بيوت فناني الزمن الجميل.. رحل ساكنوها وظلت تحارب الزمن

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

عندما كانت الشاشة الصغيرة لا تنقل سوى اللونين الأبيض والأسود كان خلفها حياة مليئة بالألوان الزاهية، وعندما تلونت الشاشات أضحى اللون الحقيقي الذي يقبع خلفها الأسود فقط.
شتان بين الأمس واليوم لقد تغيرت تفاصيل الحياة بشكل لافت فعندما ننظر إلى منازل فناني الزمن الجميل العتيقة نجد الجدران شاهدة على حياة مليئة بالحب والجمال.
رحل فنانو الزمن الجميل تاركين بيوتًا عابقة بأريج الأصالة ولازالت ضحكاتهم تملأ ثناياها.

شارع مظلوم

العمارة رقم 4 شارع مظلوم لمالكها الأول الفنان الراحل أنور وجدي، والتى لا تزال تحمل اسمه حتى الآن، فقد بنيت فى أوائل الخمسينيات وسكنها العديد من نجوم الفن، فقد بيعت لصندوق تأمين ضباط الشرطة في الثاني عشر من ديسمبر عام 1966، وهى تقع فى عشرة طوابق وتضم نحو 81 شقة ولها ستة مناور، ورغم أن تلك العمارة حملت اسم الراحل أنور وجدي، إلا أنه لم يسكن بها قط..

حيفا ويافا

في شارع محمد علي بالعتبة تجد عمارات “العوالم”، ارتبط الشارع بالعوالم لفترة طويلة وعلى بعد خطوات من بداية الشارع تجد عمارتين تحملان اسم “حيفا ويافا”، عاش فيها العوالم والفنانون منذ سنين عدة، أشهرهم “محمد الحلو – لوسي – صابرين”، ومئات العوالم في الخمسينيات من القرن الماضى.

شيد العمارتين رجل فلسطيني، هاجر من فلسطين للقاهرة واستوطن بها، أطلق على العمارتين “حيفا ويافا” لتظل تذكره بوطنه الذي هاجر منه، كل عمارة تتكون من عدة أدوار وكل دور به 8 وحدات سكنية، عبارة عن غرفة وصالة وحمام ، أصوات الموسيقى ومزاح العازفين وضحكات أهل الفن كانت تنطلق من العمارتين لكن الآن تغيرت الأحوال والسكان.

تحولت عمارات “العوالم” التى يعود تاريخها لأكثر من قرن من الزمان لمحال بيع الورق وأعمال التغليف والبلاستيك والزنجوغراف.
وقليل من محلات بيع الآلات الموسيقية، تختفي خلف واجهات وأكشاك بيع الموبايل، حال العمارتين اليوم يرثى لها بعدما تحولت لمقلب للقمامة، ومرتع للحشرات الزاحفة بعد وفاة مالكها الأصلي.

خرابة الملك

لافتة معدنية تحمل اسم الفنان الراحل “فريد شوقي” معلقة على أحد الشاليهات المتواجدة في القناطر الخيرية، الإهمال والخراب عنوانها، بيوت ريفية بسيطة تحيط بالشاليه الذي يطل على النيل مباشرة، حيث تحول المشهد من المراكب النيلية وامتزاج ضوء الشمس على المياه والنسيم العليل إلى أطفال يقفزون من شرفة الشاليه إلى النهر لإطفاء حر الصيف في النيل، مرتدين الملابس الخفيفة، وكذلك نساء يغسلن الأواني المنزلية وملابسهن، ناهيك عن الحيوانات النافقة على الضفاف والحيوانات الضالة التي ترتع في المكان دون ان تجد من يمنعها، كنز دفين بجواره كنوز أخرى؛ شاليهات لفنانين وملوك جميعها تحول إلى “خرابات” ولو كانت في أي مكان آخر بالعالم لتحولت إلى متاحف فنية عظيمة، تدر دخلًا للدولة باستمرار.

الا أنه رغم كل شيء ما تزال بنيتهم صامدة ومتماسكة وسط كل هذا الخراب، فجميعها يأخذ شاكلة واحدة، فالرسوم الفرعونية والبناء بالطوب الفرعوني لا يزال يحافظ على جزء من جمال تلك الشاليهات.

شبرا أرض الفنانين

أهدت شبرا إلى مصر كوكبة من العباقرة فى كل مناحى الحياة، كتابا وشعراء وصحفيين. ولكن بشكل خاص، فإن الفنانين الذين سكنوا حى شبرا عدد لا يمكن حصرهم، للدرجة التي تمنحنا فرصة لاستعادة مقولة المخرج الكبير خيري بشارة: “شبرا أرض الفنانين”.

أسماء كبيرة ولامعة منها”نجيب الريحاني، محمود المليجي، استيفان روستي، سراج منير، ماري منيب، حسن فايق، حسين رياض، سميحة أيوب، ومن المخرجين فطين عبد الوهاب وخيري بشارة، أما المطربون فمنهم فايزة أحمد، ليلى مراد، محرم فؤاد، والموسيقار بليغ حمدي”، وغيرهم آخرون.

عندما تذكر شبرا، لابد أن تقفز إلى مخيلتك، تلك الفتاة التي حصلت فى عام 1954 على لقب ملكة جمال مصر، إنها المطربة “داليدا”، تلك الجميلة التي احتلت قلوب المصريين بحديثها العذب دوماً عن مصر، وأغنياتها لهم، التي ما زالوا يعتزون بها حتى اليوم، مثل أغنية “حلوة يا بلدي” و”سلمى يا سلامة”.

في شارع شبرا الرئيسي، وعلى بعد حوالي 200 متر من كنيسة سانت تريزا، يقع شارع خمارويه، وعلى بعد خطوات من بداية هذا الشارع، يقع المنزل رقم 11، حيث ولدت فيه “داليدا”،المنزل كما تركته “داليدا” تجده هناك يحاول جاهدا الصمود أمام الزمن.

عمارة ليبون

في هدوئه المعتاد يتعانق النيل مع مبان أصيلة تحاول التمسك بظلال الاشجار، فحديقة الأسماك مازالت قبلة المبدعين، وعمارة “ليبون” الشهيرة كما هي رغم رحيل كلا من  “فاتن حمامة – فريد ومحرم فؤاد ورشدي اباظة”، لكن فيلا أم كلثوم أصبحت فندقا ومولا تخترق أضواؤه سكون الليل الذي عشقه “حليم”، كان الزمالك ولا يزال حي “الصفوة” لكن مفهوم الصفوة اختلف مع تغيير المفاهيم، فالحي الذي كان يعيش على أصوات الست والعندليب هو نفسه الذي شهد حادثة الفنانة التونسية “ذكرى” التي أطلق عليها زوجها رجل الأعمال ايمن السويدي رصاصات كانت بمثابة زلزال هز هدوء الحي الشهير، وكشف التغيرات التي طرأت على “الزمالك” ونوعية ساكنيها.

الإيموبيليا.. الأشهر

أخذت الإيموبيليا شهرتها لأنها تعتبر أضخم عمارة في القاهرة الكبرى، وهي من أملاك عبود باشا، أحد رجال الأعمال في خمسينات القرن الماضي، صممها المهندسان المعماريان “ماكس أدرعي وجاستون روسيو”، وتكلف بناؤها مليون و200 ألف جنيه مصري، وكانت تكاليف الإقامة بها باهظة، حيث تراوح الإيجار حسب مساحة الشقة من ٦ إلى ٩ إلى ١٢ جنيهًا.

اللافتة التي تصدرت واجهة العمارة تجعلك متشوقاً لتكتشف المزيد عن هذه العمارة التي سكنها عمالقة زمن الفن الجميل، ستجد أن الشكل الخارجي للعمارة يتمثل في برجين أحدهما بحري ويتكون من 11 طابقا، والآخر قبلي ويرتفع لـ13 طابقا وأرضيات الإيموبيليا تنطق بالجمال، حيث كتبت عليها “إيموبيليا”، وهي الشركة التي قامت بتصميم وبناء العمارة في عام 1940.

إلى جانب نجيب الريحاني، فهناك العديد من الشخصيات البارزة الذين سكنوا بـ”الإيموبيليا” مثل الكاتب الصحفي فكرى أباظة، وإبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر، بالإضافة إلى عدد كبير من نجوم الفن ومنهم سليمان نجيب، وليلى مراد، ومحمد فوزي، وهنري بركات،وظلت الإيموبيليا كذلك حتى عام ١٩٦١، عندما تم تأميمها، ليرحل عنها أغلب هؤلاء النجوم.

وللزمن بصمات تركها على المكان، فبعد رحيل هؤلاء العظماء قرر الورثة أن تظل هذه الشقق مغلقة ولا يسكن بها أحد، ويأتون هم لزيارتها والاطمئنان على حالتها من حين لآخر، في حين سيطرت الشركات ومكاتب المحاسبة والمحاماة ومحلات الملابس والمخازن على شقق أخرى داخل العمارة.

ربما يعجبك أيضا