تكهنات حول صفقة اقتصادية بين إيران والصين.. ضغط على واشنطن أم استعداد لمغادرة الاتفاق النووي؟

يوسف بنده

رؤية

يبدو أن طهران تمارس الضغط المتبادل مع واشنطن، فبينما تنتظر إيران الوعود الأوروبية بتفعيل آلية التبادل المصرفي لتخفيض آثار العقوبات الأمريكية. وفي ظل الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين، تتجه إيران لعقد صفقة اقتصادية ضخمة مع الصين، الهدف منها الضغط على رجل القرار الأمريكي.

فقد نددت بكين بالعقوبات التي فرضتْها الولايات المتحدة على شركات صينية بتهمة نقل نفط إيراني رغم الحظر الأميركي على طهران.

وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية “جينج شوانج” إن بكين تعرب عن استيائِها الشديد ومعارضتِها التامة للعقوبات التي فرضتْها الولايات المتحدة على شركات ومواطنين صينيين. وقال إن تعاون الصين مع إيران “مشروع وقانوني”.

وأضاف جينج أن الولايات المتحدة تلوح بعصا العقوبات رغم الحقوق والمصالح المشروعة لكل الأطراف، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للمعايير الأساسية للعلاقات الدولية. وحذر المتحدث من أن الصين ستتخذ التدابير الضرورية للدفاع عن حقوق شركاتِها.

صفقة بـ400 مليار

في ظل التصعيد الأمريكي، قال مسؤول إيراني، إن طهران وبكين أبرمتا عقودا بقيمة 400 مليار دولار، يتم بموجبها ترسية مشاريع على الشركات الصينية دون ضرورة المشاركة في المناقصات.

وأكد مراقبون أن “الصفقة في حال صدقت أرقامها ستكون إعلان نهاية الاتفاق النووي، بحيث لم يعد لطهران بعدها حاجة للاتفاق، مشيرين إلى أن إيران تسعى لمشاريع وطنية تخدم اقتصادها.

وقد أشارت رئيسة لجنة سوق المال بغرفة تجارة طهران، فريال مستوفي، إلى عدم وجود وثیقة حول هذه الصفقة حتى الآن، ودعت إلی إزالة الشکوك التي أثیرت في هذا الصدد.

وقد تم نشر الخبر لأول مرة في موقع “بترولیوم إیکونوميست” على الإنترنت في 3 سبتمبر/أیلول، حيث يقول الموقع إنه خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى بكين، نهاية شهر أغسطس/آب، تم توقيع الصفقة ومدتها 25 سنة، لكن أجزاء منها سرية ولا يتوقع نشرها.

ووفقًا للاتفاقية، تستثمر الصين 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، مع ضخ جزء كبير من هذا الاستثمار في صناعة النفط والغاز الإيرانية في السنة الأولى من تنفیذ العقد الذي يمتد لـ25 سنة.

ومن المقرر أن يستثمر الصينيون 120 مليار دولار في تطوير البنية التحتية للإنتاج والنقل في شكل اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع إيران، حيث من المتوقع تحقيق جزء كبير من هذا الاستثمار خلال السنوات الخمس الأولى.

وقد ذكرت مجلة “بتروليوم إيكونوميست” أنه بموجب شروط الاتفاقية، يحق للصين دفع تكلفة الإنتاج الإيراني بعد عامين، ويمكن للصين أيضًا أن تؤدي مدفوعاتها، بالعملة الصينية الرائجة، وبعملات أضعف حصلت علیها من التجارة مع أفريقيا والاتحاد السوفياتي السابق، إذا لزم الأمر، وهذا يعني أن الدولار لن يستخدم في المدفوعات من الصين إلى إيران.

وبموجب الاتفاق، تعهدت إيران ببيع النفط والمنتجات البترولية المصدرة إلى الصين أرخص من سعر اليوم بنسبة 12 في المائة؛ إذ قامت “بتروليوم إيكونوميست” بحساب النسبة المئوية لمعدل الانخفاض في سعر صرف العملات الأجنبية التي من المتوقع أن تحصل عليها إيران من الصين مقابل الدولار، وخلصت إلى أن الصين تشتري النفط والغاز من إیران أقل من سعر السوق بـ30 في المائة.

وستكون الشركات الصينية أيضًا في طليعة الشرکات التي ستتولی المشاریع الجدیدة، وغير المكتملة أو المتوقفة لحقول النفط والغاز الإيرانية، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع للبتروكيماويات في إيران.

ونقلاً عن مصدر إيراني، کتبت شركة “بتروليوم إيكونوميست” أنه بموجب الاتفاق، سيتم نشر 5000 من أفراد الأمن الصينيين في إيران لحماية مشاريع الصين، وسيكون هناك المزيد من الأفراد والمعدات لدعم الشحن النهائي للنفط والغاز والبتروکیماویات من إیران إلی الصین إذا لزم الأمر، حيث إن هذا الشحن یتم عبر الخليج.

ووفقًا لهذا الموقع، فقد قدم إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس الإيراني، نص الاتفاق إلى آية الله خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، قبل زيارة ظریف للصين، نهاية أغسطس (آب) الماضي، واطلع علیها أیضًا كبار المسؤولین في الوزارات الاقتصادیة في حكومة حسن روحاني.

وقالت شیرین هنتر، الباحثة البارزة في دراسات الشرق الأوسط، ردًا على هذه الصفقة والتزامات إيران تجاه الصينيين، قالت إنها تذکرني بمعاهدة البارون جوليوس رويتر في فترة ناصر الدين شاه.

وكتبت شیرین هنتر في تقييم الصفقة أنه نظرًا لأن الجانب الأقوى هو الرابح  في كل صفقة بين أي جانبين غير متكافئين، فقد حصل الصينيون علی تنازلات قيمة من إيران. ومع ذلك، حسب قولها، فإن سجل التعاون الصيني والاستثمار في إيران، وخاصة في قطاع النفط والغاز، ليس مشرقًا للغاية.

شراكة شاملة

حسب تقرير إيران إنترنشنال، لم يصدر أي رد فعل من المسؤولين بعد، ووصفت وكالة “فارس” للأنباء، يوم الأربعاء 18 سبتمبر/ أیلول الحالي، هذا الخبر بأنه “خدعة إعلامية”، وکذّبت الخبر، نقلاً عن مجید رضا حريري، رئيس الغرفة الإيرانية الصينية المشتركة، والذي وصف الخبر بأنه “مزيف”، في حين نقل موقع “تابناك” الإخباري عن “مصدر مطلع” قوله: “عندما زار وزیر الخارجیة الإیراني الصين، عرض على المسؤولين الصينيين تعاونًا طویل الأجل لمدة 25 سنة”.

وقد تمت مناقشة الاقتراح في مكتب المرشد والحكومة والمجلس الاقتصادي الأعلى. وعندما تقدم أنت مقترحًا یمکنك وضع أي رقم تریده”.

يرى موقع “تابناك” بدايةً، أن قصة خط الائتمان بين إيران والصين بدأت منذ 19 مارس/آذار 2019، عندما حضر الاجتماع السابع عشر للجنة التعاون الاقتصادي بين إيران والصين، وزير الشؤون الاقتصادية والمالية الإیراني، فرهاد دجبسند، وتشانغ شان، وزیر التجارة في جمهوریة الصین الشعبیة في بكين.

وکتب موقع “تابناك” أنه على هامش الاجتماع، أعلن فرهاد دجبسند، في مقابلة، أنه خلال اجتماع اللجنة المشتركة، تم توفير فرص مهمة لتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، بما في ذلك إنشاء خط ائتماني.

ووفقًا لـ”بترولیوم إیکونوميست”، يعد الاتفاق مكملاً لاتفاقية موقعة بين البلدين عام 2016، بعنوان “الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران”.

وقبل عامين، وقعت طهران وبكين أول صفقة كبرى بعد الاتفاق النووي، بقيمة 10 مليارات دولار، والمعروفة باسم صفقة ائتمان “سیتینغ غروب الصین”، مع خمسة بنوك إیرانیة، حيث تم التوقیع علی الصفقة في بکین، شهر سبتمبر/أيلول 2017، بحضور ولي الله سيف، الرئيس التنفيذي للبنك المركزي، وعلي أصغر خاجي، سفير إيران في بكين، ومحمد خزاعي، رئيس مجموعة الاستثمار، ومديري سيتي غروب في بكين.

وقد تم توقيع اتفاقية خط ائتمان “سیتینج غروب” مع 5 بنوك، وهي: رفاه، والصناعة والتعدين، وبارسیان، وباسارغاد، وتوسعه صادرات.

وقال محمد خزاعي، الرئيس السابق لمنظمة الاستثمار الإيرانية، إن الصفقة تم تقسيمها إلى ثلاث فئات، وأحد محاور التعاون مع هذه المؤسسة المالية الكبرى هي قضیة تمويل المشاریع التي یتم توقیعها من قبل الجانبين.

ووفقًا لما قاله محمد خزاعي، يعد استخدام قدرات شركات سیتيك لتنفيذ مشاريع كبيرة، بناءً على اتفاقية ثنائية، بمثابة تعاون إيراني آخر مع هذه المجموعة، فشراكة إيران الثالثة مع سیتیك في مجال الخدمات المالية لمجموعة سیتیك في إيران، وسيؤدي توقيع هذا الاتفاق إلى زيادة التعاون بين إيران والمجموعات الاقتصادية والمالية الصينية.

وفي إشارة إلى وجود سیتیك في جميع أنحاء العالم، قال محمد خزاعي: “يمكن أن تعمل المجموعة كبوابة لدخول إيران إلى العالم”.

وتحتل سیتیك تراست المرتبة 51 من بين 500 شركة مالیة على مستوى العالم، ویعد بنك التعمیر الصیني، وبنك سیتیك، ومجموعة بیدو، وشرکة جاینا فیلم، وشرکة بوست إکسبرس صین، من الشركات التابعة لمجموعة سیتیك.

الحزام والطريق

الصفقة الجديدة مع الصين هي أيضًا جزء من برنامج طريق الحرير الأوسع للصين، ففي إطار مشروع طريق الحرير الهائل، تسعى الصين إلى إطلاق شبكة عالمية من الشحن وتوسيع نفوذها الاقتصادي من الصين إلى أوروبا.

ضمن إطار الاتفاقية، سيكون خط سكة حديد طهران – مشهد بطول 900 کیلومتر، كهربائيًا، وستتصل إيران بأنقرة عبر سكة حديد تبريز، وهو شرط أساسي للتواصل مع أوروبا. وفي حالة تنفيذ هذا المشروع، ستتصل ولایة تشينغيانغ، غربي الصين، بمقاطعة خراسان عبر كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، وستصل إلى أنقرة بعد عبور طهران وتبريز.

وقد كتبت مجلة “بتروليوم إيكونوميست” عن تقدیم حوافز لروسیا وشركات روسية، لمنع روسيا من تعطيل المشروع في آسیا الوسطی.

وبموجب الاتفاق، ستساعد الصين إيران على زيادة إنتاج النفط والغاز، حيث تعد الاستثمارات في حقل جنوب فارس للغاز (المرحلة 11) وفي حقول نفط غرب كارون، بما في ذلك حقول شمال أزاديجان ویاد آوران، من بين الوعود الطموحة التي قدمتها الصين لإيران في الصفقة.

وفي السياق، وافقت الصين على الإسراع بتطوير المرحلة الثانية من حقل نفط جنوب فارس الإيراني الكبير ورفع الإنتاج في حقل نفط غرب كارون في إيران إلى 500 ألف برميل في اليوم بنهاية عام 2020.

ويبدو أن الصين وافقت على زيادة واردات النفط من إيران، حتى في ظل العقوبات الأميركية؛ فوفقًا لمجلة “بترولیوم إیکونوميست”، زادت الصين وارداتها من النفط الإيراني بأكثر من 4 في المائة في يوليو/تموز الماضي، من خلال شراء 925 ألف برميل يوميًا من إيران.

الميزة السياسية للصفقة التي من المحتمل أن تحصل عليها إيران هي أنها يمكن أن تلعب دورًا أكبر في نزاعاتها السياسية مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، من خلال اللعب بورقة الصين وروسيا، كأعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي.

وعلى الرغم من الحوافز المزعومة لإيران، فإن الحوافز التي تقدمها طهران للصين والتکلفة التي تدفعها ستكون أكبر بكثير من الفوائد التي قد تحصل عليها.

وإذا كان هذا الخبر صحيحًا، فإن موافقة قادة جمهورية إيران الإسلامية على مثل هذه الصفقة سوف تشير إلى أنهم ليس لديهم حافز لتطبيع علاقات إيران مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، وانحازوا إلى الصينيين بالکامل، حيث إن الخوف من “غزو ثقافي” إذا أصبحت العلاقات مع الغرب طبيعية مسيطر للغاية على قادة جمهورية إيران الإسلامية، ولا سيما آية الله خامنئي، لدرجة أنهم لا یؤنبهم ضمير عند التضحیة بالثروة الوطنية للبلاد، وهم على استعداد لفعل كل شيء للاستمرار في الحکم.

وبالتالي، مع هذه الصفقة، لم يعد بالإمكان طرح موضوع خط الائتمان الذي اقترحه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بقيمة 15 مليار دولار. ومع ذلك، تعتقد فريال مستوفي، رئيسة لجنة سوق المال في غرفة تجارة طهران، أنه حتى لو لم توافق الولايات المتحدة، يمكن لفرنسا تحديد هذا الخط كخط ائتمان بين البنكين المركزيين للبلدین. لكنها قالت إن وزير النفط في الجمهورية الإسلامية يعتقد أن خط الائتمان هذا سيكون بمثابة ديون على إيران بـ15 مليار دولار.

ربما يعجبك أيضا