغم منحه الجنسية الإسرائيلية؛ فإن الولايات المتحدة رفضت الموافقة على هجرته إلى إسرائيل، حيث خرج وفقا لإطلاق سراح مشروط، وعلى مدى سنوات تسعى إسرائيل لتهجيره، حيث تحول إلى “بطل قومي” يجب منحه فرصة العيش داخل الدولة التي تجسس لصالحها وتجنس بجنسيتها ويدين بيهوديتها.

بناء على شروط إطلاق سراحه؛ يتوجب على بولارد قضاء خمس سنوات في الولايات المتحدة قبل أن يغادرها، لكن نتنياهو يطمع في هدية ثالثة من ترامب، يأمل أن يصعد معه بولارد طائرته المتجهة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، ليلوحا سويا لجمهور الإسرائيليين الذين يتجهون لصناديق الاقتراع بعد أسبوعين.

ربما يعجبك أيضا