بعد 6 أشهر من الجمود السياسي.. الحكومة العراقية تخرج للنور

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد جلسة ماراثونية ومشاورات متعثرة، منح البرلمان العراقي في الساعات الأولى من، صباح اليوم الخميس، الثقة لحكومة مصطفى الكاظمي، بحضور 255 نائبًا من أصل 329 نائبا، حيث امتنعت بعض الكتل السياسية عن حضور الجلسة اعتراضًا على عدم تمثيلها بالشكل المطلوب في التشكيلة الوزارية.

 عقد البرلمان جلسة منح الثقة بحلول الساعة 11 مساء أمس تقريبًا، وذلك بعد اجتماع مطول لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي مع قادة الكتل البرلمانية بحضور الكاظمي، في محاولة لتأمين النصاب اللازم للتصويت على الحكومة والأهم تأمين تمريرها، فالكاظمي هو ثالث شخصية تكلف برئاسة الوزراء في غضون 10 أسابيع تقريبًا، إذ سبقه لهذه المهمة محمد علاوي وعدنان الزرفي.

حكومة حل
في بداية الجلسة قال الحلبوسي: في ظل وباء كورونا والتحديات التي تواجه العملية السياسية؛ نسعى لتشكيل حكومة قوية وقادرة على مواجهة جميع المصاعب.

من جانبه قال الكاظمي في كلمته أمام البرلمان: العراقُ يواجه تحديات كبرى، اقتصاديًا وأمنيًا وصحيًّا واجتماعيًا، لكنها ليست أكبر من قدرتنا على التصدي لها معا كعراقيين أصلاء، مضيفًا العراق يسعى إلى إقامة علاقات الأخوَّة والتعاون مع الأشقاء العرب والجيران والمجتمع الدولي، هذه الحكومةُ جاءتِ استجابةً لأزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية لتكون حكومةَ حلٍّ لا حكومةَ أزمات، ولقد تشرفت بتكليفي بتشكيل حكومة لمرحلة انتقالية تحيط بها أزمات ضلت تعيد إنتاج نفسها وتتراكم سلبياً منذ الإطاحة بالنظام الاستبدادي عام 2003.

وتابع: سأسعى  قدر ما أستطيع وما ألقى من دعم وتفهمٍ للصعوبات وتذليلها لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن، من هذا المنطلق وضعتُ مهمة أساسية أمام حكومتي هي المطالب الشعبية الحقة، التي نالت الاستجابة منكم، بالتحضير لانتخابات مبكرة نزيهة، لكن يجب قبل كل شيء تأكيد سيادة الدولة في كل المجالات وفقاً للدستور، وفي المقدمة حصر السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة و بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وعدم تحويل البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات.

هذه الكلمات جاءت عقب تقديم الكاظمي لبرنامج حكومته للبرلمان، الذي تعهد خلاله بعدة مهام على رأسها إجراء انتخابات مبكرة  بكل شفافية ونزاهة، وبتسخيـر إمكاناتِ الدولة لمحاربة جائحة كورونا، وفرض هيبة الدولة، وإعدادُ مشـروع قانون موازنة استثنائي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية، والإصغاء لمطالب الحراك الشعبي، فضلا عن تعهده بمكافحة الفساد وتطوير المؤسسات التعليمية وغلق ملف النازحين.

التشكيلة الوزارية “غير مكتملة”
ربما حظي برنامج الحكومة ورئيسها بدعم غالبية نواب البرلمان، لكن الشيطان يكمن من التفاصيل كما يقولون، لذا أدى الكاظمي اليمين الدستورية في الساعات الأولى من صباح اليوم، رئيسًا لحكومة غير مكتملة، إذ لاقت بعض الأسماء المقترحة للتوزير رفضًا من قبل البرلمان، ما يعني أن الكاظمي سيكون أمامه جولة جديدة من المشاورات مع الكتل السياسية للتوافق على هذه الأسماء أو بدلاء عنهم.

منح البرلمان ثقته لوزراء الدفاع جمعة عناد، والداخلية عثمان الغانمي، والمالية علي عبدالأمير علاوي، والتخطيط خالد نجم، والإعمار والإسكان نازلين محمد، والصحة حسن محمد عباس، والكهرباء ماجد مهدي علي، والتعليم نبيل كاظم عبدالصاحب، والنقل ناصر حسين بندر، والشباب والرياضة عدنان درجال، والصناعة منهل عزيز والاتصالات أركان شهاب، والعمل عادل حاشوش، والموارد المائية مهدي رشيد جاسم والتربية حميد مخلف.

فيما لم يمنح البرلمان الثقة لوزراء التجارة نوار نصيف، والثقافة هشام صالح داود، والزراعة اسماعيل عبدالرضا اللامي، والهجرة ثناء حكمت ناصر، والعدل عبدالرحمن مصطفى، ما تم تأجيل التصويت على مرشحي وزارتي الخارجية والنفط.

من المعروف أن وزارات كالخارجية والنفط وكذلك الدفاع والداخلية هي وزارات سيادية تتصارع عليها الكتل السياسية، لذا تخضع دائمًا لنظام المحاصصة في التوزير، وحسمها يكون من الصعب، فالجميع يريد قطعة من “الكعكة” ويريد ما يخدم مصالحه، بالنسبة لحكومة الكاظمي كانت الكتل الشيعية هي العقبة الأساسية في الوصول إلى توافق سياسي، وقبل الجلسة أعلن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي انسحابه من جلسة “الثقة” معتبرا أن حكومة الكاظمي لا تمتلك كل المقومات لإنتاج حكومة متماسكة وممثلة حقيقة لمصالح العراق وقادرة على التصدي للأزمات بفريق مهنيّ.

ترحيب دولي
المهم أن الحكومة خرجت إلى النور، لتنهي 6 أشهر من الجمود السياسي، والمد والجزر على الساحة السياسية لا لشيء سوى النزاع على الحصص السياسية، في وقت يعاني البلد فيه من أزمات متفاقمة زاد من وطأتها وباء كورونا في ظل حكومة تصريف أعمال لا تملك الكثير من الصلاحيات لإطلاق برامج لإنقاذ حقيقية، ناهيك عن الحراك الشعبي المشتعل منذ أكتوبر من العام الماضي، للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي.

في أول تعليق له على الحكومة، قال الرئيس برهم صالح: أباركُ لرئيس الوزراء الكاظمي نيل الثقة، بهذا نكون قد تجاوزنا مرحلةً عصيبة في تاريخ وطننا، لكن يجب استكمال التشكيلة الحكومية بأسرع وقت، لمواجهة التحديات.

من جانبه رحب البرلمان العربي صباحًا، بولادة حكومة الكاظمي وقال في بيان: نرحب بهذه الخطوة في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها العراق، مؤكدا أن أمن العراق واستقراره جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.

ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، رحبت أيضا بمنح الثقة لحكومة الكاظمي، وقالت في بيان: تواجه الحكومة معركةً شاقّةً وليس هناك وقتٌ يُدّخر، وتمثل مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت في ظل جائحة كوفيد-19 وتراجع أسعار النفط أولويةً قصوى، وعلى الحكومة الجديدة المُضيّ قُدُماً لإحداث تغييرٍ ملموس، فالتحديات كثيرةٌ، وكذلك هي الفُرص، والأمم المتحدة مستعدةٌ للمساعدة في تحديد الفُرص والتصدي للتحديات، والعمل بالشراكة مع العراقيين لبناء مستقبلٍ مزدهرٍ ومستقر لبلدهم.

وهنأت السفارة الأمريكية في العراق في بيان، الشعب العراقي بنجاحه في تشكيل الحكومة، معربة عن استعدادها لتقديم الدعم للكاظمي والشعب لمكافحة جائحة كورونا، وتحقيق النصر الشامل على داعش وتوفير المساعدة الإنسانية وتحقيق الاستقرار للنازحين والمناطق المحررة.

خلال اتصال هاتفي هنأ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الكاظمي على نيل ثقة البرلمان، معربا عن دعمه لأجندته من أجل العراقيين وتنفيذ الإصلاحات التي يطالبون بها، وتعهد بومبيو بتمديد الإعفاء الذي يسمح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران لأجل 120 يوما، للمساعدة في تهيئة الظروف المناسبة لنجاح الحكومة.

من هو الكاظمي؟ وماذا ينتظره؟
يحظى الكاظمي، 53 عامًا، بقبول واسع على الساحة الدولية – بحسب ما ذكرته “نيويورك تايمز” في تقرير نشرته اليوم- فهو شخص ليبرالي درس القانون قبل أن يعمل بالصحافة، ويعد أول رئيس وزراء عراقي من خارج وسط الإسلام السياسي منذ 2003، وهو غير محسوب على أي من الأحزاب السياسية، عاش الكاظمي لسنوات في المنفى واشتهر ككاتب رأي وعمل مديرًا لتحرير قسم العراق في موقع “مونيتور” الأمريكي، وأدار من بغداد ولندن مؤسسة “الحوار الإنساني”، بعد 2003 عاد إلى بغدد، وشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي، وعمل كمدير لـ”مؤسسة الذاكرة العراقية”، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم النظام السابق.

وفي 2016 تسلم الكاظمي رئاسة جهاز المخابرات الوطني، في ظل احتدام المعركة ضد داعش، وهذا المنصب جعله محط الأنظار داخليًا وخارجيًا، ووسع دائرة علاقاته مع دول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

 الكاظمي أمامه مهمة صعبة، لا سيما وأنه لا يحظى بقبول في الأوساط الشيعية التي تعتبره محسوبًا على الأمريكيين، أولًا سيكون عليه استكمال تشكيلته الحكومية وربما تكون هذه أهون مهمة، ومن ثم سيكون عليه التعامل مع أزمات محتدمة في مقدمتها جائحة كورونا وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك سيكون عليه التعامل مع الإضرابات الاجتماعية وتراجع أسعار الطاقة الذي خفض إيرادات العراق تقريبًا إلى النصف، الأمر الذي قد يدفع الكاظمي لاتخاذ إجراءات تقشفية ستضعه في مواجهة مع التيارات السياسية وحتى الشارع العراقي.

من جهة أخرى الكاظمي يأتي في وقت يشهد فيه العراق مواجهة غير مباشرة بين واشنطن وطهران على أراضيه، إذ تتوعد ميليشيات شيعية عراقية بالثأر لقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بعد أن قتلتهما الولايات المتحدة في هجوم بطائرة مسيرة بمحيط مطار بغداد  يناير الماضي، الأمر الذي سيُدخل الكاظمي في مواجهة مباشرة مع هذه الميليشيات، لإعادة الاستقرار الأمني والحيلولة دون إقحام العراق في حرب بالوكالة.

ويعمق من هذا التحدي الأمني عودة فلول “داعش” إلى الظهور على السطح من جديد واستهداف أمن العراقيين، مستغلين الفراغ الأمني في بعض المناطق وقيود الحركة التي فرضتها جائحة كورونا.

ربما يعجبك أيضا