بعد دحر داعش.. هل يعود تنظيم القاعدة إلى المشهد الإرهابي ؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

عقب سقوط آخر جيوب تنظيم داعش بقرية الباغور شرق نهر الفرات، بفضل قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من قوات التحالف الدولي. هل يمكن أن تمثل تلك الهزيمة إفساح المجال لتنظيم القاعدة للعودة مجدداً، طالما اندلعت المنافسة بين التنظيمين على السيطرة على مناطق جغرافية، والسعي لجذب أكبر عدد من المقاتلين، للسيطرة على عرش المشهد الإرهابي بالمنطقة.

في وقت سابق، أعلن مدير المخابرات البريطانية، أليكس يانغر، أن “القاعدة التي كانت دائما في حالة خصومة مع داعش… عاودت الظهور بدرجة ما نتيجة تراجع داعش”.

ومن المرجح أن تتوقف صحوة القاعدة عن قدرتها على الاستفادة من الفرص المستقبلية مثل إعلان دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، وغيرها من القوى الغربية المكافِحة للإرهاب من ساحات القتال الرئيسة مثل أفغانستان والعراق وسوريا. علاوة على الهشاشة الأمنية والحدودية في المنطقة جراء الحروب الأهلية.

دلالات الصعود

إن فروع القاعدة في أفغانستان وسوريا واليمن هي من بين أكثر فروع تنظيم القاعدة نشاطًا، ففي سوريا، لا تزال جبهة النصرة عنصراً هامًا من عناصر التمرد ضد النظام السوري، وفي يناير 2017، تعاونت مع عناصر من أحرار الشام وغيرها من الجماعات لتشكيل هيئة تحرير الشام، ولكن جبهة النصرة لا تزال تعمل بشكل فعّال باعتبارها فرعًا لتنظيم القاعدة في سوريا، ولديها ما يصل إلى عشرة آلاف مقاتل.

أما في اليمن، فقد حاول تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أن يبسط قدمه في محافظات أبين ومأرب وشبوة ولديه ما يزيد عن أربعة آلاف مقاتل. وفي 2017، حدد قاسم الريمي، زعيم المجموعة، استراتيجية لبناء دعم واسع وعميق بين الجماعات والقبائل السنية في اليمن: “نحن نقاتل (بجانب) جميع المسلمين في اليمن، وبجانب الجماعات الإسلامية المختلفة. قاتلنا مع السلفيين دون استثناء. وقاتلنا مع الإخوان المسلمين، وأيضاً مع إخواننا من أبناء القبائل. وقاتلنا معاً مع الجمهور في عدن وأماكن أخرى. إذ إنّنا نشارك مع المسلمين في كلّ معركة”.

 وأعلن الظواهريّ في سبتمبر 2014، عن خلق كيان جديد منتسبٍ إلى القاعدة في شبه القارة الهنديّة، بحيث تشرف على الأنشطة في أفغانستان وبنجلاديش والهند وباكستان. ويقود المجموعة عاصم عمر، العضو السابق في حركة الجهاد الإسلامي، وهي جماعة إرهابية قائمة بباكستان ولديها فروع في شبه القارة الهندية. ويُرافِق عمرَ أبوذرّ، نائبه الأول، ويشرف على حوالي مائتي مقاتل.

وعلى الرغم من استمرار القاعدة، إلا أنّ الحركة قامت بعدد قليل من الهجمات الناجحة في الغرب على مدى السنوات العديدة الماضية. فخلافاً لتنظيم الدولة، فشلت القاعدة أيضاً في إحداث العديد من الهجمات فيما وراء البحار.

محفزات عودة تنظيم القاعدة

انسحاب القوات الأمريكية

قد يساهم انسحاب القوات العسكرية الأمريكية أو غيرها من القوات العسكريّة الغربيّة -وخاصّةً قوات العمليات الخاصة والقوة الجويّة- من ساحات القتال الجهاديّة في عودة انبعاثها. ومن الأمثلة على ذلك انسحاب القوات الأمريكية أو غيرها من القوات الغربيّة من أفغانستان والعراق والصومال وسوريا. ففي اثنتين على الأقل من هذه الدول -سوريا وأفغانستان- شكّكَ بعض مسؤولي إدارة ترامب في الحكمة من الالتزام الأميركي طويل الأجل.

لقد كانت الإجراءات الأمريكية في هذه البلدان، وإنْ كانت محدودة، بمثابة فحص ضد تنظيم القاعدة والمنظمّات الإرهابية الأخرى. وساهم الخروج الأمريكي والسوفيتي من أفغانستان في أواخر الثمانينيّات وأوائل التسعينيات من القرن المنصرم في زيادة تدهور البلاد وصعود حركة طالبان وتنظيم القاعدة. وساهم انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011 في عودة تنظيم القاعدة، وصعود تنظيم الدولة، وانتشار الأيديولوجيا التطرفية في جميع أنحاء المنطقة.

احتمالية الدمج

قد يسمح انهيار تنظيم الدولة -لا سيما رأس ما يسمى بالخلافة في العراق وسوريا- للقاعدة أو الجماعات الأخرى بالتجدد والانبعاث. كما أن زيادة إضعاف أو انهيار تنظيم الدولة يمكن أن تزيد أيضاً من إمكانية الدمج بين المقاتلين الموالين للقاعدة والدولة الإسلاميّة تحت مظلّة واحدة -أو حتى قد يؤدي إلى ظهور جماعة سلفيّة جهادية جديدة.

طبيعة تنظيم القاعدة الأكثر مرونة

يعد تنظيم القاعدة أقل رعونة في عملياته، مما يجعلھا أكثر تجددا وتكيفا واستعدادا للاستمرار، وأكثر معرفة بدول ومجتمعات المنطقة وثغرات السياسة الغربية، لذلك استطاع الحفاظ على نفسه بعد ھجمات سبتمبر 2001، كما كان أكثر قدرة على التنسيق مع الفصائل الراديكالية الأخرى في أفغانستان كـ”طالبان” أو في العراق أو في سوريا على العكس من داعش.

والحال، أن القاعدة اليوم هي تنظيم مختلف عما كانت عليه قبل عقد من الزمان. فالحركة أقل مركزية، وأقل تركيزاً على العمليات الإرهابية في الغرب في الوقت الراهن، وأقل شعبية. بناء على هذه التحديات، فإنه من غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة أو الجهاديون السلفيون الآخرون قادرين على الانبعاث من جديد. وحتى لو كان ثمة عودة، فيمكن أن يقودها تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة أو تنظيم جديد أو مزيج من الجماعات السلفيّة الجهادية.

ومن المرجح أن يتوقف هذا الانبعاث على القدرة على الاستفادة من الفرص التي تلوح في الأفق، مثل انهيار حكومة عربية أو أكثر. لكن التطرف الإسلامي الذي يمثّله تنظيم القاعدة لن يختفي. وستبقى الأيديولوجيا حية بشكل ما حيث تستمر الحروب في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط في الاندلاع.
 

ربما يعجبك أيضا