الأمر بات ممكنًا.. كيف تتأثر أوروبا بانتصار أوكرانيا المحتمل؟

آية سيد

أصبح انتصار أوكرانيا مرجحًا أكثر من ذي قبلفي الحرب الدائرة مع روسيا، فهل يفتح الباب أمام تحرر دول أوروبا الشرقية من الهمينة الروسية؟


بعد مرور 6 أشهر على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت قوات كييف في شن هجوم مضاد لاستعادة أراضيها المحتلة حقق نجاحًا ملحوظًا.

ويرى الزميل غير المقيم بمركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، براين ويتمور، أن انتصار أوكرانيا يبدو الآن مرجحًا أكثر من ذي قبل، ما قد يُضعف موسكو عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، ويفتح الباب أمام تحرر دول أوروبا الشرقية من الهيمنة الروسية.

انتصار أوكرانيا بات ممكنًا

في مقاله المنشور عبر مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، يوم السيت 10 سبتمبر 2022، يذكر ويتمور أنه على مدار شهر أغسطس الماضي، نفذت القوات المسلحة الأوكرانية هجمات متعددة على أهداف في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا بالقوة في 2014.

وشملت تلك الهجمات سلسلة من الغارات على مهبط طائرات ومستودعات ذخيرة، التي صرّحت السلطات الأوكرانية بأنها من تنظيم وحدات نخبة عسكرية تعمل خلف خطوط العدو. وكذلك شملت هجمات بمسيّرات على مقر أسطول البحر الأسود الروسي في مدينة سيفاستوبول.

ويقول ويتمور إن هذه الضربات تمثل “المرة الأولى التي تتحدى فيها أوكرانيا هيمنة روسيا على القرم منذ أكثر من 8 سنوات”، وغيّرت رواية الحرب لصالح كييف. وإلى جانب الانتصارات الأخيرة في خيرسون وخاركيف، فهي تشير إلى أن انتصار أوكرانيا بات ممكنًا، حتى لو لا يزال بعيدًا.

نقلة نوعية للأمن الأوروبي

يرى المحلل السياسي الأمريكي أن الانتصار الأوكراني سيكون بمثابة نقلة نوعية للأمن الأوروبي بحجم أحداث عام 1989، عندما حررت دول حلف وارسو القديم نفسها من الهيمنة السوفييتية. وينوّه بأنه ينبغي على المسؤولين في واشنطن والعواصم الغربية الأخرى الاستعداد لهذه الاحتمالية.

ويذكر ويتمور أنه في بداية الحرب، بدت إمكانية انتصار أوكرانيا على سادس أكبر جيش في العالم “سخيفة”، ولكن الهجوم الروسي الخاطف الذي استهدف خلع الرئيس فلاديمير زيلينسكي فشل فشلًا ذريعًا، ووصل القتال في إقليم دونباس، شرقي البلاد، إلى طريق مسدود. وفي 29 أغسطس، شنت كييف هجومًا مضادًا لتحرير إقليم خيرسون، المهم استراتيجيًّا، أعقبه هجوم سريع وناجح في خاركيف.

خسائر فادحة

يلفت ويتمور إلى أن حصيلة الخسائر الروسية منذ بداية الحرب تراوحت من 70 إلى 80 ألف جندي، ما بين قتيل وجريح، وأن الجنود الروس يعانون من انخفاض المعنويات والنقص الشديد في العدد، ما دفع مجموعة “فاجنر” المرتبطة بالكرملين إلى تجنيد المرتزقة من السجون.

وكذلك يشير إلى أن العقوبات الغربية بدأت التأثير سلبًا في الاقتصاد الروسي، وكبح قدرة موسكو على شراء تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات اللازمة لتعويض مخزون السلاح الذي استنزفته الحرب. ولا ينكر ويتمور أن أوكرانيا أيضًا تتكبد خسائر مرتفعة، ولكن على عكس روسيا، يرى أن الغرب يحفز الأوكرانيين ويزودهم بمعدات متطورة، مثل منظومات “هيمارس” ومعلومات استخباراتية.

تحرر بيلاروسيا

بحسب ويتمور، فإن ضعف القوة الروسية سيكون له تداعيات على الدول السوفييتية السابقة. ففي الدول الموالية لموسكو، مثل بيلاروسيا، قد لا تستطيع قبضة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو على السلطة الصمود أمام هزيمة “حاميه”. ويلفت الكاتب إلى أنه في أعقاب الانتخابات الرئاسية في أغسطس 2020، والاحتجاجات اللاحقة والحملة القمعية على المعارضين، خسر لوكاشينكو معظم شرعيته الداخلية.

ولم يحظ قرار لوكاشينكو بالسماح لروسيا باستخدام الأراضي البيلاروسية كنقطة انطلاق للحرب بأي شعبية. فضلًا عن إثارته لمقاومة البيلاروسيين الذين خرّبوا خطوط السكك الحديدية لمنع القوات الروسية من الوصول إلى الجبهة، وتطوع المئات منهم للانضمام إلى أوكرانيا في دفاعها عن نفسها. ولهذا، يرى ويتمور أن انتصار أوكرانيا قد يؤدي إلى تحرر بيلاروسيا.

كيف تتأثر جورجيا؟

ستصل تداعيات انتصار أوكرانيا أيضًا إلى الدول التي تصارع للتحرر من نفوذ موسكو، مثل جورجيا ومولدوفا، وفق ويتمور. وفي جورجيا، كان الشعب مواليًا للغرب بشدة، وكانت الأغلبية تفضل الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. ولكن حزب “الحلم الجورجي” الحاكم، الذي يموله الأوليجارش، بدزينا إفنشفلي، المرتبط بروسيا، أبعد الدولة باستمرار عن الغرب، وأعادها إلى دائرة موسكو.

ولذلك، يرى ويتمور أن هزيمة روسيا في أوكرانيا وتعثر الاقتصاد الروسي يُضعفون قبضة إفنشفلي على السياسة الجورجية، ويفتحون الباب أمام الجمهور الموالي للغرب لاختيار حكومة تتماشى مع قيمهم. وقد يُضعف هذا سيطرة روسيا على إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وربما يسهل إعادة توحيد جورجيا.

التداعيات على مولدوفا

بحسب ويتمور، تتولى رئاسة مولدوفا منذ ديسمبر 2020، مايا ساندو، الموالية للغرب، ويحظى حزبها “العمل والتضامن” بالأغلبية البرلمانية. ولكن مؤخرًا، عاودت الأحزاب الموالية لروسيا الظهور. ويعزو الكاتب هذا جزئيًّا إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى قطع الزراعة المولدوفية عن الأسواق الروسية والبيلاروسية.

ويشير أيضًا إلى المخاوف من انضمام القوات الروسية في أوكرانيا إلى تلك الموجودة في منطقة “ترانسنيستريا” الانفصالية، والتقدم نحو مولدوفا. ولكن هزيمة موسكو في أوكرانيا ستحول دون هذه الاحتمالية، وتقوّض قدرة موسكو على التأثير في سياسة مولدوفا.

وفي الختام، يقول ويتمور إن الانتصار لا يزال بعيدًا وليس مضمونًا بالتأكيد، ولكن يجب على الولايات المتحدة والغرب الاستعداد لهذه الاحتمالية، لافتًا إلى أن تحرر بيلاروسيا، وأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا من سطوة روسيا سيكون مغيّرًا حقيقيًّا للعبة.

ربما يعجبك أيضا