حان الوقت لنعطيه درسًا .. أوراق ألمانيا لمواجهة الاستقطاب الأردوغاني

مجدي سمير

رؤية – مجدي سمير

        الخلافات التركية-الألمانية متكررة ومستحدثة بشكل دائم بحكم التقارب الديموغرافي، ووصلت أحيانا إلى حد تبادل الاتهامات والشتائم بين مسؤولي البلدين امتد مؤخرًا إلى التدخل العلني في شؤون كل دولة عبر عمليات تجسس ممنهجة ودعوات لإثارة أطياف من الشعب ضد الأحزاب السياسية، مثلما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعوة المواطنين الألمان من أصل تركي إلى عدم التصويت للأحزاب المعادية له بالانتخابات البرلمانية.

ارتكب أردوغان وحزبه الحاكم “العدالة والتنمية”، الكثير من الخطايا خلال أحدث فصول الخلاف بين أنقرة وبرلين، متمثلة في تداعيات دعوته في 18 أغسطس/ آب الماضي ثلاثة ملايين ألماني من أصل تركي للمشاركة في الصراع السياسي الدائر بين البلدين والضغط على القادة السياسيين المعادين لأردوغان، قبيل مشاركتهم في انتخابات البرلمان الألماني المقرر انعقادها في 24 سبتمبر/ أيلول الجاري، وبعد ذلك سيتم تشكيل حكومة جديدة وانتخاب المستشار الألماني.

“استقطاب أردوغاني”

        يتضح خلال الأشهر الأخيرة توجه أنقرة نحو استغلال الأقليات التركية والمواطنين من أصول تركية بالخارج لأغراض سياسية تخدم مخططات “العدالة والتنمية” داخليًا وخارجيًا، مثل قضية تجنيد الأتراك في أوروبا للقيام بعمليات تجسس ضد عناصر حزب العمال الكردستاني وأعضاء جماعة الخدمة المنتشرين في العديد من دول أوروبا. وكذلك دعوتهم للمشاركة في الصراع السياسي الدائر بين البلدين، قائلًا: “أدعو كل أبناء بلدي في ألمانيا: حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر جميعها أعداء لتركيا. أدعموا الأحزاب السياسية التي ليست في عداوة مع تركيا .. لا تصوتوا لهذه الأحزاب التي تعادي بلادنا والمنافية للاحترام ضد تركيا. لتلقنوا هذه الأحزاب السياسية درسا في صناديق الاقتراع”.

“رد الفعل”

        وأوضحت نتائج استطلاع رأي أجرته “مؤسسة الأبحاث التعليمية والعلمية التركية-الأوروبية” بعد نحو أسبوعين من دعوة أردوغان، شمل 1072 تركيا يحمل الجنسية الألمانية بين الفئات العمرية 18-72 عامًا، أن نحو ثلثي الأتراك بألمانيا لن يستجيبوا لدعوة أردوغان في الانتخابات المقبلة.

وتشير النتائج إلى أن 64% من المشاركين بالاستطلاع أكدوا رفضهم الاستجابة لأردوغان. ومن المتوقع أن يصوت نحو 45% من الناخبين الألمان من أصول تركية لصالح الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، و12% لصالح الاتحاد الديمقراطي المسيحي، و7% لصالح تحالف الخضر.

أوراق ألمانيا لمواجهة الاستقطاب الأردوغاني:-

الورقة الأولى:
        لم يتأخر الرد الألماني كثيرًا على دعوة أردوغان، لتستخدم برلين أولى أوراقها لمواجهة الجانب التركي، تمثلت في إعاقة مسيرة مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

وأكدت أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا التي تعد أقوى دول الاتحاد الأوروبي، مطلع الشهر الجاري تعليق مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد، داعية قادة أوروبا للتوحد لاتخاذ قرار ضد مسيرة المفاوضات، ومشيرة إلى أن الضغوط الاقتصادية على تركيا ستزداد.

وأعقب الدعوة الألمانية دعوات مشابهة من فرنسا والنمسا والسويد، تصف مسيرة المفاوضات بـ”مضيعة الوقت”، وتؤكد على لا مكان لتركيا وسط الكيان الأوروبي، وحان الوقت لإنهاء أي تفاوض مع أنقرة بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

الورقة الثانية:
        التدخل في الشأن الداخلي ومحاولة إثارة أطياف الشعب الألماني وزيادة الاستقطاب السياسي لـ”لأتراك المجنسين” قد يهدد الأتراك الراغبين مستقبلا في الحصول على الجنسية الألمانية، إذ قد يدعو البرلمان الألماني لسن قرارات جديدة بشأن التجنيس أو إعادة النظر في موقف ثلاثة مليون ألماني من أصول تركية في حال التأكد من تنامي شعور القومية تجاه الوطن الأم واستمرار نفوذ وقدرة أردوغان على تحريك الملايين داخل ألمانيا، في ضوء تصويت 65% من إجمالي الناخبين الأتراك المقيمين في ألمانيا لصالح استفتاء التعديل الدستوري الرئاسي الذي دعا إليه أردوغان في أبريل/ نيسان الماضي.

الورقة الثالثة:
        حال استمرار تصاعد الخلاف بين البلدين لما بعد الانتخابات المقبلة -وهو أمر مستبعد وفقًا لمسلسل الخلاف التاريخي بين البلدين- قد تلجأ برلين إلى قيادة أوروبا نحو موقف موحد ضد أنقرة، لاتخاذ المزيد من القرارات السياسية والاقتصادية لفرض عزلة أوروبية ودولية على تركيا، وهى ورقة قد تكون للاستهلاك الإعلامي فحسب في ضوء المصالح الجيوسياسية للدول الكبرى مع أنقرة وموازين القوى الجديدة في المنطقة.

الورقة الرابعة:
        ألمانيا تمثل الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتركيا في أوروبا، من حيث حجم الصادرات والواردات بين البلدين، واستوعب السوق الألماني منتجات تركية بقيمة 14.7 مليار دولار عام 2016 ما يمثل 10% من إجمالي الصادرات التركية، وبالتالي أي عقوبات اقتصادية تجاه أنقرة سيزيد من حجم عجز التجارة الخارجية. وكذلك حجم الاستثمارات الألمانية المباشرة في تركيا يصل إلى 9.2 مليار يورو، متمثلة في 6 آلاف شركة ومصنع توفر أكثر من 60 ألف فرصة عمل.

وأكدت الغرف التجارية الألمانية في بيان لها عن صعوبة عمل الاستثمارات الألمانية في تركيا بسبب التوترات التي تشهدها العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة.

وقال وزير الخارجية الألماني “صبرنا كثيرًا على تركيا، ولكن لا يمكن مواصلة العلاقات بين البلدين على هذا النحو، ويجب إخراج تركيا من الاتحاد الجمركي الأوروبي”. كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن احتمالية تعليق المساعدات المالية المقررة لتركيا حتى عام2020 بقيمة 2.5مليار يورو.

الورقة الخامسة:
       تتمثل هذه الورقة في إمكانية تضامن دول أوروبا مع ألمانيا في رفع قضية دولية ضد أنقرة بشأن تورط الحكومة التركية في عمليات تجسس خارج الحدود، وهي قضية تم إثارتها في العديد من الدول الأوروبية مطلع العام الجاري مثل ألمانيا وهولندا وبلجيكا والسويد، وتمثل المتهم الأساسي في أعضاء هيئة الأوقاف التركية المنتشرين في أوروبا، المكلفين بعمليات تجسس على المواطنين الأتراك المقيمين في أوروبا وإعداد قوائم تصنيف لهم وفقًا للتوجهات السياسية والفكرية. كما أذاع راديو السويد تسجيلًا صوتيًا لعملية تجسس تركية داخل أراضيها.

ويقول بيتر بيلز عضو البرلمان النمساوي، إن “العاملين في القنصليات والسفارات التركية بالخارج قاموا بتسريب معلومات إلى جهاز المخابرات التركية بشأن الجاليات التركية وأفراد يُزعم ارتباطهم بحركة الخدمة في 35 دولة وليس فقط ألمانيا والنمسا”، مؤكدًا أن الاستخبارات التركية شكلت شبكة تجسس دولية.

ربما يعجبك أيضا