تحقيق بجرائم ضد الإنسانية يقود “الجنائية الدولية” إلى عقوبات ترامب!

كتب – حسام عيد

“رغم الدعوات المتكررة من الولايات المتحدة وحلفائنا من أجل الإصلاح، لم تقم المحكمة الجنائية الدولية بشيء لإصلاح نفسها وتواصل القيام بتحقيقات بدافع سياسي ضدنا أو ضد حلفائنا وبينهم إسرائيل”. من هنا وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضالته وذريعته، ليجيز فرض عقوبات اقتصادية على أي مسؤول في المحكمة الجنائية الدولية يحقق بشأن عسكريين أمريكيين أو يوجه إليهم اتهامًا “بدون موافقة الولايات المتحدة”.

وقد هاجم ترامب مراراً المحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت في لاهاي لمحاكمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، من منطلق عدم تمتعها بالاختصاص القضائي.

وقررت المحكمة الجنائية الدولية التحقيق بعد أن تبين من الفحص الأولي في 2017 أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان وأن المحكمة الجنائية الدولية لها اختصاص قضائي.

وقالت “الجنائية الدولية” في 5 مارس 2020، إن المدعين العامين مُنحوا الضوء الأخضر لفتح تحقيق في جرائم حرب مزعومة وجرائم ضد الإنسانية في أفغانستان وخارجها، وترتبط هذه الجرائم بالأفغان وطالبان وقوات أمريكية.

وتغطي الفترة التي تطالب المدعية العامة بالتحقيق فيها جرائم مزعومة ارتكبت منذ الأول من مايو 2003، وغيرها من الجرائم المزعومة منذ الأول من يوليو 2002 والتي ارتكبتها دول أطراف في نظام روما الأساسي، وهو الاتفاق الدولي لعام 1998 الذي أفضى إلى تشكيل المحكمة. كما جاء في بيان المحكمة في حينه.

جرائم حرب بأفغانستان

ويأتي الإعلان كرد على قرار استئنافي للمحكمة الجنائية في آذار/ مارس الماضي بالسماح بفتح تحقيق في  جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أفغانستان  برغم معارضة إدارة ترامب.

ويتعلق التحقيق الذي تسعى إليه المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا بتجاوزات ارتكبها جنود أمريكيون في أفغانستان، حيث تقود الولايات المتحدة منذ 2001 أطول حرب في تاريخها. وقُدّمت مزاعم بالتعذيب تستهدف وكالة المخابرات المركزية “سي آي إيه”.

انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية

وسبق أن أعلنت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا “حق فلسطين في التوجه إلى المحكمة لمقاضاة إسرائيل”، ما قالت إن الأخيرة ارتكبت انتهاكات في الأراضي الفلسطينية، لا سيما الضفة الغربية، ومنها القدس الشرقية، وقطاع غزة.

وقالت بنسودا في 9 مايو “إن المعلومات الزائفة وحملات التشويه لن تغير الحقائق بشأن الوضع المقلق في فلسطين”.

روسيا تحرك التحقيق

وقد قال مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب، إن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الحرب في أفغانستان “يتم دفعه إلى الأمام من قبل منظمة مشكوك في نزاهتها” واتهم روسيا بلعب دور.

وقال المسؤول إن الأمر يأذن لوزير الخارجية مايك بومبيو، بالتشاور مع وزير الخزانة ستيفن منوشين، بتجميد أصول موظفي المحكمة الجنائية الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية المشاركين في التحقيق.

فيما اتهم وزير العدل الأمريكي بيل بار، روسيا، بـ”استخدام” المحكمة الجنائية الدولية وقال بار أمام الصحافة في واشنطن “نشعر بالقلق لأنّ قوى (دولية) تستخدم أيضاً المحكمة الجنائية الدولية، خدمةً لمصالحها الخاصة”.

ومن جانبه، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين أنّ هذا “الاستخدام” يهدف بشكل خاص إلى “التشجيع” على إطلاق تحقيقات قضائية دولية بحق عسكريين أمريكيين في أفغانستان، في ملف قضائي أثار غضب الولايات المتحدة.

“الجنائية” تحت مقصلة العقوبات

وهذا ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإصدرا أمر تنفيذي يوم الخميس الموافق 11 يونيو 2020؛ يقضي بفرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية التحقيق في “جرائم حرب محتملة” ارتكبت بأفغانستان، دون الحصول على موافقة واشنطن.

الرئيس ترامب الذي انخرط في تصعيد غير مسبوق في وجه  المحكمة الجنائية التي يتهمها بالتعدي على السيادة الوطنية، “سمح أيضاً بتوسيع القيود على تأشيرات الدخول” بالنسبة إلى أولئك المسؤولين وأفراد أسرهم. وأُلغيت العام الماضي تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لبنسودا نفسها.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني في بيان، “إن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، اعتداء على حقوق الشعب الأمريكي، وتهدد بانتهاك سيادتنا الوطنية”. وأضافت أن المحكمة الجنائية أصبحت “تستهدف وتهدد موظفي الولايات المتحدة، وكذلك موظفي حلفائنا وشركائنا”.

بومبيو: لن تهددنا محكمة صورية

وبعيد الإعلان عن قرار الرئيس ترامب قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن بلاده لن تسمح بأن تهدد “محكمة صورية” الأمريكيين، في إشارة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وتابع بومبيو، أن العقوبات قد تمتد لتشمل أفراد أسر مسؤولي المحكمة لمنعهم من زيارة الولايات المتحدة، مضيفاً بالقول: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتعرض مواطنونا للتهديد من محكمة صورية”.

وقد ألغت الخارجية الأمريكية بالفعل تأشيرة دخول المدعية العامة بنسودا إلى الولايات المتحدة، العام الماضي، كما هددت بمزيد من الإجراءات في مارس المنصرم بعد قرار من المحكمة الجنائية الدولية السماح بإجراء تحقيق في “جرائم الحرب” والجرائم ضد الإنسانية المنسوبة إلى القوات المسلحة الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وحركة طالبان في أفغانستان.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي، المحكمة الجنائية الدولية بأنها “مؤسسة سياسية غير خاضعة للمساءلة، متنكرة كهيئة قانونية”.

وقال بومبيو إنه لا يمكن السماح لمسؤولي الجنائية الدولية وعائلاتهم بالمجيء إلى الولايات المتحدة والاستمتاع بالحريات الأمريكية، في الوقت الذي يسعون إلى محاكمة ذلك الذي يدافع عن تلك الحريات.

نتنياهو “يرحب”

وكشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نقلا عن مصادر مطلعة على تفاصيل القرار الأمريكي، أن الأمر كان بالاتفاق مسبقًا مع إسرائيل، وذلك من خلال محادثات بين رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترحيبه بإتاحة ترامب المجال أمام فرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية.

قلق أوروبي “بالغ”

وفي أول رد فعل من خارج الولايات المتحدة أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن “قلق بالغ” حيال قرار ترامب بمعاقبة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية الذين يحققون مع جنود أمريكيين.

وقال بوريل للصحفيين “بالتأكيد هذا أمر مثير للقلق الشديد لأننا نحن، في الاتحاد الأوروبي، ندعم بثبات المحكمة الجنائية الدولية”.
 

ربما يعجبك أيضا