تطورات المشهد التونسي.. «الغنوشي» يسعى للانتقال من مرحلة التغيير إلى التدمير!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

بعد موجة قاسية من الاحتجاجات الجماهيرية التي استهدفت إعادة النظر للوضع في تونس الخضراء، والتي أعقبها قرارات عاجلة للرئيس قيس سعيد احتضن بها مطالب شعبه بموجب الصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها، أصبحت دائرة التأييد الداخلي للرئيس الوطني في اتساع مستمر، خاصة بعد ربط الإصلاحات الاقتصادية مع التغييرات السياسية التي أحدثها.

إذ إن الحراك السياسي، ترافق مع أرقام إحصائية عالية ساندت التغييرات التي أصبحت تتصدر المشهد، في الوقت الذي اعتبرها خصوم الرئيس لا سيما المناصرين لحزب النهضة الإخواني “انقلابًا خطيرًا” على حد تعبيرهم، لتتصاعد من هنا حدة التوترات، وصلت للتوعد بإشعال فتيل الفوضى، الذي من شأنه الدخول بالبلاد إلى نفق مظلم تحت شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”!.

لكن، قادة الدولة التونسية حتى يومنا هذا، وبدعم من أطياف الشعب المختلفة، لا زالت تقف بالمرصاد لتلك الأقلية التي لطالما تسعى لتحقيق مصالح جماعتها، أو التوجه لخيار التخريب إن لم تتمكن من ذلك!.

دعم خيارات الرئيس

Tunisias democracy totters as the president suspends parliament

الأزمة غير المسبوقة التي يغذيها عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية والإحباط العام في البلاد، جعلت الدعم الشعبي لقرارات الرئيس يتزايد يومًا تلو الآخر، للإطاحة بالبرلمان ورئيسه راشد الغنوشي الذي فاقم الأزمة بدلًا من الإسراع في إيجاد الحلول للخروج منها.

لم يكن الدعم الشعبي فقط هو المساند لقرارات سعيد، بل انضم إليه الدعم السياسي، ففي سبيل تأمين حزام دعم سياسي للرئيس التونسي، بدأت حركة الشعب التونسية نقاشات مع الأطراف السياسية لتشكيل جبهة سياسية موحدة، تتبنى قرارات الرئيس.

إضافة إلى ذلك، أبدت غالبية منظمات المجتمع المدني في البلاد ارتياحها وتأييدها المشروط لقرارات وتحركات سعيّد، لكنها حذرت من تأثير هذه القرارات على الحقوق والحريات وطالبت بالتعجيل بإنهاء الأوضاع المؤقتة وإعلان خريطة طريق في إطار الدستور، وتشكيل حكومة جديدة لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والصحية.

وبعد 48 ساعة من القرارات الرئاسية، أصدر اتحاد نقابات تونس المهنية بيانًا مشتركًا ضم توقيع 7 نقابات، من بينها الصحفيين وجمعية القضاة والاتحاد العام للشغل، تضمن الاتفاق على تكوين لجنة عمل مشتركة لمتابعة تطورات الوضع السياسي في البلاد.

وقالت النقابات: إن الخطوة “تعمد لوضع تصور خاص بالقضايا المستعجلة، وأبرزها مكافحة فيروس كورونا ومراجعة القانون الانتخابي والنظام السياسي ومكافحة الفساد”.

وفي ذات السياق، أكد عدد من النشطاء السياسيين، على عدم وجود شبهة مساس بالحريات في القرارات الرئاسية الأخيرة.

وأشاروا إلى أن “الإجراءات جاءت تلبية لمطالب شعبية ومظاهرات جماهيرية احتجاجًا على 10 سنوات من فساد مجلس النواب وحركة النهضة الإخوانية، ووصول الأمر إلى طريق مغلق بين الرئيس والحكومة المدعومة من الإخوان”.

إذ قال الناشط السياسي التونسي المقيم في باريس أكرم هميسي، أن “الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية هيمنت على عمل كثير من الجمعيات الأهلية، وتخلت عن اختصاصها الأصيل في العمل السياسي، واستفادت من التمويل الخارجي ووظفته في ممارسات إرهابية وغير قانونية”.

واعتبر هميسي أن “الرئيس يعرف القانون جيدًا وعلّمه لأجيال مختلفة من الطلبة والباحثين، ولا يحبذ تكميم الأفواه”.

خيارات الخصوم

2021 02 27t133622z 1707461993 rc211m9jfas7 rtrmadp 3 tunisia protests

تأثير الدعم السياسي لقرارات الرئيس انعكس بشكل واضح على خيارات خصومه، إذ لم يجد رئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي وأنصاره، سوى التهديد والوعيد والتحذير من الدخول بالبلاد في مرحلة من الفوضى، رافضين إقرارات الرئيس ومتجاهلين الحشد الشعبي الذي لطالما طالب بالتغيير.

وحاولت حركة النهضة مجابهة القرارات، بإطلاق حملة تجييش سرعان ما فشلت، فعمدت إلى حملة علاقات عامة دولية، للتحريض على تونس ورئيسها، ما تسبب في خسارة الحركة حلفاء بارزين لها في البرلمان، إضافة إلى علامات تصدع داخلي توحي بقرب انفجارها من الداخل.

إذ نقلت وسائل إعلام تونسية اليوم، استقالة خليل البرعومي من المكتب التنفيذي ومن الإشراف على الإعلام في حركة النهضة.

وأوضح البرعومي لإذاعة “موزاييك” التونسية، أنه استقال احتجاجًا على ”عدم استيعاب قيادات حركة النهضة للرسائل الموجهة لها في 25 يوليو، يوم المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الضخمة ضد النهضة، وقرار قيس سعيد في مساء اليوم ذاته.

وفي السياق ذاته، قال القيادي في حركة النهضة والنائب سمير ديلو، إن “تونس تستحقّ الأفضل، أنا أتابع ما يكتب عن بلادنا وآلمني ذلك لهذا أشعر بالفشل ولكن يحدوني الأمل في تجاوز المرحلة”.

وفي الوقت الذي عولت فيه النهضة على حلفائها السابقين من داعمي الحكومة المقالة، ومؤيديها في البرلمان، تسارعت وتيرة الانقلاب من حلفاء الأمس على الحركة، وفي هذا السياق، انتقد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الحزب الذي يعد حليفًا دائمًا للنهضة منذ تشكله بعد الانشقاق على حزب الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي، ودعوات حركة النهضة الإخوانية لتجييش الشارع التونسي، مشددًا على أنها ستسبب في تعميق الأزمة في تونس.

تطورت المشهد.. تهديد وابتزاز

000 9GE9ZL

وفي مشهد أوضح النهج التي تسير عليه الجماعة دائمًا في مثل هذه المواقف، استمر الغنوشي في محاولة استقطاب الدول الغربية من خلال التهديد والابتزاز، إذ وجه تهديدًا مبطنَا للدول الأوروبية مفاده أنها ستواجه طوفانًا هائلًا من مئات آلاف المهاجرين إن لم تتدخل في تونس.

وقال الغنوشي -في حديث لصحيفة “كورياري ديلا سيرا” الإيطالية، نشر اليوم الجمعة- إن مئات آلاف المهاجرين غير القانونيين سيطرقون أبواب إيطاليا الجنوبية.

وتابع: “كلنا في مركب واحدة، نحن التونسيين والأوروبيين وتحديدًا أنتم الإيطاليين.. فإذا لم تعد الديمقراطية إلى تونس في أقرب وقت، فسريعًا سننزلق إلى الهاوية”.

وأردف: “يمكن أن يتصاعد التهديد الإرهابي وعندها تسود حالة من عدم الاستقرار تجبر الناس على الرحيل.. هناك أكثر من 500 ألف مهاجر محتمل سيتوجهون إلى السواحل الإيطالية في وقت سريع”.

وإجابة عن سؤال “هل ترى عنفًا في الأفق”، قال الغنوشي: “أكيد، إذا استمر الانقلاب وقوات الأمن بدأت في ممارسات دكتاتورية، فسنبذل كل قوانا لتلافي ذلك”.

وفي هذا الصدد، تخشى الأوساط السياسية من أن تلجأ حركة النهضة للعنف وحشد الأنصار لانتزاع مساحة تفاوضية مع مؤسسات الدولة التونسية، خاصة في ظل حالة الرفض الشعبي الكبير لهم، مرجحين استدعاء سيناريو العنف الذي مارسه الإخوان في مصر لتحقيق أهدافهم.

الرئيس التونسي: لن أتحول لديكتاتور

في المقابل، وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، قال الرئيس التونسي اليوم الجمعة، إنه لن يبدأ مرحلة جديدة في حياته “تقوم على الديكتاتورية”، مؤكدًا على أنه لا خوف على حرية التعبير أو التنظيم في بلاده وأن ما اتخذه من إجراءات كان وفق الدستور وليس خارجه.

وذكر سعيّد، خلال استقباله صحفيين من صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: “أردت أن أتقابل معكم لدحض كل الشائعات التي تروج لها بعض وسائل الإعلام، ليس للقيام بحوار، ولكنها رسالة لكل التونسيين والعالم أجمع بأن تونس بالرغم من الأزمة التي تعيشها فإنها تعمل في إطار ضمان الحقوق والحريات وما تم اللجوء إليه هو بناء على الدستور وليس خارجه”.

وأضاف: “أعلم جيدًا النصوص الدستورية وأحترمها ودرّستها، وليس بعد هذه المدة كلها سأتحول إلى ديكتاتور كما قال البعض”.

وتابع: “حماية للمؤسسات الدستورية، تم اتخاذ هذا القرار الاستثنائي، وكل الدول تلجأ إلى هذه التدابير الاستثنائية”.

وأوضح: “من يتحدث عن خرق للدستور، فهو كاذب، لأنني استشرت رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي.. إذن كيف يتم الانقلاب عن الدستور بالدستور ذاته؟”.

وأردف الرئيس التونسي قائلًا: “هناك لصوص داخل المجلس يعبثون بمقدرات الدولة وبحق الشعب التونسي في الحرية وفي الحفاظ على الحقوق والحريات.. لا خوف على حرية التعبير ولا خوف على حرية التنظم.. وليس في هذه السن سأبدأ مرحلة جديدة في حياتي تقوم على الديكتاتورية”.

كما شدد: “أكره الديكتاتورية وأمقتها، لكن هؤلاء يتخفون وراء بعض النصوص ليمارسوا ديكتاتورية غير ظاهرة.. ما تم القيام به بعد صبر طويل، تم القيام به في ظل الدستور، أكره الانقلابات لكن أكره أيضا أن يتم ضرب الدولة التونسية من الداخل”.

السعودية تؤكد دعمها لاستقرار تونس

وفي تطورات الأحداث، وفي واحدة من ردود الأفعال العربية المتتالية على الأوضاع في تونس، شدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، اليوم الجمعة، على ثقة المملكة العربية السعودية في قدرة القيادة التونسية في تجاوز الظروف الراهنة في البلاد، مؤكدًا وقوف المملكة إلى جانب كل ما يدعم استقرار تونس.

جاء ذلك خلال استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء اليوم، بقصر قرطاج الرئاسي، وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.

وفي الوقت ذاته، تسلم الرئيس التونسي رسالة خطية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إذ نقل وزير الخارجية خلال الاستقبال، تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لحكومة وشعب تونس الشقيق.

وجرى خلال الاستقبال استعراض الوضع الحالي في تونس الشقيقة، وما اتخذه الرئيس من قرارات تهدف إلى استقرار الوضع في تونس خاصة الوضع الصحي والاقتصادي.

ومن المملكة العربية السعودية إلى ليبيا، وقبل دعم المملكة بساعات، كان نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي، قد أكد الدعم المطلق للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لقرارات الرئيس التونسي المعلنة، مشيرًا إلى أن “تصريحات بعض الشخصيات لا تلزم الدولة الليبية”.

وخلال لقاء اللافي مع سعيّد في قصر قرطاج، الخميس، جدد المسؤول الليبي التأكيد على “التضامن الكامل للشعب الليبي مع الشعب التونسي، ومساندته له فيما يرنو إليه من تنمية وازدهار”.

تعديل حظر التجول وإنهاء مهام النفطي

وأصدر الرئيس التونسي مساء اليوم ، أمرا رئاسيا يقضي بتعديل فترة حظر تجول الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية لتُصبح من الساعة العاشرة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا، وذلك ابتداء من يوم 1 أغسطس 2021، إلى غاية إشعار آخر.

وبمقتضى هذا الأمر الرئاسي، تقرر أيضا منع كافة التظاهرات والتجمعات العائلية والخاصة والعامة بالفضاءات المفتوحة أو المغلقة،

كما  يتعين بموجب القرار الرئاسي على أصحاب المطاعم والمقاهي باختلاف أصنافها رفع الكراسي ومنع الاستهلاك على عين المكان ابتداء من الساعة السابعة مساء،

وعلى جميع الوافدين على تونس عبر جميع المعابر البرية والجوية والبحرية، الاستظهار بنتيجة تحليل سلبي ضد كوفيد19 لا تتجاوز مدته 72 ساعة من تاريخ إجرائه، عند التسجيل، مع وجوب الخضوع لحجر ذاتي لمدة 7 أيام ابتداء من تاريخ الدخول إلى البلاد التونسية،

ويفرض القرار على السلطات الصحية المدنية والعسكرية التكثيف والتسريع في حملة التلقيح تزامنا مع الانخفاض النسبي لحالات العدوى وتوفر كميات هامة من التلاقيح.

 وينص القرار أنه يتعين على مختلف رؤساء الهياكل الإدارية العمومية إجراء ما يلزم قصد التشجيع على العمل عن بعد على نحو يحد من التواجد الحضوري للأعوان، باستثناء أعوان قوات الأمن الداخلي والعسكريين وأعوان الديوان وأعوان مختلف الأسلاك المباشرين بوزارة الصحة وبالهياكل الصحية العمومية،

 وعلى مختلف أصحاب المؤسسات العاملة في القطاع الخاص العمل قدر الإمكان على اعتماد نفس هذه الإجراءات،

ويلزم القرار جميع المتدخلين في مكافحة كوفيد19 توحيد الإجراءات وإحكام التنسيق على المستوى الجهوي حسب مؤشرات انتشار العدوى بين المعتمديات والبلديات.

وفي وقت سابق، أصدر الرئيس التونسي  أمرا رئاسيا بإنهاء مهام محمّد علي النفطي كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج.

وبين هذا وذاك، ووسط التطورات الأخيرة في البلاد التي تلقى ردود أفعال هادئة سواء دوليًا أوعربيًا، تعيد التجربة إلى الأذهان فشل تجربة حكم الإخوان في مصر وإخفاقهم في محاولات الصعود إلى السلطة في دول أخرى مثل تونس، الأمر الذي يطرح التساؤل حول إذا ما كان عصر الإخوان في العالم العربي قد انتهى فعليًا؟ خاصة وأن حركة النهضة الإخوانية في تونس أصبحت أضعف من أي وقت مضى منذ انتفاضة 2011 نتيجة الأزمات السياسية، والاقتصادية وتخضع حاليًا لتحقيق بخصوص مخالفات تتعلق بالتمويل في الانتخابات الأخيرة، وتنفي ارتكاب أي مخالفات.

ربما يعجبك أيضا