حوار القاهرة.. هل ينهي 15 عاما من الانقسام الفلسطيني ؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

برعاية مصرية وبمشاركة 14 فصيلاً وعدد من القوى الوطنية، اختتمت أعمال الحوار الوطني الفلسطيني الذي استضافته القاهرة على مدار يومين من النقاش المعمق بالاتفاق علي مجموعة من القرارات الإيجابية كمقدمة لتحقيق المصالحة الشاملة.. بالمحصلة مخرجات تلك الاجتماعات تأتي في الوقت المناسب وإن كانت متأخره لكنها أتت نحو لم الشمل الفلسطيني والوحدة الوطنية، تبدأ بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية لأول مرة منذ 15 عاماً.

حوار

أطول ماراثون من الخلافات السياسية

الانقسام الفلسطيني الذي دام 15 عاما أثمر من المضار والمخاطر ما لا يغفله فلسطيني واحد، ومنها الضعف الذي لحق بمركزية القضية الفلسطينية في بيئتها العربية وتعثر جهود السلام وإطلاق يد إسرائيل في إقامة المزيد من المستوطنات وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوالي الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين أيضا وغير ذلك الكثير.

لكن الانقسام كان «تمرينا» أيضا على إجراء حوارات المصالحة، إذ دارت الوفود والشخصيات الفلسطينية بين عدة عواصم وكلها كانت تنتهي بإعلان التوافق على إنهاء الانقسام من دون أن ينتهي الانقسام فعلا.

هذه الحوارات كانت أطول ماراثون في تاريخ أي خلاف سياسي بين طرفين يقولان إنهما يريدان إنهاء الانقسام ويعترفان بحجم الضرر الذي لحق بقضيتهم المشتركة. إجراء الانتخابات ليس سوى خطوة في الاتجاه الصحيح، فهي لا تكفل باقي الضرورات، خاصة وأن الأطراف الفلسطينية لا تزال لا تجتمع على برنامج وطني واحد ولا هي توافقت على استراتيجية عمل لتنفيذه، وهو ما قد يعني استمرار الانقسام أو عودته بأشكال أخرى.

تغيرات إقليمية ودولية

حوار القاهرة إذن هو محاولة جديدة تتزامن مع تغيرات في السياسات الإقليمية والدولية، مع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، والدفع نحو إجراء الانتخابات في موعدها، على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، ليكونوا جاهزين فيما بعد إذا ما وجهت لهم الدعوات لتقرير ما هو مصيري في حياتهم ووجودهم.

إقليميا، تحظى القضية الفلسطينية بدعم عربي كبير، والتأكيد عبر جامعة الدول العربية، على الثوابت العربية تجاه القضية الفلسطينية، والتمسك بحل الدولتين الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على أساس القانون الدولي.

هناك تطور إيجابي حدث، وهو أن المحكمة الجنائية الدولية قالت أنها معنية وذات اختصاص فيما يحدث من جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو تطور سيكون له تبعاته على القضية الفلسطينية وتحريك المياه الراكدة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

وهو ما عبر عنه شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بالترحيب معتبرا هذه الخطوة «بارقة أمل» لاستعادة جزء من الحقوق الفلسطينية المغتصبة. ووصفها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بـ«اليوم العظيم» حيث ستبدأ المحكمة في قبول القضايا التي قدمتها السلطة بحق جرائم الاحتلال.

Untitled 20

الموقف الأمريكي

ينتظر الفلسطينيون إنهاء الانقسام الفلسطيني والخروج منه برؤية موحدة يستطيع العالم التعامل مع قضيتهم على نحو واضح، ولا سيما بعد دخول جو بايدن البيت الأبيض بمقاربات أكثر واقعية بشأن عملية السلام.

في هذا الصدد كشفت صحيفة «فورين بوليسي» الأمريكية، عن أنّ هدف مصادقة الكونجرس الأمريكي على مشروع قانون للإنفاق هو تعزيز الاقتصاد الفلسطيني، ودعم برامج السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقالت الصحيفة: «إنّ إدارة بايدن أوضحت أنّها ستسعى لإعادة بناء الكثير مما تم تفكيكه في ظل الإدارة السابقة في الولايات المتحدة، وستعمل على استئناف العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والقنصلية الأمريكية في القدس المحتلة، وإعادة المساعدات للفلسطينيين».

وأضافت: «إدارة بايدن ستبحث على المدى البعيد عن طرائق لتخفيف التوترات بين طرفي النزاع الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك بهدف تقريب قيادتي الطرفين من بعضهما بعضاً»، مُشيرةً إلى أنّ إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هدفت إلى استراتيجية الضغط على السلطة الفلسطينية، من خلال وقف المساعدات للشعب الفلسطيني.

شراكة حقيقية

ولأن من أهم عوامل نجاح الحوار الوطني الفلسطيني، القبول بشراكة سياسية شاملة عموديّاً وأفقيّاً، أي على مستوى الشراكة في القرار السياسي والشراكة في إدارة مؤسسات السلطة والمنظمة المدنية والأمنية، والتعامل مع كافة شرائح الشعب وفصائله بسقف جريّات متساوي، وغير ذلك لا نتقدم خطوة واحدة.

لذلك فإن الشارع الفلسطيني الذي تابع الأنباء على مصالحة فلسطينية لا يزال حذرا، خاصة وأنه شعر بالخذلان في جولات الحوار السابقة وبات معياره للحكم عليها هو ما ينفذ على الأرض لا ما يتفق عليه في الغرف المغلقة.

لا سيما وأن 6 جولات من الحوار الفلسطيني برعاية القاهرة بين عامي 2009 – 2017 سبقت الاجتماع الأخير، كان قاسمها المشترك اتفاق يعقبه خلاف بين الجانبين، فهل يفضي الحوار الأخير لمصالحة حقيقية، والتهيئة لمرحلة جديدة في الأراضي المحتلة؟

الرغبة المشتركة في التوصل إلى اتفاق فتحت الطريق أمام تشكيل محكمة خاصة بالانتخابات مؤلفة من قضاة مشهود لهم بالنزاهة، كما تم التوافق على إعادة 500 عنصر من أفراد السلطة الفلسطينية للإشراف على الانتخابات في غزة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين لدى طرفي الانقسام.

حوار القاهرة

طلقة البداية

بدوره، يرى المحلل السياسي، الدكتور عماد جاد، أن التضامن العربي الواسع والحضور الكبير، ليس له أهمية، دون اصطفاف فلسطيني حقيقي، وتحدث الانتخابات في منتصف العام، وتكون هناك حكومة جديدة وبرلمان جديد، ورئيس جديد يحكم السيطرة على القطاع والضفة.

الوساطة المصرية هي الأخرى، عامل دفع لتحريك المياه الراكدة، وتحقيق الاصطفاف الفلسطيني، والإشارة إلى رفض أي تدخلات من قبل قوى إقليمية، على رأسها إيران وتركيا، الإمساك بالملف الفلسطيني، وكذلك استعادة قطر للتوافق العربي، بحيث تم إعادة كافة الأوراق.

من ثم، فإن نجاح الحوار الفلسطيني في الخروج بتوقيتات محددة، وأجندة واضحة يتم تنفيذها على أرض الواقع، بمثابة طلقة البداية نحو استعادة القضية الفلسطينية، مستغلة في ذلك الزخم الإقليمي والدولي لتحقيق الحلم الفلسطيني بدولة ذات سيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس، وإنهاء الانقسام الحاصل منذ 15عاما والذي أضر بقضيتهم لا سيما في مرحلة باتت مهددة فيها بالتآكل.

هل تحدث المفارقة؟

بخسارة ترامب، توارى مشروع صفقة القرن إلى الظل، في وقت يشهد الاحتلال انقساما حادا مع اقتراب انتخابات هي الرابعة خلال عامين، إذ تشهد الساحة السياسية انشقاقات حزبية، ينشغل الإسرائيليون داخليا بأزمة الحكم، ومعها أزمة فساد الحاكم ليجد رئيس حكومتهم نفسه في معارك شتى قد تنتهي بفقدان المنصب هذه المرة، ومواجهة القضاء من خارج الحكم بعد مثوله أمامه.

تلك كلها تصب في مصلحة الفلسطينيين وتزيدهم تماسكا إن عزموا فتوكلوا ووحدوا الصفوف لإنهاء خلافاتهم مستغلين انقسام المحتل سياسيا وقد طال أزمته غير المسبوقة.

قد تحدث المفارقة، بأن يزداد الفلسطينيون تقاربا بعضهم من بعض، ويزداد الشرخ لدى الإسرائيليون أن يستمروا في عجزهم عن الإتيان بائتلاف حكم متماسك أو حكومة وحدة تعمر طويلا. ولا ريب أن في الوحدة قوة وتمكينا وبها تكون الخيارات استراتيجية لا مرحلية ظرفية وكل ذلك يتوقف على الفلسطينيين أنفسهم وما يريدون

ربما يعجبك أيضا