جيش أوروبي موحد.. قوة للانتشار السريع والدفاع الذاتي

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ما زال الاتحاد الأوروبي  يدعو إلى ضرورة إيجاد قوة عسكرية للتدخل السريع يمكنها التدخل عسكريًا في مناطق الصراع الإقليمي والدولي من أجل دعم القرار الأوروبي. وتهدف الخطة، التي حظيت بدعم أربع عشرة دولة عضو، إلى تعزيز القدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي، كجزء من مراجعة استراتيجيته الشاملة التي سيتم الاتفاق عليها في عام 2022. وزادت هذه المطالب بتشكيل جيش أوروبي موحد، ضمن طموحات أوروبا الوطنية لتأمين أمنها القومي، في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي أعقاب تهديدات إدارة ترامب برفع الحماية في حال حدوث ذلك، إن لم تصعد الدول الأوروبية إنفاقها العسكري.  

إن فكرة وجود جيش أوروبي سبق أن تم مناقشتها لأول مرة في عام 1950 باقتراح من فرنسا وكان يفترض أن تتألف من البلدان “الستة الداخلية” (بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية في ذلك الوقت)، بالترتيب لتعزيز الدفاع ضد التهديد السوفياتي دون إعادة تسليح ألمانيا مباشرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. تم التوقيع على معاهدة إنشاء مجموعة الدفاع الأوروبية عام 1950 ولكن لم يتم التصديق عليها من قبل الموقعين.

يقع الدفاع عن أوروبا، في قلب السيادة الوطنية لغالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويتكون الدفاع الأوروبي بشكل أساسي من مستويين مهمين: قدرة الدفاع الذاتي لأوروبا وللدول الأعضاء والدفاع الجماعي الذي يقدمه الناتو. وتسلط معاهدة الاتحاد الأوروبي الضوء على الطبيعة الفريدة لسياسة الأمن والدفاع الأوروبية وتكريس الدور الريادي للدول الأعضاء واحتواء العديد من القيود على عمل الاتحاد الأوروبي في هذا المجال. 

ناقش وزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي خطة إنشاء جيش أوروبي موحد في 16 نوفمبر 2021 في بروكسل ، بهدف التوصل إلى وثيقة نهائية بحلول مارس من العام المقبل  2022 بشأن القوة العسكرية المشتركة.  

وزراء الدفاع والخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، اكدوا ضرورة أن يكون الجيش متكاملاً ويمنح حقوقاً أساسية للدول الأعضاء، على أن تنتقل تدريجياً الحقوق المتعلقة بميزانية الدفاع وقيادة القوات المسلحة إلى المؤسسات الأوروبية في بروكسل، وتوزع المسؤوليات والاختصاصات المختلفة للجيش بين قوات بحرية وجوية وبرية في سبل التطوير والشراكات في التدريبات والعتاد المتوفر لرفع مستوى الجهوزية لدى 1.2 مليون جندي أوروبي.

ويدرس الاتحاد الأوروبي تشكيل قوة عسكرية مشتركة يصل قوامها إلى 5000 جندي بحلول عام 2025 للتدخل في مجموعة من الأزمات ودون الاعتماد على الولايات المتحدة، وفقًا لمسودة الخطة.  والمكونات البحرية والجوية التي يمكن تبديلها داخل وخارج أي قوة دائمة ، اعتمادًا على الأزمة  وفقا لخطة العمل ـ جيش أوروبي موحد.

قلق أوروبي إزاء الحماية الأميركية

شهدت أوروبا الكثير من القلق، عندما انسحب الرئيس جو بايدن السريع للقوات الأمريكية من أفغانستان، وجدد الأوروبيون دعواتهم لتشكيل قوة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي. ساهمت الفترة الرئاسية لـ”دونالد ترامب”رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق في هز  ثقة الحلفاء الأوروبيين في واشنطن. وتنامت الشكوك حول مدى واشنطن باتفاقياتها العسكرية.  كما أثارت سياسات “ترامب” مخاوف الدول الأوروبية الأعضاء داخل حلف شمال الأطلسي  ما جعلهم يفكرون في كيفية الاعتماد على أنفسهم في القضايا الدفاعية والعسكرية.

يقول مؤيدو فكرة الجيش  الأوروبي الموحد،  إن سقوط كابول يجب أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ ، فإن آخرين لا يرون تهديدًا وجوديًا ويقتنعون بالبقاء كشركاء أصغر للقوة العسكرية الأمريكية . لم يكن أمام الدول الأوروبية خيار سوى الانسحاب من أفغانستان إلى جانب الولايات المتحدة – على الرغم من رغبتها في بقاء القوات الغربية ومنع وقوع البلاد في أيدي طالبان.

 اعتمد حلفاء واشنطن في الناتو على الدعم اللوجستي والجوي الأمريكي لمشاركتهم العسكرية في أفغانستان، ثم للإجلاء الآمن لمواطنيهم. وسبق أن وقع وزراء فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا والدنمارك وهولندا وإستونيا وإسبانيا والبرتغال المبادرة بإنشاء قوة أوروبية موحدة في لوكسمبورغ في 25 يونيو 2018، وبدعم من المملكة المتحدة المبادرة التي يُسمح لها بالمشاركة حتى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

القوة الأوروبية المحتملة ليس بديلا عن “الناتو”

قال ستولتنبيرج -في حديثه يوم الخامس من سبتمبر 2021- “أرحب بالجهود الأوروبية في مجال ضمان الدفاع، لكن شيئا مماثلا لن يحل محل الناتو. وإضافة إلى ذلك من الضروري أن نضمن وقوف أوروبا وأمريكا الشمالية بجانب بعضهما. وستؤدي أي محاولة لإضعاف صلة أمريكا الشمالية وأوروبا ليس إلى ضعف الناتو فحسب، بل وإلى تقسيم أوروبا. وذلك بسبب الأموال جزئيا، لأن 80% من تكاليفنا الدفاعية تأتي من حلفائنا من غير أعضاء الاتحاد الأوروبي”. وأشار إلى أن الدول الأوروبية التي ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي (بريطانيا وآيسلندا والنرويج)، وكذلك الولايات المتحدة وكندا وتركيا، تلعب دورا مركزيا في ضمان الأمن الأوروبي.

قوة عسكرية أوروبية في أوقات الأزمات

وافقت الدول على إنشاء قوة عسكرية أوروبية للانتشار السريع في أوقات الأزمات ، وهي مبادرة نالت دعم المملكة المتحدة في سعيها للحفاظ على العلاقات الدفاعية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبدون شك سيتيح المشروع المشترك بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقوات المسلحة الوطنية في جميع أنحاء أوروبا التنسيق والرد بسرعة معًا .

وإذا أريد لأوروبا أن تكون قادرة على المنافسة على الصعيد العالمي، فسيتعين عليها توحيد جهودها، خاصة في مجال الدفاع والأمن وهو ما يمثل تحديا كبيرا لأوروبا. 

ربما يعجبك أيضا