انتقادات واسعة لاتفاق ميانمار والأمم المتحدة حول الروهنجيا

أسماء حمدي

رؤية – محمود سعيد

تعرض المسلمون “الروهنجيا” في إقليم أراكان لنكبات وجرائم مأساوية شهدها العالم أجمع عبر الفضائيات وصور الأقمار الصناعية ووسائل التواصل الاجتماعي، جرائم إبادة جماعية واغتصاب وتهجير قسري، آهات وشجون وألم أطفال وأمهات وشيوخ وأرامل ويتامى وثكالى، وكل ذلك لأنه شعب اختار معتقده ورفض كل المغريات لثنيه عنه.

وليس لما جرى في هذا العام من مثيل سوى ما حدث في أعوام 1824م وعام 1942م حيث دمرت المساجد والمدارس، وأبادت المليشيات البوذية الشجر والحجر والبشر في مناطق المسلمين.

ومنذ سنوات يرتكب جيش ميانمار ومليشيات بوذية جرائم بحق الروهنجيا، ما أسفر عن لجوء قرابة 826 ألفًا إلى بنغلاديش، بينهم 656 ألفا فروا منذ 25 أغسطس/ آب الماضي، وفق الأمم المتحدة، التي سجلت جرائم اغتصاب، كذلك فإن 60 بالمائة منهم أطفال، وذلك بعد حملة القمع التي وصفتها المنظمة الدولية والولايات المتحدة بأنها “تطهير عرقي”.

فيما أفادت منظمة أطباء بلا حدود الدولية بمقتل ما لا يقل عن تسعة آلاف من الروهنجيا، بينهم 730 طفلا دون الخامسة، في أراكان بين يومي 25 أغسطس/ آب و24 سبتمبر/ أيلول الماضيين.

اتفاق ميانمار والأمم المتحدة حول الروهنجيا

في 6 يونيو/ حزيران الجاري، وقعت حكومة ميانمار اتفاقا مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، من شأنه السماح للوكالتين الأمميتين المذكورتين بالانخراط في عملية إعادة لاجئي الروهنجيا، المؤجلة منذ فترة.

الاتفاق نص على وضع إطار تعاون بين الجانبين، يهدف إلى تهيئة الظروف لعودة طوعية وآمنة وكريمة ومستدامة للاجئي الروهنجيا، ولا يتضمن الاتفاق إطارا زمنيا محددا، ولا يعالج مسألة حرمان ميانمار للروهنجيا من حق المواطنة.

وقد اعتبر خبيران دوليان الاتفاق المبرم حديثا بين ميانمار والأمم المتحدة بأنه “غير كافٍ”، وطالبوا بتوفير قوة أمنية أممية لضمان العودة الآمنة للاجئي الروهنجيا الناجين من المجازر التي ارتكبتها ميانمار.

وقال ماونغ زارني، منسق الشؤون الاستراتيجية في تحالف “ذا فري روهنغيا”، وناتالي برينهام، الباحثة الاقتصادية والاجتماعية في جامعة “ذا كوين ماري” بالعاصمة البريطانية لندن إنّه لا وجود لأي مؤشرات حول قبول ميانمار رسميا الروهنجيا كأقلية عرقية لا تتجزأ من الدولة.

وأضافا أن أي دور تقوما به (الوكالتان الأمميتان) في تسهيل عودة الروهنجيا من بنغلاديش إلى ميانمار ينطوي على مخاطر.

وشددا على أنّ العودة قد تؤدي إلى جولة أخرى من عمليات القتل الجماعي، وعقود أخرى من الاحتجاز في معسكرات الاعتقال أو إلى عمليات التجويع البطئ المتعمد.

وأوضح “زارني” و “برينهام” أنّ الظروف على أرض الواقع تؤكد غياب أي مظهر من مظاهر السلامة الجسدية للروهنغيا العائدين.

وفي هذا الشأن، انتقد الخبيران التعامل مع نص الاتفاق المبرم بين ميانمار والأمم المتحدة كما لو أنه أبرز سر أمن قومي بالنسبة لميانمار.

وأردفا بالقول: التزمت الأمم المتحدة بشكل واضح بسرية الاتفاق المبرم مع الحكومة الميانمارية التي يسيطر عليها الجيش، فلم تكشف المنظمة الأممية عن مذكرة التفاهم الخاصة بالاتفاق من أجل عمليات التدقيق.

الخبيران لفتا إلى عدم قيام الأمم المتحدة بمشاركة الروهنجيا في أي من مراحل المفاوضات حول مذكرة التفاهم، كما لم توضح دورهم في المستقبل.

انتقادات

في سياق متصل، دعا رئيس البعثة، إمام مجاهد عبد الملك، خلال المؤتمر، كلا من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض “عقوبات اقتصادية كاملة” على ميانمار.

وشدد عبد الملك على أن “ميانمار لن تصغ (للمطالب الدولية) مالم تُفرض عليها عقوبات اقتصادية كاملة، مع ضروة استثناء الدواء والطعام من هذه العقوبات”.

فيما انتقد شوكت علي، مدير منظمة المجتمع الأمريكي الروهنجي، الاتفاق الذي توصلت إليها ميانمار وبنغلاديش، في نوفمبر/تشرين ثانٍ الماضي، ويقضي بإعادة اللاجئين الروهنجيا من بنغلاديش إلى ميانمار.

وقال علي إن “الاتفاق فشل في معالجة القضايا الأساسية للحقوق المدنية، كحقوق المواطنة والحقوق العرقية.. الشيء الوحيد المذكور في الاتفاق بشأن الروهنغي هو أنه مقيم في ميانمار، ما يعني أنه مقيم بشكل مؤقت وليس جزءًا من الشعب”.

وتابع: “حكومة ميانمار قبلت بعودتهم لتجنب الضغط الدولي فقط.. اللاجئون غير مستعدين للعودة، مالم يستعيدوا مواطنتهم وتوفير الأمن كاملا لهم، وضمان الحياة في أرضهم دون انتهاكات”.

وشدد على أن “ميانمار تجبر مئات الآلاف من الشعب الروهنغي على الخروج من البلاد، ثم تقبل عودة قلة قليلة منهم، وهكذا في كل مرة كي تحموا ذلك الشعب”.

خطر العودة

من جهتها، أعربت شبكة بورما (ميانمار) لحقوق الإنسان، عن قلقها من احتمال تعرض لاجئي مسملي أراكان في بنغلاديش إلى تطهير عرقي في حال عودتهم إلى ميانمار، مشددة أن “عودة مسلمي أراكان ليس حلاً وإنما سيكون فخًا”.

وثمّن بيان صادر عن الشبكة التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن، بروتوكولا بين حكومة ميانمار والأمم المتحدة لإعادة مسلمي أركان لأراضيهم.

إلا أن البيان أكد في الوقت نفسه عن قلقه من عودة المسلمين إلى أراضيهم، مؤكدا ضرورة دراسة البرتوكول بشكل أكبر.

وشدد على ضرورة أن تكون إعادة الأراكانيين إلى مناطقهم، تحمل طابعا وقائيا لمنع الحكومة الميانمارية من ممارسة موجة جديدة من العنف ضد مسلمي أراكان.

ولفت إلى وجود قوانين تمييزية ضد مسلمي أراكان في ميانمار، وأن البروتوكول الموقع بين الأمم المتحدة والحكومة الميانمارية لا توجد عبارة تشير إلى إزالة هذه القوانين (لم يوضحها).

وبين أنه “بموجب قوانين وأنظمة تمييزية كهذه، فإن عودة مسلمي أراكان ليس حلاً وإنما سيكون فخًا”.

مخاطر في بنغلاديش

وأظهرت تسجيلات تداولها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، انغمار الخيام والأكواخ المؤقتة التي تؤوي حوالي 4 آلاف لاجئ من مسلمي الروهنجيا في مناطق الفيضانات الواقعة بالمنطقة المحايدة بين الحدود البنغالية مع ميانمار.

وعكست التسجيلات المتداولة حجم المعاناة التي تكبدها اللاجئون الروهنجيا جراء الانهيارات الطينية التي سببتها الأمطار الموسمية الغزيرة في مخيماتهم ببنغلاديش، خلال اليومين الماضيين.

وقدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مستندة على رسم الخرائط الجوية، وجود ألفي شخص معرضين لخطر الفيضانات والانهيارات الأرضية.

وشددت المفوضية على ضرورة نقل هؤلاء الأشخاص إلى أماكن أكثر أمنًا.

وتتزايد المخاوف من بقاء أكثر من 200 ألف شخص بلا مأوى، بسبب الانهيارات الأرضية خلال موسم الرياح الموسمية والأمطار الغزيرة التي تستمر حتى سبتمبر/ أيلول المقبل.
 

ربما يعجبك أيضا