تركيا أمام معضلة في سوريا .. المعارضة تطرح “خريطة طريق” ومخاوف من اللاجئين

يوسف بنده

رؤية

تحظى تركيا بنفوذ وتأثير على جماعات إسلامية من المعارضة السورية المسلحة التي تبدو تابعة لها، ومتحركة بناء على سياساتها ورغباتها، لدرجة أنها تفرض عليها فتح جبهات بعينها وتهدئة جبهات أخرى، بحسب ما تقتضيه السياسة التركية في الأزمة السورية، لكن هذا النفوذ بدأ يتراجع في الآونة الأخيرة.

وتستعد دمشق تدعمها كل من إيران وروسيا لشن هجوم لاستعادة إدلب آخر معقل للمعارضة المسلحة ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

وتسعى أنقرة التي تنشر قوات في عدة نقاط في محافظة إدلب آخر معاقل المسلحين في سوريا، لمنع الهجوم وتتخوف من تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى حدودها.

ووفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية سيؤدي الهجوم على إدلب، إن حدث، إلى نزوح 800 ألف شخص.

وقد حث مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا كلا من إيران وروسيا وتركيا على “السعي لتجنب حدوث تصعيد عسكري كبير في إدلب”. جاءت تصريحات ميستورا قبل هجوم مرتقب من النظام السوري على المحافظة الواقعة في شمال غرب البلاد، في خطوة يعتقد المبعوث الأممي أنها من الممكن أن تثير “عاصفة كاملة” ربما يكون لها آثار سلبية على المنطقة الأوسع نطاقا.

وتؤوي محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا نحو ثلاثة ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة، نصفهم من النازحين، بمن فيهم عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تم إجلاؤهم مع مدنيين على مراحل من مناطق عدة في البلاد كانت معاقل للفصائل المعارضة قبل أن يستعيدها النظام. وكان مقاتلو المعارضة سيطروا على إدلب في العام 2015.

وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من إدلب بينما تنتشر فصائل إسلامية أخرى في بقية المناطق وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. كما تتواجد هيئة تحرير الشام والفصائل في مناطق محاذية تحديدا في ريف حلب الغربي (شمال) وريف حماة الشمالي (وسط) واللاذقية الشمالي (غرب).

معضلة إدلب

يقول “بول إيدن”، الصحفي المقيم في شمال العراق، لقد عملت الدول الثلاث (إيران وروسيا وتركيا) على مناطق خفض التصعيد التي حددتها محادثات أستانة وتهدف لإنهاء الصراع السوري من خلال ترتيب عمليات وقف إطلاق نار طويلة الأمد في بؤر التوتر الرئيسية في أنحاء البلاد. لكن في نهاية المطاف، استخدمتها دمشق وداعموها الروس بخبث في شن هجماتهم المتعاقبة على القوات المعارضة للنظام، كان آخرها في منطقتي الغوطة والشرقية ودرعا هذا العام.

والمنطقة الوحيدة المتبقية التي تتمتع بقدر من الأهمية هي إدلب، التي أقام فيها الجيش التركي 12 نقطة مراقبة تحيط المحافظة. وتسيطر تركيا وحدها على منطقة خفض التصعيد في إدلب.

روسيا وإيران مستاءتان من حقيقة أن الجهاديين يواصلون العمل في محيط تلك المنطقة. بل إن هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية الرئيسية في إدلب، قامت في أكتوبر الماضي بمرافقة المركبات العسكرية التركية إلى المحافظة عندما بدأت تركيا في إنشاء مواقعها هناك. وتستشيط أنقرة غضبا بدورها من الطريقة السالفة الذكر التي استغل فيها الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا الاتفاق الثلاثي.

أيضا، تركيا هي الوحيدة من بين هذه الدول التي لا تريد أن ترى النظام يهيمن على إدلب. فروسيا تصر على أنها ودمشق بحاجة إلى “القضاء على هذه الجماعات الإرهابية” المتبقية في إدلب بينما تشدد إيران، أكبر داعمي الأسد، على أن المحافظة “يجب تطهيرها”.

الواضح، أن تركيا أمام معضلة في إدلب، فهي تقلق من وجود خزان الجهاديين في جوارها، ومن جانب آخر تقلق من موجة النزوح إلى داخل الأراضي التركية. وكذلك تقلق من فقدانها السيطرة على مناطق عفرين ومنطقة درع الفرات، معاقل المسلحين الأكراد.

وربما سيكون الحل بالنسبة لها، هو التعاون مع روسيا مقابل ضمانات بالحفاظ على نفوذها داخل المنطاق الكردية والشريط الحدودي.

والتغيير الذي أبدته تركيا في موقفها، بتصنيف النصرة جماعة إرهابية بعد السكوت الطويل عنها، يكشف أن تركيا مشاركة روسيا وإيران في رسم خريطة الحل داخل سوريا.

دعوة للحوار

وقد طالب زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كليتشدار أوغلو (أكبر أحزاب المعارضة في تركيا) حكومة أردوغان بالجلوس إلى طاولة الحوار مع حكومة دمشق لأن الأسد ربح الحرب الداخلية ببلاده والحديث معه سيحقق منافع كبيرة لتركيا.

وأوضح كليتشدار أوغلو في بيان صادر عن مكتبه حول آخر المستجدات الحاصلة في سوريا، أن الحل الوحيد للأزمة السورية يمكن في التفاوض مع نظام الأسد والجلوس معه إلى طاولة الحوار.

وأضاف “على تركيا التخلي عن معاداة الأسد والتواصل معه بشأن الأزمة الحاصلة في إدلب، فالجميع بمن فيهم الولايات المتحدة تتواصل مع النظام السوري، فما المانع في تواصل تركيا مع حكومة دمشق، فوحدة الأراضي السورية مهم جدا بالنسبة لتركيا”.

وأشار كليتشدار أوغلو أن على الحكومة التركية إبلاغ المسؤولين الروس والإيرانيين والأميركيين، بحجم الكارثة التي ستصيب تركيا في حال وقعت موجة لجوء جديدة باتجاه أراضيها.

وقد طرح حزب الشعب الجمهوري، “خارطة طريق” لتسوية قضية إدلب ومن أبرز مقترحاتها إعادة التواصل مع إدارة الرئيس السوري، بشار الأسد، وتتضمن:-
 
1 – دعوة كل الدول والمؤسسات المعنية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، لإجلاء سكان المنطقة والجماعات غير الإرهابية من إدلب داخل حدود سوريا، والعمل بطريقة مناسبة لتحقيق ذلك.

2 – على تركيا مطالبة كل الجماعات المسلحة في إدلب بترك سلاحها وبذل جهود مكثفة لتحقيق ذلك.

3 – إدلب تشكل لتركيا مسألة أمن قومي، وقد حان وقت التأكيد على هذا الأمر خلال اللقاءات مع الجانبين الروسي والإيراني والتواصل مع نظام الأسد والعمل على إعادة إحياء روح اتفاقية أضنة عام 1998 بين الدولتين الجارتين.

4 – يجب ألا تقتصر اللقاءات مع الاتحاد الأوروبي حول سوريا على منبج والمشاكل المتعلقة بـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي و”وحدات حماية الشعب” الكردية وتوسيع إطار اللقاءات بمشاركة معلومات عن اجتماع طهران الأخير ومباحثات أستانا وسوتشي مع الولايات المتحدة.

5 – إبراز البعد الإنساني للأمر خلال اللقاءات مع الاتحاد الأوروبي بهدف عرقلة حدوث مشكلة لاجئين جديدة، ويجب على تركيا تكثيف تعاونها مع الاتحاد الأوروبي في أعمال إقرار الأمن والاستقرار في سوريا بإبلاغ الاتحاد الأوروبي بإصرار أن قضية إدلب تشكل تهديدا لأمنها القومي.

6 – يجب على تركيا فرض رقابة مشددة على الجماعات التي قد تحرض نظام الأسد على شن هجمات، وذلك لضمان عدم تعرض القوات التركية المتمركزة في إدلب في إطار أعمال مراقبة وقف إطلاق النار لأية اعتداءات واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن وسلامة جنودها.

عودة اللاجئين

استقبلت تركيا 3.5 ملايين لاجئ من سوريا منذ اندلاع الحرب السورية قبل أكثر من سبعة أعوام. وتعهد أردوغان في يونيو/حزيران بتسهيل عودة اللاجئين.

وبينما بدأت مئات العائلات بالفرار من جنوب إدلب خشية هجوم مرتقب للنظام السوري، يعود بالمقابل الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم.

وسائل إعلام تركية نقلت عن وكيل مدير إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية عبد الله أياز، قوله إنّ 50 ألف سوري ممن قضوا إجازاتهم في بلادهم، لم يعودوا إلى تركيا.

وأوضح أيضا أن عدد اللاجئين السوريين الذين غادروا إلى بلادهم بلغ 252 ألف شخص.

موجة لاجئين

قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الأربعاء الماضي، إن بلاده مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية للدول التي تستضيف اللاجئين السوريين في حالة وقوع هجوم شامل للقوات الحكومية على إدلب.

وقد زار ماس أنقرة بهدف تحسين العلاقات بين ألمانيا وتركيا. وقد هيمنت الأحداث في منطقة إدلب بشمال غرب سوريا على اجتماعات ماس مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي مؤتمر صحفي مشترك قال جاويش أوغلو إن اللاجئين من إدلب سيتدفقون على الأرجح على تركيا ودول أوروبية.

ربما يعجبك أيضا