بعد رفع الأعلام الروسية في باماكو.. كيف ستخرج فرنسا من مأزقها ؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

بعد أكثر من ثماني سنوات من إرسال فرنسا قواتها للتدخل في مالي من أجل التصدي لـ«الجماعات المتطرفة» هناك كما هو معلن، تواجه باريس مأزقاً يتمثل بالبقاء في ظل الانقلابات العسكرية المتكررة في البلاد، أو الانسحاب وترك البلاد إلى تنظيمات متشددة.

مشهد المتظاهرين وسط العاصمة المالية، باماكو في حماية جنود موالين لزعيم الطغمة العسكرية رافعين الأعلام الروسية إلى جانب المالية ويطالبون بانسحاب القوات الفرنسية واستبدالها بتواجد عسكري روسي، بدا وكأنه منعطف جديد في أزمة مالي سيشتد معه الصراع الإقليمي والدولي في غرب أفريقيا وقد تكون تداعياته «سلبية» على الأمن القومي لدول الجوار.

مالي 1

مشاعر عدائية لفرنسا

مالي التي باتت مترشحة لأن تدخل موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية كأكبر دولة تتداول فيها السلطة عبر الانقلابات العسكرية فقط، يبدو أنها على وشك تغيير جلدها. مشاعر عدائية لفرنسا يعبر عنها بشكل أكثر وضوحا في الشارع المالي، تحركات تتناغم مع التحركات الروسية لتعزيز نفوذها في الساحل الأفريقي، وإن استبعد محللون استبدال القوات الفرنسية بهذه السهولة بـ«مرتزقة» تابعين لشركات أمنية روسية في بلد يشكل خاصرة منطقة نفوذ حيوي واستراتيجي لفرنسا في أفريقيا .

الحديث إذن عن تورط روسي فيما يجري في مالي تجاوز تكهنات عن استبعاد الرئيس المخلوع ورئيس حكومته ووزيري الدفاع والأمن من الحكومة والتخطيط للقبض عليهم قبل الانقلاب على خلفية صفقتين لشراء أسلحة وتفعيل اتفاقيات للتدريب مع موسكو وسط حراك غير مسبوق في الشارع السياسي المالي يدعو لتحالف استراتيجي مع موسكو .

الحضور الروسي في مالي يعود إلى الرئيس الاشتراكي موديبو كيتا والذي أقام تعاملا عسكريا وثيقا مع موسكو ساهم في تكوين الجيل الأول من ضباط مالي، لكن اللافت أن قيادات هذا الحراك «متنوعة» وتضم وجوها من المجتمع المدني والأحزاب وضباطا متقاعدين وأكدت علنا أنها على تواصل مع السفارة الروسية.

فبعد أن تمكن الروس من دخول القصر الرئاسي في أفريقيا الوسطى، الآن تتمدد شركة «فاجنر» لتسيطر على مفاصل الدولة وتشرف على الجمارك. وقد استدعوا جميع الشركات الكبرى في المنطقة لحضور جلسة عمل، ما تسبب في غضب عارم بين موظفي الجمارك الأفرووسطي والشؤون المالية، لسان حالهم يقول «روسيا ليست أفضل من فرنسا يا قوم!».

مشاهد محاولات استبدال الفرنسي بالروسي تشير إلى غيات الوعي عند البعض بخطورة التواجد والتدخّل الروسي ليس في النيجر أو مالي أو ليبيا بل في أفريقيا كلّها.

عزلة دولية

رغم إصدار المحكمة الدستورية في مالي قراراً تعلن فيه قائد الانقلاب العسكري، الكولونيل «عاصمي غويتا» رئيساً للجمهورية وللمرحلة الانتقالية. وبحسب القرار «سيمارس مهام وصلاحيات وسلطات رئيس المرحلة الانتقالية لقيادة العملية الانتقالية إلى خواتيمها» في محاولة منها لتقنين الانقلاب الذي أفضى به إلى السلطة والاستعداد لمرحلة انتقالية.

غير أن باماكو باتت تواجه عزلة دولية وعقوبات، حيث أدان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، الانقلاب العسكري، داعيا إلى إيجاد حل سلمي واستعادة الديمقراطية والاستقرار بالبلاد، ولوّح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات قوية على قادة الانقلاب، من أبرزها تجميد أموال العسكريين المشاركين في الانقلاب ومنعهم من السفر، فيما علّقت الولايات المتحدة تعاونها العسكري مع مالي.

إقليميا، علق الاتحاد الأفريقي عضوية مالي على خلفية الانقلاب العسكري الثاني، خلال شهر مايو الماضي، ودعا الجيش إلى العودة بشكل عاجل إلى ثكناته، والامتناع عن أي تدخل مستقبلي في العملية السياسية في البلاد.

اغتيال الرئيس التشادي إدريس ديبي قبل أسابيع، وعدم استتاب الأمن في ليبيا، والانقلاب العسكري في مالي ودخول أطراف دولية في المشهد، كل هذه الاحداث الجارية حاليا في القارة السمراء ستلقي بظلالها على استقرار منطقة شمال أفريقيا وقد يصل لهيبها إلى أوروبا.

Untitled 16
القوات الفرنسية في مالي

باريس في مأزق

بيد أن الأكثر إحراجا في المشهد الحاصل، فرنسا عقب انقلابين عسكريين في أقل من تسعة أشهر. فرنسا التي تنشر نحو 5100 جندي في مالي في إطار القوة المسماة «برخان» بدعوى محاربة التنظيمات المسلحة والإرهابية، لا سيما في ظل الضغوط الداخلية التي يتعرض لها ماكرون وتساؤل الشارع الفرنسي عن موعد عودة القوة الفرنسية من مالي.

لا سيما في ظل الفشل الواضح في التصدي للجماعات المسلحة سواء التي في مالي أم في بوركينا فاسو والنيجر وتحديداً فيما يسمى «الحدود المثلثة» وتكبد القوات الفرنسية خسائر فادحة خلال السنوات الأخيرة – بشرية ومادية – ساهمت في تزايد الضغوطات والانتقادات الموجهة لسياسات ماكرون في الساحل الأفريقي.

ربما دفعت هذه الضغوط، ماكرون إلى التلويح بإمكانية سحب القوات الفرنسية من مالي، إذا تبين له أن هناك مساعي للتفاهم بين السلطات المالية «الجديدة» وبين عدد من المجموعات المسلحة التي تحاربها فرنسا وهو ما يتم، بحسب مصادر فرنسية، من وراء ظهر الجانب الفرنسي.

المشكلة الحقيقية التي تواجهها باريس، حقيقة تبدو في ازدواجية المواقف، ففي الوقت الذي باركت باريس الانقلاب الأول في مالي قبل أشهر، ومن بعده غضت فرنسا النظر عما حصل في تشاد بعد مقتل رئيسها إدريس ديبي حيث نفذ ابنه الجنرال محمد إدريس ديبي ما يمكن تسميته انقلاباً على الدستور في موضوع انتقال السلطات عقب وفاة والده حيث لم تراع الأصول الدستورية.

ربما يعجبك أيضا