حكايات حب من نسيج الواقع تشبه الروايات

أماني ربيع

أماني ربيع

عندما تحدث الفقيه الأندلسي ابن حزم عن الحب في كتابه “طوق الحمامة”، وصفه باعتباره مرضا يطلبه القلب ولا يطلب شفاء منه، لا علاقة له بالمنطق أو الحسابات، إنه يحدث فحسب ويجري قانونه على المحبين الذين يطيعونه بإرادتهم وفي نفس الوقت دونها.

وجلب لنا التاريخ حكايات عن الحب بدا فيها العشاق مثل الأبطال الخارقين من فرط المشاعر وعمق المأساة، وسمعنا عن حكايات معاصرة ألهبت قلوبنا كان نهاية بعضها سعيدة والآخر لم يكتب له الاكتمال، لكن حتى الحب الذي انهزم وكتب الفراق نهايته أحيانا يكون أعظم الحب وأكثر حكاياته جمالا، وفي التقرير التالي نجول في حديقة الحب لنتلمس عطره في حكايات العاشقين.

بول نيومان وجوان وودوارد

عمر النهايات السعيدة في هوليود قصير، فحياة نجومها متقلبة بتقلب مزاجهم، والطلاق كلمة عادية، لكن حكاية النجم بول نيومان وزوجته الممثلة جوان وودوار كانت مختلفة، فقد عاشا سويا أكثر من 55 عاما في زواج عبارة عن قصة حب تتجدد كل يوم.

تقابلا لأول مرة في مكتب وكيل النجوم عام 1953، شابان موهوبان في مقتبل مسيرتهما، يقول نيومان إنه وقع في حبها من أول نظرة، اجتمعا في عمل رومانسي وكانت بينهما كيمياء قوية، لكنه كان متزوجا فحافظت وودوارد على مسافة محترمة، ورفضت أن تصبح “هادمة للسعادة”، وواصل نيومان احترامه لعائلته وأخفى مشاعره بقدر الإمكان.

لكن كان الطلاق محتوما ووقع بالفعل عام 1957، ليرتبط النجمان معا ويتألقا في العديد من العمال سويا، ورغم نجاحهما الكبير، فضلا أن تكون حياتهما العائلية هادئة، وكانا يرفضان المقابلات الصحفية وخارج العمل يفضلان الابتعاد عن الأضواء.

بدت علاقتهما دائما غير قابلة للكسر وهو ما دفع الصحافة للتساؤل عن سر هذا الزواج الطويل الناجح الذي تصدى لجنون الشهرة وغرورها, وعندما سئل عن سر نجاح زواجهما قال بول: سأقول لك شيئا، لدي شريحة لحم في المنزل، لماذا أشتري الهمبورجر؟!”

بينما قالت وودوارد: “الجمال يتلاشى، لكن أن تتزوجي رجلا يجعلك تضحكين كل يوم هذا علاج حقيقي لكل الأزمات”.

توفي نيومان عام 2008، في سريره وبجواره جوان، وكانت كلماته الأخيرة لها: كان شرفا لي أن أكون هنا معك”

جوني كاش وجون كارتر

وفي ستينيات القرن العشرين جرت أحداث قصة معاصرة حقيقية عن الحب الذي يشفي ويعيد الحياة إلى قلب ميت زاهد في كل شيء، كانت حياة المغني الأمريكي الشهير جوني كاش قد وصلت إلى الحضيض بسبب المخدرات وكرهه للحياة وضغط العمل الذي كاد يفقده عقله، ووجد شبه ميت على أطراف قرية صغيرة في جورجيا، في تلك اللحظة قررت صديقته مغنية الكانتري جون كارتر أن تحبسه في منزله، وبشخصيتها القوية تمكنت من إخراج السموم من جسده وإعادة البهجة إلى حياته، وفي تلك الفترة العصيبة تأكدا أن ما بينهما ليس مجرد احتياج بل حب حقيقي، لكنها كانت محملة بفشل زيجات سابقة ومعرفتها بحياته المعقدة فرفضت الزواج منه أكثر من مرة.

لكن في أونتاريو بكندا وبينما يغنيان سويا أمام الجماهير كانت عينا كاش مسلطتان على محبوبته خفيفة الظل المليئة بالطاقة فأوقف الأغنية وأمسك الميكروفون وعرض عليها الزواج مرة جديدة، ترددت قليلا ثم أخيرا قالت: نعم. ليتزوجا في مارس 1968.

عاد الأمل إلى كاش مجددا وتغيرت حياته وأصبحت مسيرته في صعود واستمرا في الغناء سويا عبر زواج استمر 35 عاما، انتهى بوفاة جون متأثرة بمتاعب في قلبها عام 2003، ليتوفي كاش بعدها بأربعة أشهر، فلم يحتمل قلبه النبض في عالم ليست فيه محبوبته، وظلت أغنيتها Ring of fir شاهدا على قصة حبهما الجميلة.

مارلين مونرو وآرثر ميلر

قصة غريبة جمعت بين فنانة إغراء وكاتب مسرحي شهير، إنها حكاية مارلين مونرو وآرثر ميلر، تقابلا في إحدى الحفلات ولاحقها بنظارته السميكة، تحدثا في ذلك اليوم عن أعماله وكتاباته وشعرت مارلين أخيرا أن هناك من يهتم بعقلها ويرى فيها أكثر من وجه فاتن، وبدأت علاقتهما تتوطد حتى تحولت إلى حب، ثم إلى زواج في 29 يونيو 1956.

لخص الكاتب الشهير علاقته بها قائلا: “كانت كالضوء تحيطني وتثيرني بغموضها وتناقضاتها”، لكن هذا الضوء على ما يبدو بدلا من إنارة عقله وإلهامه أحرقه بالوهج، فلم يقبل أن يعيش ظلا في حضور نجوميتها الطاغية نجومتيها.

كان هذا الزواج الثالث لمارلين وأصبحت صورهما معا ونظراته المحبة إليها حديث الجميع، وأصبحت هي تفكر بشكل جديد، شجعها على قراءة الصحف والكتب والانشغال بقضايا المجتمع، كشف لها بعدا جديدا في شخصيتها أخرجها من أدوار الإغراء التي حاصرتها، يقول البعض إنه كان الحب الحقيقي الوحيد في حياة مارلين أعاد صياغتها كما لو كانت بطلة إحدى مسرحياته بل دفعها إلى الكتابة.

فكتبت له قصيدة عبرت فيها عن عمق محبتها له وخوفها من فقدانه: وبالمقابل أثرت مارلين في حياته وأدبه وبدا سحرها يشع من كتاباته وأشهرها مسرحيتي “بعد السقوط” وحادثة في فيتشي”، وبعد تعرضها لمعاناة نفسية شديدة بسبب الإجهاض كتب فيلم “اللامنتمون” كهدية عيد حب، لكن في هدوء انفصلا في يناير عام 1961، في هدوء شديد وبقيت الصداقة تجمعهما، وبقي سحر قصتهما القصيرة خالدا في كتاباته وفي أفلامها.

جريس كيلي وأمير موناكو

حلت جريس كيلي ضيفة في مهرجان كان عام 1955، ودعيت إلى حفل في قصر الأمير رينيه الثالث في موناكو، تقابلا هناك لأول مرة، لكن ظل سحر النجمة الرقيق يفوح في جنبات القصر وفي جنبات قلب الأمير الشاب، تواعدا لفترة، وكان هناك تردد لأن بزواجها ستضطر جريس لترك حياة الشهرة والأضواء في هوليود لتعيش في قيود واجباتها كأميرة، خاصة وقد توجت مسيرتها بجائزة أوسكار، لكن انتصر الحب على الخوف، وتمت الخطبة التي فاجأت العالم، لتصبح بعدها حكاية السندريلا المعاصرة على كل لسان.

تزوجت جريس من رينيه عام 1956، وكان زواجهما أشبه بمشهد من فيلم هوليودي، وأصبحت تفاصيل هذا الحفل فيما بعد قصة تروى وكأنها حكاية خرافية، حيث شاهد الزفاف ما يزيد عن 30 مليون مشاهد عبر التلفزيون، ارتدت الفاتنة فستانا أيقونيا من تصميم هيلين روز استغرق 6 أسابيع في خياطته على يد 13 خياطة، وقضت شهر العسل على متن يخت فاخر جاب بهم البحر المتوسط.

كانت جريس فأل الخير على الإمارة الصغيرة، وأصبحت محبوبة أهلها، بعد أن منحتهم وليا للعهد، وهو منه فرنسا من الاستيلاء على موناكو، وفي عام 1964 حاول هيتش كوك إعادتها إلى السينما بفيلم “مارني” لكن زوجها رفض بشكل قاطع، واكتفت هي بواجباتها الملكية التي قامت بها على أكمل وجه، وظل العالم يتذكر ابتسامتها الهادئة الساحرة، وفي سبتمبر 1982 فوجئ العالم بخبر وفاتها إثر حادث انقلبت فيه السيارة التي كانت تقودها ابنتها، حزن عليها الأمير ولم يتزوج بعدها، وبعد وفاته دفن إلى جانبها في كاتدرائية موناكو.

إليزابيث تايلور وريتشارد بيرتون

التقت قطة هوليود المدللة، لأول مرة بـ بيرتون خلال تصوير فيلم “كليوبترا”، لتشتعل شرارة الحب بينهما.

وبعد انتهاء تصوير الفيلم أدركا أن ما يجمعهما ليس نزوة، وتزوجا في عام 1964، المشكلة أن كليهما كان حاد الطباع متقلب المزاج وتحول الزواج إلى مشاجرة كبيرة لا تنتهي، واتفقا على الطلاق عام 1974، لكن لم ينته الحب، وظلا يتابعان بعضهما البعض يتساءلان هل كان الطلاق قرارا سليما.

شعرا بالاشتياق واستغلت هي الصحافة وروجت لخبر إصابتها بالسرطان، فعاد إليها ليقف بجانبها، وعندما عرف بالكذبة كانت جهودها قد أثمرت وتزوجا ثانية، ثم حدث الطلاق مجددا عام 1976 وتحول الحب الكبير إلى صداقة ودعم مستمرين، وأصبحت حكاية حبهما المجنون حاضرة في الأذهان دائما رغم انتهائها.

وكانت آخر رسالة كتبها بيرتون لتايلور قبل أيام من وفاته عام 1984 في سويسرا بعد إصابته بنزيف في المخ عن عمر يناهز 58 عاما، وكتب فيها أنه كان أسعد إنسان خلال الأوقات التي قضياها معا وسألها: “هل يمكن أن تكون هناك فرصة أخرى؟”.

البيجوم وأغا خان

كانت فيفيت لابروس بائعة ورد فقيرة عندما تقدمت لمسابقة ملكة جمال فرنسا عام 1930وفازت بها، جمعتها الصدفة عام 1938، بالأمير محمد شاه أغا خان العجوز الذي يكبرها بـ29 عاما، لكن الإعجاب المتبادل تحول إلى حب عميق وقصة خالدة، عرض عليها مليون فرنك سويسري كهدية خطبة لو وافقت على الزواج منه.

تزوجا عام 1942، وأسلمت هي وأصبحت أم حبيبة التي عشقها الأغا زعيم الطائفة الإسماعيلية، كان يناديها “ياكي” وهو تدليل يجمع الحروف اللاتينية الأولى لاسمها “إيفيت خان”.

مع كبر سن الآغا خان عانى من آلام المفاصل والروماتيزم، ونصحة الأطباء بأن يستقر في مناخ جاف ودافئ، فجاء إلى أسوان عام 1954 مع زوجته البيجوم، وأقام فوق ربوة عالية في قلب النيل فيلا أنيقة نفذها رائد العمارة الإسلامية فريد شافعي، وبجوارها مقبرة بديعة من المرمر على الطراز الفاطمي، تحولت فيما بعد إلى مزار سياحي، وشاهدا على قصة حب عظيمة.

ومنذ وفاته عام 1957، ولأنه كان عاشقا للورود الحمراء، ظلت البيجوم تضع كل يوم في التاسعة صباحا وردة حمراء جديدة من نوع “رونرا بكران” داخل كأس فضية على قبر أغاخان، كانت تذهب إلى المقبرة بمركب ذي شراع أصفر؛ لأن كل المراكب أشرعتها بيضاء، وبهذا يعرف أهالي أسوان أن أم حبيبة جاءت، تركت البيجوم الحياة وراءها، وظلت في خدمة أهل طائفة زوجها، تزرع الخير أينما حلت، رفضت الزواج وفضلت العيش على ذكراه، وظلت محافظة على العهد حتى وفاتها عام 2000، ودفنها بجوار زوجها الحبيب.

ستيفن هوكينج

ومن جنون عالم الفنانين، نذهب إلى قصة حب دارت في عالم مليء بالأرقام والمعادلات الرياضية، بطلها العالم الشهير ستيفن هوكينج الذي كان يعيش حياته بصورة طبيعية، حتى بدأ يفقد السيطرة على جسده شيئا فشيئا وشخص الأطباء مرضه بالتصلب الجانبي الضموري وتوقعوا عام 1963 أن لا يعيش أكثر من عامين.

وعندما كان العالم الشاب على وشك الاستسلام جاءه الحب في صورة طالبة جامعية اسمها جين وايلد التي تعرفت إليه في إحدى الحفلات عام 1962، وبحلول عام 1964 كانت وقعت في غرامه، كتبت عن ذلك في سيرتها الذاتية “السفر إلى اللانهاية”: “كان الأوان قد فات، فقد وقعت تحت تأثيره بالكامل، مسحورة بعينيه الزرقاوين الرماديين وابتسامته العريضة”

تزوجا في كنيسة ترينيتي هول يوليو 1965، كان في الثالثة والعشرين من عمره وكان عمرها 21 سنة، ولم يوافق والديه على هذا الزواج، بمرور الوقت منحت جين زوجا أملا جديدا وسببا يعيش من أجله، ومنحته أيضا عائلة لكن الحياة لم تكن وردية، بالنسبة إليها فبينما ازدهرت حياته العلمية، أصبحت هي في ظله مضطرة للاهتمام بنظافته وإلباسه وإطعامه، وتحاولت علاقتها بها من زواج إلى أمومة، تعرضت للإجهاد العاطفي في ظل وجود ثلاثة أطفال تعتني بهم بشكل كامل وزوج تتلاشى قدراته شيئا فشيئا.

وقعت في الحب مجددا عام 1977 عندما تقابلت مع قائد جوقة موسيقية سدعى جوناثات هيلر، لكنها ظلت على اهتمامها بزوجها وعائلتها التي شعرت تجاههما بالتزام كبير، لكن في نهاية الثمانينيات وبعد كتابه “موجز تاريخ الزمن”، تعرضت علاقتهما لهزة عنيفة تطلقا في إثرها، ولم تتزوج جين من هيلر جونز إلا في عام 1997، ورغم الطلاق ظلت جين على حبها وعطفها بستيفن، وأصبحا أصدقاء.

ربما يعجبك أيضا