بعد جحيم الحرب الأهلية.. الإنترنت للجميع في “أرض الألف تل”

مها عطاف

رؤية – مها عطاف

قبل 25 عامًا، كانت رواندا “أرض الألف تل”، تلملم جراحها، بعد حرب أهلية عنيفة، اشتعلت في الفترة ما بين الـ1990 و1994، بين قبيلتي “الهوتو” و”التوتسي”، أغرقت البلاد في الدماء، وانهار اقتصادها بشكل كبير، حتى وصل متوسط دخل الفرد السنوي، لا يتجاوز الـ30 دولارًا، ولكن اليوم وبعد عقدين من الزمان، استطاعت رواندا تجاوز محنة الحروب الأهلية، والنزوح، وجرائم الاغتصاب، وواصلت مسيرتها التنموية، بإطلاق أول قمر صناعي في تاريخها، لربط مدارسها ومناطقها الحضارية بالإنترنت المجاني.

في رواندا.. الإنترنت للجميع

أطلقت “رواندا” أول قمر صناعي خاص بها للاتصالات، في يوم 27 من فبراير الماضي، وذلك بعد أن قررت الحكومة الرواندية، ادخال خدمات الإنترنت للجميع عبر الأقمار الصناعية، وتم تصميم هذا القمر الصناعي بواسطة شركة “OneWeb”بالمملكة المتحدة، وتم إطلاقه من خلال مركز فضائي فرنسي، في غويانا الفرنسية، على ساحل المحيط الأطلسي، في تمام الساعة الحادية عشر والنصف من مساء يوم الأربعاء الماضي، لتكون بذلك، إحدى المدارس في جزيرة “Nkombo” ببحيرة “Kivu”، هي أول المدارس التي ستستفيد من القمر الصناعي، حيث إن موقعها في هذه الجزيرة جعل توصيل الإنترنت لها في الماضي أمرًا مكلفًا للغاية وغير فعال.

وتعتزم شركة OneWeb، تمكين باقي المدارس في المناطق النائية المختلفة برواندا من الاستفادة من القمر الصناعي، وإمدادها بالإنترنت، وطالبت الشركة بأن يكون هذا القمر الصناعي خطوة ضمن مشروعها لإطلاق 650 قمرًا صناعيًا حول العالم، لإمداد المدارس والمستشفيات وباقي المرافق الأساسية بالإنترنت.

ووفقًا لوزيرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والابتكار في رواندا “بولا إنغابيري”، فقد كان من الضروري إنفاق ما يقارب الـ2 مليار دولار، لمد شبكة الألياف البصرية التقليدية إلى جزيرة Nkombo ، كما قالت الوزيرة: إن القمر الصناعي سيساعد أيضا على ربط المجتمعات النائية فيما بينها، مضيفة أن “الاستثمار في تكنولوجيا الفضاء هو جزء من مهمتنا الكبرى التي تتمثل في سد الفجوة الرقمية من خلال توفير فرص رقمية متكافئة للمجتمعات الريفية والنائية”، في حين قال غريغ وايلر مؤسس ورئيس OneWeb أن خدمة الاتصال الجديدة التي ستمد بها هذه المدارس والمجتمعات النائية “ستخول للرواندين تحقيق أحلامهم وتمكن رواندا من أن تصبح مركزا للابتكار التكنولوجي”.

من اليأس إلى الأمل والازدهار

بعد الحرب الأهلية التي استنزفت رواندا، وراح ضحيتها نحو مليون شخص، كانت تحتاج إلى معجزة حقيقية، لتضمن الأمن الغذائي لمن تبقى من سكانها، واستطاعت رواندا أن تتغلب على حالة اليأس، التي غزت قلوب شعبها، في تلك الفترة، ووضعت الحكومة خطة لتطوير الزراعة، وجلبت خبراء أجانب لأجل ذلك، وأنشأت شبكة هاتفية للمعلومات الزراعية ومكتباً للتصدير ونقل المحاصيل، ووفرت الأسمدة بأسعار رخيصة، ومعدات زراعية للتأجير بأسعار مشجعة.

كما وفرت الحكومة قروضًا ميسرة للمزارعين، لتظهر نتيجة ذلك خلال 5 سنوات فقط، فعلى سبيل المثال ارتفع إنتاج القهوة من 30 ألف طن بعد الحرب إلى 15 مليون طن بعد الأعوام الـ5 التي تلت الحرب.

ولم تقتصر خطة الحكومة على تطوير الزراعة فحسب؛ بل شجعت أيضًا الاستثمارات الخارجية، ففي حين كان رجل الأعمال بدول كثيرة يحتاج إلى أسابيع أو شهور ليحصل على ترخيص بالعمل، وضعت رواندا قانوناً جديداً للاستثمار، وأنشأت ما يعرف بنظام “الشباك الواحد”، الذي يمكن المستثمر من إنهاء جميع الإجراءات في مكان واحد وخلال بضع ساعات.

كما أسست الدولة مجلسًا استشاريًا للاستثمار والتطوير، كان أعضاؤه من الروانديين ذوي الكفاءات العليا والمنتشرين في مختلف دول العالم، وألغت رواندا التأشيرة لجميع الأجانب، سواء أكانوا أفارقة أم أوروبيين أم غيرهم، وهذا ما جعل العاصمة كيغالي أكثر العواصم الأفريقية استقبالاً للسياح الأجانب حالياً، بالنظر إلى هذه التسهيلات وسلاسة الإجراءات في مطارها الدولي.

معجزة حقيقية حققتها رواندا، نتج عنها نتائج اقتصادية رائعة، حيث بات اقتصادها الأسرع نموًا في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وتضاعف نصيب دخل الفرد من ناتجها المحلي إلى 30 ضعفا، وأصبحت واحدة من أهم وجهات المستثمرين والسياح بالعالم، وخلال الفترة بين عامي 2000 و2015، حقق اقتصاد رواندا نموًا في ناتجه المحلي بمعدل 9% سنويًا، وتراجع معدل الفقر في رواندا من 60% إلى 39%، ونسبة الأمية من 50% إلى 25%، وارتفع متوسط حياة الفرد من 48 عاماً إلى 64 عاماً.

ربما يعجبك أيضا